أحداثٌ فلكية مثل كسوف الشمس قد تُثير الجزيئات في طبقة الأيونوسفير، إضافة إلى ذلك فقد تُعطل الاتصالات ضمن مجال التردد الراديوي للأرض.

عند حدوث كسوف الشمس فإنه يخلق موجات من الاضطراب في الجسيمات المشحونة كهربائيًا في طبقة الأيونوسفير للغلاف الجوي العلوي للأرض، وهي الطبقة التي تؤدي دورًا مهمًا في الاتصالات في مجال تردد الراديو؛ حيث تمتزج الأيونات المشحونة والإلكترونات في خليط من البلازما الذي يغلف الكوكب.

لفهم التأثير الذي يحدثه كسوف الشمس في هذه البلازما، يخطط علماء من وكالة ناسا لإطلاق سلسلة من الصواريخ لجمع المعلومات عن مصدر الاضطرابات.

تقع الطبقة الأيونية على ارتفاع يتراوح بين 60 إلى 300 كيلومترًا فوق سطح الأرض أي تقريبًا بين 37 إلى 190 ميلاً. وفقًا لـ آروه بارجاتيا، مدير مختبر أدوات الفضاء والغلاف الجوي في ناسا: «إن الطريقة الوحيدة لدراسة المنطقة بين 50 كيلومترًا و300 كيلومترًا في الموقع نفسه هي بإطلاق الصواريخ».

تسمى تلك المهمة «الاضطرابات الجوية حول مسار كسوف الشمس». فالمقصود بالدراسة في الموقع نفسه أي إنهم سيكونون حرفيًا في قلب الحدث.

أضاف بارجاتيا: «يمكن الأقمار الصناعية التي تحلق على ارتفاع 400 كيلومتر إجراء القياس في الأسفل، لكن لا يمكنها إجراء القياس في منتصف الطبقة الأيونية؛ إذ يمكنها فقط إجراء الاستشعار من بُعد، والقياسات الأرضية تعد أيضًا استشعارًا من بُعد».

إن عملية إطلاق الصواريخ تعد طريقة ذات تكلفة منخفضة نسبيًا للوصول مباشرةً إلى الطبقة الأيونية.

سيطلق الفريق، إضافة إلى الصواريخ، بالونات على ارتفاع عالٍ لقياس الطقس كل 20 دقيقة؛ إذ ستغطي هذه البالونات الـ 100,000 قدم الأولى، أو نحو 19 ميلاً فوق سطح الأرض، ثم ستُطلق ثلاثة صواريخ استطلاع مجهزة بمحركات صلبة تجارية وعسكرية إضافية.

صُممت هذه الصواريخ لتوفير رؤية للتغيرات المُحدثة في الطبقة الأيونية على مر الزمن؛ إذ ستُطلَق مباشرةً في ظل كسوف الشمس من موقع في منطقة وايت ساندز في نيو مكسيكو.

سيُطلَق أحد الصواريخ قبل الكسوف مباشرةً، والثاني في أثنائه والثالث بعده.

في حين أنها صواريخ استطلاع، فإنها ستصعد إلى الارتفاع المستهدف ثم تعود إلى الأرض، وهذا يعني أنها مجهزة بنظام استعادة مظلي.

أوضح ماكس كينغ، نائب رئيس مكتب برنامج الصواريخ الاستطلاعية في مُنشأة والوبس للطيران التابع لمركز جودارد لرحلات الفضاء GSFC: «إذا فكرنا في مركبة فضائية كبيرة ستُرسِل القمر الصناعي إلى الفضاء، فستصل سرعتها إلى 14000 ميل في الساعة عندما تصل إلى الفضاء. لذلك، ستصل إلى سرعة الإفلات المدارية، وستضع حمولتها في المدار، وستبقى هناك لفترة طويلة. أما صواريخنا التي نطلق عليها اسم صواريخ دون المدارية ستصعد إلى الأعلى، لكن بحلول وقت وصولنا إلى الفضاء، سنكون قد توقفنا عن الحركة تمامًا ونبدأ في السقوط مرة أخرى إلى الغلاف الجوي. على طول المسار المنحني، سنحصل على نحو 10 دقائق في طبقة الأيونوسفير؛ حيث يمكننا أخذ القياسات وإجراء الأبحاث العلمية».

