تُوفي البروفيسور بيتر هيغز، الحائز على جائزة نوبل، عن عمر يناهز 94 عامًا.

قدم هيغز العديد من الإسهامات في مجال الفيزياء، وسيظل اسمه مرتبطًا على نحو لا يمكن فصله بالجسيم الذي تنبأ به. أثارت الدراسة المنهجية التي أجراها بيتر هيغز -التي تشير إلى أن مثل هذا الجسيم يمكنه حل العديد من المشكلات في الفيزياء- بحثًا استمر طوال ما يقرب من 50 عامًا. وأصبحت هذه أحد الأسباب الرئيسية وراء بناء جهاز تيرتز الهادروني، الذي يعد من أكبر وأغلى قطع المعدات العلمية في التاريخ.

إذن، ما هو بوزون هيغز، ولماذا ذهب العالم بيتر هيغز إلى هذا الحد للعثور عليه؟

بحلول منتصف القرن العشرين، كان من الواضح أن نماذج الكون -التي اعتقد أنها كانت تقترب من الاكتمال قبل 50 عامًا- لا يمكنها أن تشرح حتى لماذا لدى الجسيمات كتلة، وهو سؤال أساسي إلى حد ما، نظرًا لأهميته لكل شيء.

في نفس الوقت تقريبًا، جادل العديد من العلماء بأنه يجب أن يكون هناك جسيم لم نعثر عليه بعد وهو المسؤول عن إعطاء العديد من الجسيمات الأخرى كتلة.

كان هذا مهمًا بشكل خاص لبوزونات W و Z، التي اقتُرحت مؤخرًا للتوسط في القوة الضعيفة، وأُكدت بعد عقد من الزمان. مثل هذا الجسيم سيكون آخر عنصر مفقود في النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات.

وعلى الرغم من أن بيتر هيغز كان فقط واحدًا من الذين وصلوا إلى هذا الاستنتاج، فإن مساهمته كانت كافية بحيث سُمي الجسيم المفقود باسمه، قبل أن يعُثر عليه.

تبدو الكتلة سمة جوهرية لدرجة أن غير الفيزيائيين يكافحون لتخيل سبب حاجتنا إلى جسيم لتوفيرها.

ثبت أن العثور على بوزون هيغز صعب لأنه ينهار في أقل من جزء من المليار جزء من الثانية. فيكون السؤال: كيف يمكن لمثل هذا الجسيم قصير العمر أن يخدم هذا الغرض.

تتطلب نماذج الكون أن تكون الجسيمات مثل الكواركات عديمة الكتلة في الأصل، ولكي يتغير هذا خلال الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم. اقترح هيغز أن هذه الجسيمات يجب أن تكون اكتسبت كتلتها من التفاعل مع حقلٍ ما، والذي سُمي لاحقًا باسمه (حقل هيغز).

وكما تطلبت الحقول الأخرى التي اكتُشفت في ذلك الوقت جسيمات لحملها، احتاج حقل هيغز إلى جسيم يمثل الحالة المثارة للحقل. رسم هيغز وآخرون خصائصه، مثل افتقاره إلى الدوران أو الشحنة الكهربائية، ولكن لا يمكن العثور على كتلته إلا تجريبيًا. وهذا ما شجع الباحثين على البحث الكبير.

في البداية، أراد العلماء تأكيد وجود بوزون بيتر هيغز، ومن ثم الحقل الذي يحمله. في النهاية، قليلون كانوا يشككون في حقيقة الحقل والجسيم. بدلًا من ذلك، كان إيجاد بوزون هيغز الطريق الوحيد لقياس خصائصه بدقة.

تتمدد كتلة جسيم هيغز عبر الكون، وتحديد ذلك جعل من الممكن تحديد العديد من جوانب النموذج القياسي بدقة، الذي كان حتى ذلك الحين غامضًا.

في عام 2012، تبين أن كتلته تبلغ 125 مليار إلكترون فولت/ c2 تربيع سرعة الضوء، وهو متماشٍ تمامًا مع التنبؤات، إذ تكون الكتلة معادلة للطاقة مقسومة على مربع سرعة الضوء، وفقًا لمعادلات آينشتاين الشهيرة، وتُعرف كتل الجسيمات بوحدات الطاقة.

إن العمر القصير لبوزون هيغز يعني أننا لا نلاحظه بشكل مباشر. بدلًا من ذلك، فإنه يتحلل إلى مجموعة محيرة من الجسيمات الأطول عمرًا، بما في ذلك اثنين من بوزونات W واثنين من Z، التي تمكنت الفرق في مصادم الهادرونات الكبير من رصدها، جنبًا إلى جنب مع الفوتونات، وجسيم تاو والكوارك السفلي والجسيمات المضادة لهما. وبجمع هذه الجسيمات معًا، تمكنا من إعادة بناء كتلة جسيم هيغز.

من خلال منح جسيمات W و Z كتلة، يقيد حقل هيغز قدرتها على السفر بعيدًا، وهو خطوة حيوية لجعل النموذج القياسي متناسبًا مع الملاحظات.

جسيم هيغز يفعل هذا على نحو عام، على الرغم من وجود تلميحات عن وجود المزيد من الجسيمات الكامنة.
حصل جسيم هيغز، وبالتالي هيغز نفسه، على شهرة تتجاوز بكثير المجتمع الفيزيائي جزئيًا بسبب لقب “جسيم الإله”، ما أدى إلى انطباع بوجود نوع من المكانة الحاكمة.

ومع ذلك، بينما يعد جسيم هيغز أمرًا حاسمًا لفهمنا لكيفية عمل الكون، فإن العديد من الجسيمات الأولية الأخرى ذات أهمية متساوية. ومع ذلك، كان من الأسهل بكثير العثور على هذه الجسيمات.

حقيقة أن مجال هيغز يتخلل الكون ساهمت في الانطباع العام عن الارتباط بالدين. يعتمد النموذج القياسي على عدد كبير جدًا من المجالات الأخرى، ولكن جميع المجالات الأخرى لها متوسط قيم صفر، ولا تحصل على قيمة غير الصفر إلا في نقاط معينة، على سبيل المثال حول جسيم مشحون. من ناحية أخرى، فإن مجال هيغز لديه توقع بقيمة غير الصفر، مع بعض القوة في كل نقطة في الفضاء.

شهرة جسيم هيغز أدت إلى انطباع بين غير العلماء بأنه مسؤول عن كل الكتلة في الكون. هذا غير صحيح. حتى بجانب السؤال غير المحلول حتى الآن حول طبيعة المادة المظلمة، معظم الكتلة في البروتون أو النيوترون تأتي من الطاقة الرابطة التي تمسكها معًا، وليس من الكواركات التي تحصل على كتلتها من جسيم هيغز.

اقرأ أيضًا:

بيتر هيغز : « ما كنت س اتنبأ ب البوزون لو انني بدأت في المناخ الاكاديمي الحالي » اوقات صعبة تواجه البحاثة الشباب

بيتر هيغز

ترجمة: ياسمين سيد نبوي

تدقيق: حسام التهامي

المصدر