عندما أسقطت الولايات المتحدة قنبلة نووية على هيروشيما في شهر أغسطس من عام 1945، أُحيطت المدينة اليابانية بكرة نارية مدمرة قتلت ما يقرب 140,000 شخص، وأذابت الأرض والبنية التحتية للمدينة.

بعد سبعين عامًا، اكتشف العلماء حطام الفوضى جراء انفجار القنبلة النووية على شكل كرات زجاجية متناثرة على شاطئ جزيرة موتوجينا في خليج هيروشيما، حيث كانت الخرسانة والصُلب التي كانت تشكل مباني هيروشيما قد خُلطت وحُرقت جراء الحرارة الشديدة، قبل أن تبرد وتتساقط إلى الأرض على شكل حبات زجاجية، وفقًا لافتراض العلماء.

والآن، كشفت تحليلات جديدة لهذه الأجسام المُسماه «زجاج هيروشيما» عن كيفية تكوّنها من طريق التكثيف داخل كرة النار النووية.

يظهر التحليل للتركيب الكيميائي والنظائري لتلك القطع الزجاجية -الذي أجراه عالم الكيمياء الفلكية ناثان آسيت من جامعة باريس وزملاؤه- تشابهًا مع النيازك البدائية المُسماه «كوندريت»، التي تكونت من الغبار بين النجوم والغاز السديمي في بدايات النظام الشمسي.

كتب الباحثون: «إن تكوين زجاج هيروشيما بوساطة التكثيف يعني أنه قد يكون مشابهًا لأولى المكثفات في النظام الشمسي».

تحتوي تلك المكثفات الأولى، أو المواد الصلبة المعروفة أيضا باسم الشوائب الغنية بالكالسيوم والألمنيوم، على كثير من نظائر الأكسجين-16 أيضًا، النظير الأخف من الأكسجين بأقل عدد من النيوترونات مقارنةً بالأصناف الأثقل.

يعتقد العلماء أن نظائر الأكسجين-16 قد أُنتجت بوساطة الأشعة فوق البنفسجية التي تخترق الغبار بين النجوم والسحابة الغازية التي تكونت منها كوندريت المجموعة الشمسية الأولى، أو أنها قد نتجت بفعل آليات معينة عند تكثيف المواد المتبخرة إلى السائل قبل أن تتجمد بصورة أكبر.

قال الباحثون إنه نظرًا لعدم إجراء سوى بضع تجارب مختبرية لاختبار هذا التفسير، فقد تقدم دراسة حطام الانفجارات في هيروشيما رؤى جديدة.

حلل الجيولوجي المتقاعد ماريو وانيير وفريقه عينات جمعها من الشواطئ الرملية في خليج هيروشيما عام 2015، وبتحليل 94 قطعة من حطام القنبلة النووية، تمكن آسيت وزملاؤه من تحديد أربعة أنواع مختلفة من القطع الزجاجية الناجمة عن انفجار هيروشيما هي: الميليليتيك، والأنورثوسيتيك، وجير الصودا، والسيليكا.

يبدو زجاج السيليكا من الناحية الكيميائية مشابهًا لحبيبات رمل الكوارتز التي يمكن العثور عليها على أي شاطئ، وكان زجاج الصودا والجير يشبه الزجاج الذي يُنتَج صناعيًا. ومع ذلك، كانت لدى الأنواع الأربعة جميعها المتكونة من زجاج هيروشيما تركيبات غريبة جدًا من نظائر الأكسجين والسيليكون، ما يمد الباحثين بوسيلة جديدة لدراسة كيفية تكونها.

لمزيد من الدقة، أجرى الفريق محاكاة لإعادة إنشاء التركيب الكيميائي، والظروف الفيزيائية لانفجار القنبلة النووية من الأبحاث السابقة، باستخدام التقديرات السطحية لنمذجة العمليات المحتملة للتكثيف داخل كرة هيروشيما النارية.

قدَّرت الأبحاث السابقة أن قنبلة هيروشيما انفجرت على ارتفاع 580 مترًا فوق المدينة، بعيدًا جدًا عن السطح، ومن ثم لم تسبب حفرة. ومع ذلك، كانت درجات الحرارة مرتفعة جدًا، إذ بلغت 10 مليون درجة مئوية داخل كرة النار ذاتها، ما يقدر بـ 6,287 درجة مئوية على الأرض، إذ أذابت مواد البناء في غضون ثوانٍ.

كشفت محاكاة الفريق عن كيفية تكثف السوائل الميليليتية أولًا من السحابة الغازية، في عملية تعرف باسم التقطير بالتجزئة، تلتها السوائل الأخرى مثل الأنورثوسيتيك، وجير الصودا، والسيليكا. ثم تبردت هذه القطرات إلى حالة الزجاج عندما تعرضت لدرجات حرارة تتراوح بين 1,800 و1,400 درجة مئوية، اعتمادًا على تركيبها.

يشرح آسيت وزملاؤه: «يعد زجاج الميليليتيك أول سائل يتكثف وآخر ما يُخمَد، لذا فهو أكثر ما قد يتفاعل مع المواد الموجودة في الكرة النارية. ما يفسر وجود غالبية الشوائب في هذا النوع من الزجاج».

مع أن الباحثين مهتمون أيضًا باحتمال النظر إلى النظام الشمسي المبكر من خلال زجاج هيروشيما، فإنهم يعترفون بأن الضغط ودرجات الحرارة والمخاليط الغازية تختلف اختلافًا كبيرًا بين كرة هيروشيما النارية وبين قرص التراكم الشمسي، حيث تشكلت الكوندريتات لأول مرة.

خلص الفريق إلى أنه رغم كل تلك الاختلافات، فإن أوجه التشابه بين زجاج هيروشيما والشوائب الغنية بالكالسيوم والألمنيوم، قد تشير إلى عملية مماثلة، هي التفاعلات الكيميائية في أثناء التكثيف، لتفسير التخصيب المماثل لنظائر الأكسجين-16.

اقرأ أيضًا:

هل سيصطدم كويكب بينو في الأرض في عام 2182؟ اصطدامه قد يكون بقوة 22 قنبلة نووية

ما الذي سيحدث عند تفجير كويكب بقنبلة نووية؟

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: ريمي سليمان

المصدر