لنكن متأهبين لقدوم موجات بحرية قوية وذات حرارة عالية، هي ظاهرة جديدة تُسمى إلنينو.

سنشهد أحوالًا جوية عاتية ترافقها معدلات عالية متكررة لحرارة المحيطات، كل هذه التحديات وأكثر ستتزامن مع انتشار الظاهرة الجديدة.

نحن الآن نختبر أزمة خطيرة متعلقة بالمياه، إذ إن درجات الحرارة آخذة بالارتفاع عالميًا، وأصبحت المحيطات هذه السنة تحديدًا أحرّ من ذي قبل.

أيضًا، فإن الأمواج البحرية الحارة تشكلت بفعل الأزمات المناخية المستمرة، التي بدورها تتزامن مع وصول ظواهر إلنينو القوية.

شعر فريق من الخبراء والباحثين بالقلق والتساؤل حيال العامل المسبب الذي جعل الوضع أسوأ، فما الإجراءات اللازمة لتخفيف الخطر المحتمل؟

ارتفاع الحرارة:

منذ نيسان العام الجاري، ارتفعت حرارة معظم محيطات الأرض، وكوّنت معها الأمواج البحرية الحارة، التي كانت أشد من السنوات السابقة، وقد تستمر فترات طويلة في المستقبل مترافقةً مع إلنينو.

سُجلت درجات حرارة مرتفعة لمياه البحار في المملكة المتحدة وأيرلندة، إذ بلغ ازديادها نحو أربع إلى خمس درجات خلال شهري حزيران وتموز، ما يعادل ارتفاعًا من 39.2 إلى 41 درجة على مقياس فهرنهايت.

بعض المصادر المائية المحيطة بولاية فلوريدا الأمريكية، قد فاقت درجات حرارتها 38 درجة مئوية، للمرة الأولى في التاريخ.

تشمل هذه الزيادة الكبيرة في درجات الحرارة المحيط الهادي الاستوائي، خصوصًا اليابان وقبالة سواحل بيرو وإكوادور.

هذه الارتفاعات الكبيرة في حرارة المياة أمر خطير جدًا للمحيطات، فضلًا عن تأثيرها على الصناعات البشرية الهامة، إضافةً إلى كونها تُشكل خطرًا كبيرًا على العديد من الكائنات الحساسة التي تعيش في المياه الباردة مثل الأعشاب البحرية، وكائنات المياه الدافئة مثل الشعب المرجانية، وقد يؤثر فقدان أحد هذه الأنواع بشدة على الأنواع الأخرى.

مثلًا، شهد الساحل الغربي لأمريكا بين عامي 2014 و2015 ظاهرة «البلوب»، وهي موجة بحرية حادة قتلت الكثير من نجوم البحر، ما أدى إلى ارتفاع مفاجئ في أعداد القنفذيات التي تُعد وجبةً شهية لنجوم البحر، ما أدى بدوره إلى فقدان غابات الأعشاب البحرية.

من وجهة نظر أخرى، فإن هذه الموجات الدافئة تستطيع مساعدة الكائنات المتنقلة على الهجرة إلى أماكن جديدة بحثًا عن مياه أبرد، ما يؤثر كثيرًا في الحياة البحرية، إضافةً إلى تأثيرها على الصيد والزراعة البحرية والسياحة.

ومع تتالي العواقب والتأثيرات، قد يسبب ذلك فقدان فرص العمل وقلة الموارد.

قد تؤدي الظاهرة إلى زيادة تكاثر أزهار الطحالب الضارة، وغيرها من الكائنات الدقيقة التي تُشكل تهديدًا لصحة الإنسان.

إضافةً إلى ذلك، فإن كل هذه الاضطرابات تحدث تزامنًا مع وصول ظاهرة إلنينو، ما سيجعل الأمور أكثر خطورة وجدية.

كان ذلك ما دفع أخيرًا فريقًا دوليًا من الخبراء، عبر مقالة نُشرت في مجلة Nature، إلى تشجيع التعاون بين صناع القرارات والعاملين في مجال الحفاظ على التنوع البيولوجي الساحلي، والصيد والزراعة المائية والسياحة، للخروج باستراتيجية مساعدة ربما لأشهر أو حتى لعقود قادمة.

لماذا يُعد إلنينو مهمًا؟

مع بداية شهر حزيران من هذا العام، أعلن مركز التنبؤ المناخي التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، أن ظاهرة إلنينو المذكورة قد بدأت.

حصلت هذه الظاهرة على اسمها الفريد الذي يعني الطفل أو الوليد، من حقيقة كون مياهها الدافئة الفريدة تبدأ بالتشكل حول الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية، حتى تبلغ ذروتها مع وقت الكريسماس.

من نظرة أوسع، فإن هذه الظاهرة مازالت في بداياتها لهذا العام، ومع ذلك سببت درجات حرارة قياسية في البيرو.

هذا ما يجعل ضرورة فهم هذه الظواهر الجوية أمرًا مهمًا، إضافةً إلى مساعدتنا على توقع المناطق الأكثر عرضةً للتأثر بمثل هذه الحوادث، ما يمنحنا وقتًا إضافيًا للتحضير والتصدي له، والحد من تأثيراته قدر الإمكان.

التأثيرات وطرق الوقاية:

عمومًا، إن معرفتنا وفهمنا للأمواج الحارة العاتية، لا يكافِئان إدراكنا لإلنينو، إلا أننا قد تعلمنا الكثير منذ آخر حادث له.

