يواجه كوكب الأرض حاليًا أقسى المشكلات التي واجهها حتى الآن، إذ يعاني من التلوث والاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة المحيطات ما يؤثر مباشرةً في الكائنات الحية -الإنسان والحيوان والنبات- وفي البيئة والتوازن البيئي بشكلٍ عام، وقد وصلت هذه المشكلات إلى حدٍ لا نستطيع بعد الآن تجاهله أبًدا، إذ يجب البدء بالتفكير واتخاذ القرارات التي من شأنها أن تحدّ من هذه المشاكل تدريجيًا.

تعدّ المحيطات المنظم الحيوي لمناخ هذا الكوكب، إذ تمتص المحيطات درجات الحرارة، وتنتج الأكسجين، وتمتص غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وبذلك تُعد عاملًا أساسيًا يتحكم في أنماط الطقس.

مع ارتفاع درجة الحرارة عالميًا، ارتفعت درجة حرارة المحطيات، ووفقاً لخدمة تغير المناخ كوبرنيكوس التابعة للاتحاد الأوروبي، سجّل متوسط درجة حرارة سطح البحر العالمية اليومية رقماً قياسياً منذ عام 2016، إذ وصلت درجة حرارة سطح البحر إلى 20.96 درجة مئوية، وهذه الدرجة تفوق المتوسط المُعتاد لمثل هذا الوقت من السنة.

تُعد هذه المشكلة من أكبر المشكلات التي يعاني منها كوكب الأرض، إذ إن ارتفاع درجة حرارة المحيطات والموجات الحرارية بشكلٍ عام، ستسببان اضطرابًا لأنواع الكائنات البحرية مثل الأسماك والحيتان، نتيجة تنقلها من منطقة إلى أخرى بحثًا عن مياه أبرد، ما يسبب تعطيلًا في السلسلة الغذائية، وقد أشار الباحثون إلى ازدياد خطورة الحيوانات المفترسة مثل أسماك القرش، بسبب تعرضها لدرجات حرارة أعلى من المعتاد.

قد تنجم عواقب بيئية عديدة عن ازدياد درجة حرارة المحيطات، إذ ستصبح المحيطات أقل قدرة على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، ما يُعجل في ذوبان الأنهار الجليدية المتدفقة إلى المحيط، وارتفاع في منسوب سطح البحر.

تُشبِّه البروفيسورة كاثرين ليسنيسكي -التي كانت ترصد موجات الحر في خليج المكسيك لصالح الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي- المحيطاتِ بالحمّام الساخن، بينما يعاتب البروفيسور مات فروست نفسه وبقية سكان الكوكب، بسبب الضغط الكبير الذي نضعه على هذه المحيطات، مُشيرًا إلى أن التلوث الكبير الذي نعاني منه بالإضافة إلى عمليات الصيد الجائرة من شأنهما تغيير طبيعة المحيطات.

من الواضح أن عام 2023 كان عامًا كارثيًا شهد ارتفاعًا كبيرًا في درجة الحرارة واستمرار صعودها في المستقبل، وعبّرت البروفيسورة سامانثا بورغيس عن قلقها بشأن توقيت هذا الرقم القياسي في عام 2023، موضحة أن الشهر الذي من المفترض أن تكون به المحيطات أكثر دفئًا هو شهر مارس وليس شهر أغسطس، وأن استمرار ارتفاع درجات الحرارة قد يبقى حتى آذار المقبل من عام 2024، ما يعتبر سببًا إضافيًا للتوتر والقلق.

وأوضح البروفيسور مايك بوروز، الذي يرصد التأثيرات على شواطئ البحر الاسكتلندية بالتعاون مع الجمعية الاسكتلندية لعلوم البحار، أن هذا التغيّر السريع في درجة حرارة المحيطات طبيعي جدًا مقارنةً بحجم التلوث العالمي، فتغيّرات المناخ تحفز المحيطات لامتصاص معظم الحرارة الناتجة عن انبعاث الغازات الدفيئة وحرق الوقود الأحفوري، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة المحيطات.

يتفوق متوسط الرقم القياسي الحالي لدرجات الحرارة، على الرقم المسجل في عام 2016، عندما كانت ظاهرة النينيو الطبيعية في أوجها وفي أقوى حالاتها.

تحدث ظاهرة النينيو عند ارتفاع المياه الدافئة إلى السطح مقابل الساحل الغربي لأميركا الجنوبية، ما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وقد بدأت موجة أخرى من ظاهرة النينيو الآن، لكن أوضح العلماء أنها ما تزال ظاهرة ضعيفة، ما يعني أنه من المتوقع ارتفاع درجات حرارة المحيطات إلى مستويات أعلى من المتوسط في الأشهر المقبلة.

أدى هذا الرقم القياسي من درجات الحرارة إلى سلسلة من موجات الحرارة البحرية هذا العام، مثل التي حدثت في المملكة المتحدة وشمال المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط وخليج المكسيك.

عبّرت البروفيسورة سامانثا بورغيس عن تعجبها من حدوث موجات الحرارة البحرية في أماكن غير اعتيادية وغير متوقعة، ووفقًا لمكتب الأرصاد ووكالة الفضاء الأوروبية، بلغت درجات الحرارة في المياه البريطانية حدًّا أعلى من المتوسط بمقدار 3 إلى 5 درجات مئوية، وذلك في يونيو الماضي.

في ولاية فلوريدا، بيّنت التقارير أن درجة حرارة سطح البحر قد بلغت 38.44 درجة مئوية في الأسبوع الماضي، وهذا ما يشبه حوض استحمامٍ ساخن على حد تعبير العلماء.

وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، فإن درجات الحرارة يجب أن تكون عادةً بين 23 و31 درجة مئوية، لكن التقارير التابعة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أوضحت أن موجات الحرارة البحرية قد تضاعفت ما بين عامي 1982 و2016، وأصبحت تستمر فترات أطول منذ الثمانينيات.

في الوقت الذي تشهد فيه درجة حرارة الهواء زيادات هائلة خصوصًا في الأعوام الأخيرة، يستغرق ارتفاع درجة حرارة المحيطات وقتًا أطول، برغم امتصاصها 90% من حرارة الأرض، نتيجة انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.

وقد أشارت البروفيسورة كارينا فون شوكمان إلى إحدى النظريات التي توضح أن كثيرًا من الحرارة التي تختزن في أعماق المحيطات تطفو على سطحه الآن، وربما تكون مرتبطة بظاهرة النينيو.

لقد كان ارتفاع درجة حرارة سطح البحر أمرًا معروفًا لدى العلماء، وكانوا مدركين لحدوثه ومدركين أيضًا لاستمرار ارتفاعه نظرًا لانبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، لكنهم ما زالوا يتحرون على وجه التحديد السبب وراء ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات أعلى من الأعوام السابقة.

اقرأ أيضًا:

هل تنقسم قارة أفريقيا إلى قارتين منفصلتين؟

ماذا يوجد تحت رمال الصحاري؟

ترجمة: يزن دريوس

تدقيق: نور حمود

المصدر