انتشرت مؤخرًا عناوين تقنية مثيرة عن آخر ما توصلت إليه تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبالأخص التطبيقات القائمة على تحليل اللغات الطبيعية ومعالجتها مثل (ChatGPT)، الذي يرد على أي أمر (prompt) بإجابة نصية مفهومة ومترابطة. توفر هذه التطبيقات مجالات واسعة من الخدمات المفيدة والمثيرة للإعجاب حقًا، وتعد سببًا كبيرًا للحماس والترقب لدى عشاق الذكاء الاصطناعي. تتسابق شركات التقنية الكبرى مثل (Google) لكي تستغل هذا التوجه وتحقق تقدمًا فيه، ولكن هذه التطورات ليست حكرًا على عمالقة التقنية، فها هو محرك البحث (دك دك جو DuckDuckGo) يستخدم خدمات معالجة اللغات الطبيعية لإغناء تجربة المستخدم.

صُمم محرك البحث (دك دك جو) بهدف الحفاظ على خصوصية المستخدم وتوفير تجربة تصفح بعيدة عن الممارسات الضارة، كتسريب بيانات المستخدم لشركات الطرف الثالث. دخل هذا المحرك مؤخرًا سباق الذكاء الاصطناعي بتطوير خدمة (DuckAssist) التي تلخص مقالات موسوعة ويكيبيديا وترد على الأسئلة المطروحة على محرك البحث (دك دك جو) بمعلومات مستخلصة من الحقائق الواردة في الموسوعة. تستخدم (DuckAssist) تقنية (GPT-3.5) التي طورتها (OpenAI) وتقنية (Claude) من شركة (Anthropic). يطلق على هذه التقنيات اسم (نماذج اللغة الكبيرة LLM) التي تستخدم تقنيات التعلم العميق (Deep Learning) والشبكات العصبونية (Neural Networks).

تتوفر خدمة (DuckAssist) اليوم مجانًا بنسخة تجريبية (beta) من خلال إضافات المتصفح وتطبيقات تصفح (دك دك جو) على الأجهزة المحمولة. وبما أن الخدمة ما تزال في مراحلها الأولى، تتوقع شركة (دك دك جو) وجود بعض الأخطاء ولكن تأمل بإصلاحها قريبًا.

تتلخص طريقة عمل هذه التقنية بأن يطرح مستخدم (دك دك جو) سؤالًا توجد إجابته في ويكيبيديا، وقد تظهر (DuckAssist) وتستخدم تقنيات معالجة اللغات الطبيعية لتلخيص ما ورد في مقالات ويكيبيديا ولصياغة جواب مقبول. تظهر هذه الإجابة في مربع يقع فوق نتائج البحث الاعتيادية، ويوجد ضمن هذا المربع روابط للمقالات، إضافةً إلى زر التغذية الراجعة (feedback) الذي يُستخدم لتحسين النتائج وجعلها أكثر دقة.

تأتي تقنية (DuckAssist) ضمن مجموعة من الخدمات التي توفرها (دك دك جو) باسم (Instant Answer) التي تهدف إلى توفير الوقت على المستخدم وتزويده بمعلومات مفيدة مثل الخرائط والأخبار والطقس.

يوضح الرئيس التنفيذي لشركة (دك دك جو) جابرييل واينبيرج أن المصدر الرئيسي للمعلومات هو ويكيبيديا، بالإضافة إلى مواقع ذات صلة مثل (Britannica) في بعض الأحيان، إذ تلخص الخدمة المعلومات الواردة فيها، لذلك تشبه إجابات (DuckAssist) استجابة مباشرة للسؤال الفعلي بخلاف نتائج البحث المعتادة.

تُعد ميزة (دك دك جو) الأبرز هي الخصوصية، ونجد ذلك أيضًا في تقنية (DuckAssist)، إذ تقول الشركة أنها خدمة مجهولة بالكامل، ولا تشارك تاريخ التصفح والبحث مع أي أحد حتى الشركاء القائمين على هذه المشروع. وترسل الشركة النصوص المأخوذة من المصادر فقط إلى شركائها (OpenAI) و(Anthropic) ليتكفلوا بالتلخيص والمعالجة. أما الأوامر (Prompts) والأسئلة بحد ذاتها فتبقى مجهولة ولا تُستعمل في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي لهذه الشركات.

تلمح الشركة إلى أن (DuckAssist) هي الأولى من سلسلة خدمات توليد النصوص باستخدام الذكاء الصنعي التي تنوي طرحها في الأشهر القادمة، إن سار كل شيء على ما يرام، وصرح ناطق باسم (دك دك جو) أنهم يجربون العمل على نموذج (Turbo) أيضًا الذي طورته (OpenAI).

ترتكب نماذج اللغة الكبيرة أحيانًا بعض الأخطاء التي تبدو كمعلومات حقيقية. وبالأخص نماذج (OpenAI) لأنها لا تميز بين التصريحات التي تحتوي معلومات صحيحة والأخرى التي تحوي معلومات زائفة. يسمي باحثو الذكاء الاصطناعي هذه الظاهرة بالهلوسات، وتحاول الشركات التخفيف منها قدر الإمكان في نماذجها. يصعب أحيانًا رصد هذه الهلوسات في النصوص الموَلّدة، وذلك يعود إلى أن التصريحات الخاطئة قد تكون مستخلصة من معلومات صحيحة أصلًا.

يقول واينبيرج: «نستطيع الحد من الهلوسات (أي المعلومات المختلقة) كثيرًا بجعل (DuckAssist) يأخذ المعلومات ويلخصها من ويكيبيديا والمواقع ذات الصلة فقط».

قد يحد استخدام المصادر الموثوقة من استقاء المعلومات الزائفة، لكن لا يساعد ذلك في منع الاستنتاجات الخاطئة من معلومات مثبتة. تعتمد (دك دك جو) في الوقت الحالي على المستخدم لاكتشاف هذه الاستنتاجات الخاطئة من خلال ذكر المصادر وتمكين ميزة التغذية الراجعة. لن يكون ذلك حلًّا مثاليًا وتعترف (دك دك جو) بذلك، لكنه الحل الأنسب حاليًا.

تزداد الشركات التي تعتمد على تقنيات (LLM) التي قد تزود المستخدم بمعلومات مضللة، ويكمن الحل بالطبع في الاستخدام المتكرر والواسع لهذه الخدمات وتصحيح أكبر قدر ممكن من الأخطاء حتى تصل هذه التقنيات إلى حد مقبول من المصداقية والدقة في الاستنتاج، وقد صرح الكثير من العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي أن هذه الشركات تتوقع انخفاض وتيرة الهلوسات بسرعة مع مرور الوقت.

اقرأ أيضًا:

هل يستطيع الذكاء الاصطناعي ChatGPT أن يكشف أول الأدلة على داء ألزهايمر؟

بناء الأساس لنظرية عامة عن الشبكات العصبونية

ترجمة: نوار الشيخ

تدقيق: هزار التركاوي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر