من المحتمل أن يكون العلماء قد رصدوا «بوزون هيغز» في أثناء اندماجه في تفاعل جديد هو تكوين أزواج من الميونات. كان اكتشاف بوزون هيغز في مُصادم الهادرونات الكبير سنة 2012 آخر جزء في «نظرية النموذج المعياري في فيزياء الجسيمات»، وبوزون هيغز هو جسيم افترض العلماء وجوده فترة طويلة إلى جانب الكواركات والإلكترونات والنيوترينوات والميونات والغلونات والفوتونات والجسيمات الأخرى المعروفة، ولكن لم يستطع أحد رصده.

محاكاة تُظهر تحلل بوزون هيغز في مصادم الهادرونات الكبير

محاكاة تُظهر تحلل بوزون هيغز في مصادم الهادرونات الكبير

أما عن دوره، فبوزون هيغز هو التجلي المادي لمجال هيغز، أحد سمات الكون ويفترض العلماء أنه يمنح الجسيمات كتلتها. فعندما تعبر الجسيمات هذا المجال تتصرف بوصفها مادة فائقة الثخانة، ذات كتلة أكبر من الجسيمات التي تعبر الحقل بسهولة. وبكلمات أخرى: تزداد قوة تفاعل الجسيم الأولى أو قوة اقترانه ببوزون هيغز ومجاله مع ازدياد كتلته.

إحدى طرق إثبات الاقتران بين جسيم هيغز والجسيمات الأخرى هي في النظر إلى نواتج اضمحلاله. إذ إن وجود بوزون هيغز مؤقت دومًا، لأنه يبقى بعد ظهوره مدة لا تتجاوز 15.6 ألف مليار مليار (1.56 ×10^-22) جزء من الثانية، لينقسم بعدها مباشرة ويتحول إلى جسيمات أخرى.

في كل مرة يكتشف الفيزيائيون اضمحلالًا جديدًا لجسيم هيغز، يُثبِت ذلك وجود اقتران بين جسيم هيغز والجسيمات التي تنتج عن اضمحلاله. ويثبت هذا الاقتران أن مجال هيغز يضيف فعلًا الكتلة على الجسيم الناتج. ولهذا فإن العلماء يبحثون -منذ اكتشاف بوزون هيغز- عن علامات لنواتج الاضمحلال تلك.

يتحول جسيم هيغز عادة إلى جسيمات أكبر حجمًا، مثل أزواج الكواركات السفلية، لكنَّ إنتاج عدد كاف من بوزونات هيغز في مصادم الهادرونات الكبير سيؤدي إلى اضمحلال بعض البوزونات إلى جسيمات أخف وزنًا تقترن معها مثل الميونات.

لو اضمحل جسيم هيغز إلى جسيمي ميون في مصادم الهادرونات الكبير، فسيُعَد ذلك أحد أندر حالات الاضمحلال التي يمكن رصدها لما يُطلَق عليه اسم «الجسيم الإله»، وسيُثبِت وجود اقتران «ميون- هيغز» للمرة الأولى، وهذا يدل مجددًا على أن الجسيمات الأولية تحصل على كتلتها من مجال هيغز.

يوجد دليل مقنع ولكنه ليس قاطعًا حتى الآن على أن جسيمات هيغز تتحلل إلى أزواج من الميونات في مصادم الهادرونات الكبير، وجد الباحثون الذين يعملون على بيانات من تجارب اللولب المركب للميون، وهو واحد من عدة أجهزة كشف عن الجسيمات في مصادم الهادرونات الكبير، وجدوا «فائضًا» من الميونات متطايرة حول مصادم الهادرونات الكبير.

يعد مصادم الهادرونات الكبير بيئة مليئة بالبروتونات المتصادمة شديدة الطاقة، وتوجد فيه احتمالات عديدة لإنتاج الميونات صدفة بطرق مختلفة، وحتى يستطيع العلماء إثبات أن جسيمات هيغز تتحلل إلى أزواج من الميونات فهم بحاجة إلى إيجاد إشارة خافتة جدًا تدل على وجود ميونات إضافية، وهو ليس أمرًا سهلًا مع وجود الكثير من ضوضاء الخلفية الناتجة عن الجسيمات الأخرى المتصادمة. لكن عدد هذه الميونات الإضافية لا يبدو كبيرًا بحسب البيانات الأولية وفقًا لماريا سبيروبولو العالمة في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية «سيرن» في تصريح لموقع Live Science.

يظهر الشكل رسمًا تقريبًا لبيانات الميون التي تؤدي إلى الاكتشاف الواضح، يشير الارتفاع الضئيل حول 126 جيحا إلكترون فولت على محور السينات (كتلة بوزون هيغز) الذي يصعب تحديده حتى مع وجود خبير، إلى أن بوزونات هيغز كانت تضمحل إلى أزواج من الميونات في أداة الكشف.

يظهر الشكل رسمًا تقريبًا لبيانات الميون التي تؤدي إلى الاكتشاف الواضح، يشير الارتفاع الضئيل حول 126 جيحا إلكترون فولت على محور السينات (كتلة بوزون هيغز) الذي يصعب تحديده حتى مع وجود خبير، إلى أن بوزونات هيغز كانت تضمحل إلى أزواج من الميونات في أداة الكشف.

أظهر الباحثون بمساعدة خوارزميات التعلم الآلي أن هذا الناتج الصغير من الميونات غير المفسرة يحتوي على 0.27% فقط من الميونات الناتجة من طريق المصادفة العشوائية. يُسمي الفيزيائيون هذا المستوى من اليقين بأنهم وجدوا إشارة وليس ضوضاء فقط «3 سيجما».

لا يعد الاكتشاف مؤكدًا حتى يصل إلى درجة يقين «5 سيجما» أي ما يعادل احتمال 0.00006% أن يكون أثرًا لضوضاء الخلفية. لذلك كانت سيبروبولو حريصة على القول إن اقتران هيغز-ميون لم يُثبَت بعد.

وقد وجد الباحثون الذين يعملون على تجربة مصادم الهادرونات الكبير الحلقي، وهي تجربة متعلقة بمصادم الهادرونات الكبير، وجدوا دليلًا على اقتران هيغز-ميون، ولكن عند درجة يقين «2 سيجما» فقط وذلك يعادل احتمال 4.5% أن تكون العلامة التي رصدوها محض ضوضاء في الخلفية.

أثار اكتشاف اللولب المركب للميون CMS الذي نُشِر في 29 يوليو على موقع CMS، أثار موجة من الحماس، تقول سبيربولو: «لو استطعنا الحصول على بيانات إضافية ترفع مستوى اليقين إلى «5 سيجما»، فقد يساعدنا هذا على إثبات وجود علاقة طردية بين كتلة منتج اضمحلال هيغز وعدد مرات اضمحلال البوزون إلى هذا الجسيم».

يرى الفيزيائيون أنه يمكن توقع تواتر اضمحلال بوزون هيغز إلى كل جسيم يقترن به باستخدام مربع كتلة ذلك الجسيم، فتظهر من ثَمَّ الجسيمات الأثقل بتوترات أكثر بكثير. قد يساعد هذا الاكتشاف على إثبات تطابق التواتر مع التنبؤ السابق.

تقول سبيروبولو إن مصادم الهادرونات الكبير أكثر حساسية الآن في اكتشاف منتجات اضمحلال هيغز الأخف. لكنه بالتأكيد ليس قويًا أو حساسًا لإنتاج ما يكفي من جسيمات اضمحلال إلكترون-هيغز القابلة للقياس. ودرجة حساسيته لا تقترب حتى من الحد اللازم لقياس اقتران جسيم هيغز والنيوترونات الخفيفة للغاية.

وتضيف سبيروبولو: «ستتمتع أجهزة الكشف المستقبلية بقدرات أفضل من مصادم الهادرونات الكبير، فقد بُني المصادم بحجم كبير ليطلق البروتونات فتتصادم ببعضها مغطيًا مجالًا واسعًا من الطاقة، لأن علماء الفيزياء لم يكونوا قد عرفوا وقتها كتلة جسيم هيغز، وهو تفصيل مهم لإنتاجه. قد تُضبَط المصادمات المستقبلية بدقة لتسمح بتصادمات كافية تُنتِج حتى أكثر الاقترانات ندرة. وكلما زادت حساسية أجهزة الكشف زادت احتمالية ظهور تناقضات مع النموذج القياسي، لتمهد الطريق نحو أفكار فيزيائية جديدة».

اقرأ أيضًا:

مصادم جسيمات أكبر من منهاتن قد يحل لغز بوزون هيجز

هوكينج يعتقد أن مجال هيجز سيمحي الكون. هل علينا القلق؟

ترجمة: رولان جعفر

تدقيق: روان أبو زيد

مراجعة وئام سليمان

المصدر