إذا اكتُشف كويكب بقطر ميل يتجه نحو الأرض، فهذا يعني أن حياتنا مرتبطة بإرسال ألف مركبة فضائية أو قنبلة نووية متقنة ودقيقة.

ذلك سيناريو خيال علمي كلاسيكي؛ اكتشاف كويكب هائل يندفع نحو الأرض، ومن المؤكد أنه سيؤدي إلى انقراض كارثي عند الاصطدام.

أمام الباحثين والعلماء الشجعان عام واحد فقط من أجل شن هجمة استباقية على هذه الصخرة الفضائية لإخراجها عن مسارها أو تفجيرها إلى أجزاء صغيرة من أجل تفادي الكارثة.

مع تعرض مصير البشرية للخطر، هل سيتمكنون من إيقافه؟

لقد رسم علماء الفلك مسارات أكثر من 3300 كويكب، تلك التي تقترب من الأرض من حين لآخر، ولا يشكل أي منها خطر الاصطدام بالأرض على مدى 100 عام قادمة على الأقل.

مع ذلك يدرك العلماء أن الكارثة قد تقع من دون سابق إنذار. إذ تتحرك آلاف الكويكبات مختبئةً في وهج الشمس، بما في ذلك العديد من الصخور الضخمة التي بمقدورها طمس معالم مدن بأكملها.

تحذر وكالة الفضاء الأوروبية ESA من أن عشرات الكويكبات القاتلة التي يبلغ قطر بعضها أكثر من كيلومتر واحد، قادرة على التسبب بحدث انقراض عالمي، ما تزال غير مكتشفة في نظامنا الشمسي.

لهذا السبب تأخذ وكالات الفضاء سيناريو يوم القيامة بجدية كبيرة جدًا وفق قول برينت باربي؛ مهندس فضاء في مركز الفضاء بوكسون للرحلات الفضائية التابع لناسا، وأستاذ في هندسة الطيران في جامعة ماريلاند لِموقع Live Science.

وبعد سنوات من الأبحاث، بما في ذلك أول مهمة في العالم لتحويل مسار كويكب فعلي في الفضاء، أسفرت جهود المجتمع الدولي عن طريقتين قابلتين لتغيير مسار كويكب يشكل تهديدًا محتملًا للأرض: ضربه بمصادم ذي سرعة عالية أو قصفه بالمتفجرات النووية.

حاليًا، الطريقة الوحيدة المثبتة لتحويل مسار كويكب هي طريقة الضرب الحركي، وهي أساسًا لعبة فضائية عالية المخاطر للغاية، تشبه إلى حد كبير لعبة البلياردو الكونية.

يقول باربي: «إن جهاز الضرب الحركي عبارة عن مركبة فضائية تصطدم بِالكويكب بسرعة عالية وتنقل زخمها إليه، تمامًا مثل لعبة البلياردو. لكن يمكن للمواد الخام المقذوفة من الكويكب من نقطة الاصطدام، أن توفر تغييرًا إضافيًا في زخم الكويكب، وتدفعه بقوة أكبر قليلاً».

اختبرت ناسا طريقة الضرب الحركي من خلال اختبار إعادة توجيه الكويكب المزدوج (DART) الأخير، وهي مهمة بتكلفة 325 مليون دولار حطمت مركبةً فضائيةً تتحرك بسرعة في سبتمبر عام 2022 باتجاه الكويكب ديمورفوس البالغ عرضه 580 قدمًا (177 مترًا) عمدًا.

لم يشكل ديمورفوس تهديدًا للأرض، لكنه كان هدفًا رئيسيًا بسبب حجمه ومداره حول كويكب رفيق أكبر يُدعى ديديموس. بعد الاصطدام الناجح في 26 سبتمبر، تباطأ مدار ديمورفوس حول ديديموس بمقدار 33 دقيقةً، ذلك نتيجةً لكل من الاصطدام وعمود الغبار الهائل المنبعث من سطح الكويكب. حققت المهمة؛ التي تُعد المحاولة البشرية الأولى والوحيدة حتى الآن لتغيير مسار كويكب، نجاحًا ساحقًا.

مع ذلك، يقول باربي إن طريقة الضرب الحركي لديها عيوبها؛ على وجه الخصوص، كلما كان الكويكب الهدف أكبر، زادت الحاجة إلى مزيد من الضربات الحركية لتحويل مساره.