قد لا تبدو الدقائق العشر كافية، لكن يمكن جمع كثير من البيانات خلال هذه الفترة، فعند وصول الصواريخ إلى طبقة الأيونوسفير، ستنبثق منها وحدات كهروستاتيكية لقياس درجة حرارة البلازما وكثافتها، إضافة إلى الحقول الكهربائية والمغناطيسية المحيطة بها. فضلًا عن ذلك، يوجد نظام قياس عن بُعد يرسل البيانات إلى الأرض على نحو مستمر.

الهدف الرئيسي من المهمة هو دراسة ديناميكية البلازما في أثناء كسوف الشمس التي قد تؤثر في اتصالات التردد الراديوي. قد يؤدي أي نوع من التقلبات غير المتوقعة إلى تعطيل إشارات الأقمار الصناعية وأنظمة تحديد المواقع بواسطة الأقمار الصناعية (GPS)، أو أجهزة الراديو، أو أجهزة الرادار التي يستخدمها الجيش.

بحسب بارجاتيا: «تعمل الطبقة الأيونية على ارتداد الترددات الراديوية، إضافة إلى مرور جميع اتصالات الفضاء من خلال الطبقة الأيونية».

سيجري الفريق بحثًا في الصحراء بعد انتهاء المهمة عن الأجزاء المتساقطة من الصواريخ، وسيجددون ما تبقى منها لإطلاق مجموعة ثانية من الصواريخ في أبريل 2024 خلال كسوف الشمس القادم لدراسة تأثيرها في الطبقة الأيونية بعيدًا قليلاً عن المسار المباشر.

سيحصل الباحثون على مزيد من التفاصيل فيما يتعلق بما يحدث لطبقة الأيونوسفير عندما تُحجب الشمس فجأة من خلال رؤية الترددات الراديوية المتأثرة ومدى انتشار الاضطراب؛ إذ إن ذلك سيسمح بتحسين النماذج للتحضير الأفضل لهذه الاضطرابات المحتملة في المستقبل.

أطلقت ناسا صواريخ عدة في أثناء كسوف الشمس. وكانت آخر حملة كبيرة أجرتها ناسا في عام 1970؛ إذ أطلقت 25 صاروخًا خلال 15 دقيقة.

وفقًا لـ بارجاتيا: «في عام 1970، حدث الكسوف مباشرة فوق منشأة والوبس في ولاية فرجينيا، لكن تلك الصواريخ كانت في الغالب صواريخ للأرصاد الجوية. أما صواريخ اليوم، فكل واحد منها يحتوي على أربع حمولات صغيرة مليئة بأجهزة علمية. لذلك، فإن إطلاق صاروخ واحد يمنحنا خمس قراءات في الوقت نفسه؛ أي إن صاروخًا واحدًا اليوم يُعادل خمسة صواريخ أُطلقت في عام 1970».

لم تكن تلك الصواريخ مخصصة فقط لإلقاء نظرة عابرة على السماء في أثناء حدوث كسوف الشمس، بل في الواقع تستخدمها ناسا في نحو 20 مهمة سنويًا في جميع أنحاء العالم.

يقول المسؤول ماكس كينغ: «إننا نذهب حيثما تكون العلوم».

يمكن استخدام صواريخ الاستطلاع لإطلاق التلسكوبات للتجسس على الكواكب السماوية، والانفجارات النجمية، أو تجمعات النجوم، أو حتى التوهجات والانبعاثات الصادرة عن الشمس نفسها.

توجد المواقع الرئيسية لإطلاق الصواريخ في أمريكا الشمالية في منشأة والوبِس في فرجينيا، وفي منشأة وايت ساندز في نيو مكسيكو. إضافة إلى ذلك، توجد أيضًا خارج الولايات المتحدة، ففي النرويج يوجد موقع كبير لإطلاق الصواريخ؛ حيث يستخدم العلماء هذه الصواريخ لمراقبة الشفق القطبي الشمالي وظواهر الشفق الأخرى.

يمكن استخدام الصواريخ أيضًا لاستكشاف ما يُسمى منطقة الحافة، وهي أقرب بوابة في السماء إلى الفضاء القريب من الأرض.

يوضح المسؤول ماكس كينغ: «منطقة الحافة هي المكان الذي تجتمع فيه خطوط الحقل المغناطيسي جميعها في نقطة واحدة، والطريقة الوحيدة التي يمكننا بها دراسة ذلك هي إطلاق صاروخ خلالها».

اقرأ أيضًا:

خلال كسوف الشمس، يحاول الفلكيون الكشف عن أسرار الرياح الشمسية

هل يتسبب النظر المباشر إلى كسوف الشمس بالعمى؟

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: ريمي سليمان

المصدر