تبعًا للبيانات التاريخية، فإن هذه الأمواج شائعة الحدوث في شمال شرق المحيط الهادي، ووسط المحيط الهادي الاستوائي، وأيضًا في المياه قبالة شرق أستراليا والمحيط الهادي، وكل هذه المناطق تُعد من ضمن المناطق الأكثر عرضةً للموت الجماعي الذي قد تتعرض له الأحياء البحرية، خاصةً الشعاب المرجانية وغابات عشب البحر.

أُجريت أيضًا دراسة حول كيفية التنبؤ بارتفاع درجات حرارة المياه. على وجه الخصوص، تُعد الخرائط الأرضية الفضائية المستعملة في عمليات التنبؤ حاليًا، إحدى أدق الأدوات في عملية دراسة المياه المفتوحة، إذ تسهل دراسة عوامل المناخ، مثل ظاهرة إلنينو في المياه القريبة من السواحل.

يوضح الخبراء في مقالهم، أنه علينا العمل أكثر، من أجل تكيف قطاع التنوع البيولوجي المحلي والصيد، وتربية الأحياء المائية والسياحة وغيرها، لإدارة التغيرات القادمة، يجب تحسين النماذج التي تجمع بين المحيط الهادي والغلاف الجوي، وتقييم قدراتها التنبؤية بالحوادث.

من الضروري أيضًا التخطيط لوضع استراتيجيات محلية تساعد في التعامل مع موجات تغير درجات الحرارة، مثلًا، في هذا العام اتبعت بعض المدن في أستراليا والولايات المتحدة، أنظمة مبتكرة للتنبيهات السابقة للحدث، وذلك على مستوى موسمي قد يصل إلى بضعة أشهر.

تتمثل الغاية من ذلك في تزويد وكالات حفظ البيئة وعمليات الصيد والاستزراع المائي والجمهور المهتم، بملخصات حول موجات الحرارة البحرية.

الاستزراع المائي قد يُجهز لفصلي الشتاء والربيع في حال حدوث الموجات الحارة، وذلك بضمان توفر مجموعة متنوعة من الطعام الخاص بالأسماك مثل السلمون.

إضافةً إلى التحضير لحالة تفشي الأمراض، أو تغير مواعيد الحصاد، لضمان كون هذه الكائنات في حالة مناسبة وجيدة.

قد تحتاج حرفة الصيد إلى التحضير الكلي في موجات الصيف والخريف الحارة، وذلك لإغلاق مناطق العمل أو تقليل حصص الصيادين، حتى تتمكن الأسماك المتنوعة من التكيف مع ضغوط الحرارة.

أيضًا فإن هجرة بعض الأنواع الباحثة عن المياه الباردة، قد يؤدي الى تحديات كبيرة على إدارة الولاية.

يجب على الأعمال السياحية أيضًا أن تُحضر للتغير القادم، إذ إن شركات الغوص والغطس الخاصة قد تُقلل من أعداد العاملين الذين قد يتعرضون لموجات الحر، أو قد تُحوّل وظائفهم للحد من فقدان الوظائف المحتمل.

يضيف الباحثون أن رحلات مشاهدة الحيتان قد تزداد، مثل ما حدث في أثناء فترة البلوب قبالة سواحل كاليفورنيا.

على شركات رياضات الصيد التحقق من الأذونات الكاملة المناسبة، والأدوات والعاملين، وذلك لأخذ الاحتياطات عند انتقال هذه الأشكال الخطيرة من المناطق الحارة إلى المناطق التي لا تُراقب عادةً فيها.

بالنسبة إلى العلماء، اقترح الفريق أيضًا أنه على الباحثين توسيع نطاق مراقبة التأثيرات، وتمييز الظروف المادية والبيولوجية الحية للمنطقة قبل وقوع موجة الحر، فبإمكانهم نشر المستشعرات، لقياس التغيرات الأساسية في المياه، مثل الحرارة والأكسجين ومستويات المياه والملوحة ووفرة الموارد الغذائية.

يُشجع العلماء على مراقبة أشكال الحياة المعروفة بعيشها في مياه ذات حرارة تقارب حرارة أجسادها، إذ قد تكون هذه الكائنات تنبيهات مبكرة للخطر الواسع المحتمل.

إن الوضع يستدعي القلق، إذ توضح المقالة أن الأزمة المناخية قد تؤدي في نهاية المطاف إلى وصول المحيطات إلى حالة دائمة من موجات الحرارة مقارنةً بالمعلومات التاريخية.

وأضاف أيضًا أنه قد تصبح بعض المناطق غير مناسبة لحياة الأنواع والأشكال الحية أو داعمة لها، وربما قد يكون للنظم البيئية الناشئة تأثير غير متوقع عند تعرضها للمياه الأدفأ.

بصرف النظر إن كانت ظاهرة إلنينو ستحدث هذا العام أم لا، فإن هذه التحضيرات ستساعد العديد من الأنشطة والأعمال البحرية، لأن جميع التوقعات تشير إلى أن هذه الموجات ربما ستزداد تواترًا وقوةً وطولًا في المستقبل القريب.

اقرأ أيضًا:

ما هي ظاهرة النينو؟

ترجمة: زين العابدين بدور

تدقيق: نور حمود

المصدر