على سبيل المثال، لتحويل مسار كويكب يبلغ عرضه حوالي 610 أمتار، أو ثلاث مرات تقريبًا من حجم ديمورفوس، سوف يحتاج العلماء إلى إطلاق ما بين 39 و 85 صاروخًا من طراز Falcon Heavy تحمل الضربات الحركية في الوقت نفسه، حسبما ذكر باربي مستشهدًا بنتائج تمرين تحويل الكويكب الوهمي الذي أجري في مؤتمر الدفاع الكوكبي للأكاديمية الدولية لعلماء الفضاء هذا العام.

ولتحويل مسار كويكب يبلغ عرضه 4,900 قدم (1.5 كم) – الذي يُعد حقًا «مدمرًا للكواكب» – سنحتاج إلى إطلاق ما بين 565 و 1,266 ضاربًا حركيًا في الوقت نفسه، اعتمادًا على المكان الذي كان من المتوقع أن يضرب الكويكب فيه الأرض. يتطلب الاصطدام الخفيف كميةً أقل من الكتلة لتحويل اتجاهه من الاصطدام المباشر.

يقول باربي: «على أية حال، هذه الأرقام غير عملية تمامًا. الخيار الأفضل حالياً لتحويل مسار كويكب كبير هو إطلاق قنبلة نووية عليه».

وأضاف: «تبيّن في تحليلنا أن جهاز التفجير النووي الواحد بالحجم المناسب، قادر على تحويل مسار الكويكب حتى بحجم 1.5 كيلومتر».

من الناحية اللوجستية، تبدأ العملية مثل أية مهمة روتينية بين الكواكب حيث تُثبت قنبلة نووية تثبيًا آمنًا على رأس مركبة الإطلاق العادية، ثم تُبعث إلى الكويكب على متن مركبة فضائية صغيرة. من هناك، يمكن تفجير القنبلة بالقرب من الكويكب في أثناء مروره بسرعة عالية، أو من الأفضل أن تلتقي المركبة التي تحمل القنبلة بالكويكب المستهدف، وتدور حوله لشهور أو حتى سنوات للعثور على زاوية الاقتراب المثلى تمامًا مثلما فعلت مركبة ناسا OSIRIS-REx مع كويكب بينو في الفترة من ديسمبر عام 2018 وحتى أكتوبر عام 2020.

وفقًا لـ باربي، يكون المكان المثالي للتفجير النووي على بُعد بضع مئات من الأقدام من الكويكب. ثم الانفجار؛ انفجار لن يشبه أية قنبلة نووية انفجرت على وجه الأرض.

يقول باربي: «الفضاء، بالطبع، هو فراغ. لذا لا تحدث موجة ضغط كبيرة، أو أي من التأثيرات الحرارية لانفجار أرضي. تحصل على الكثير من الإشعاع دفعةً واحدةً».

من شأن هذا السيل من الإشعاع أن يخترق ويبخر طبقةً خارجيةً رقيقةً من سطح الكويكب. بعد ذلك، مثل الاصطدام الحركي بتأثير المنشطات ستتطاير المواد المتبخرة من الكويكب، ما يعطي الصخرة دفعةً قويةً بعيدًا عن الانفجار. إذا حُدد الموقع بشكل صحيح، سيقوم الانفجار بإخراج مدمر الكواكب عن مسار اصطدامه بالأرض.

هذه الطريقة قد تكون فعالةً بالقدر نفسه في تعطيل الكويكبات الأصغر «التي تهدد المدن» أيضًا؛ تلك التي يبلغ قطرها على الأقل 165 قدمًا (50 مترًا)، التي عمومًا تعتبر الحجم الأدنى لكويكب يصل إلى سطح الأرض، وفقًا لقول باربي.

يضيف باربي: «في حين أن التأثير الحركي على مثل هذه الصخور ينطوي على مخاطر تفتيتها، وتشكيل قطع بأحجام غير معروفة تتحرك بطرق غير متوقعة، فإن القنبلة الموضوعة جيدًا ببساطة يمكن أن تفجر الكويكب إلى قطع صغيرة جدًا، ما يحل المشكلة في الحال».

مع ذلك، حاليًا تعتمد طريقة «التفجير بقنبلة نووية» فقط على المحاكاة باستخدام البيانات من انفجارات أرضية. توجد عوامل عديدة، بما في ذلك حجم الكويكب وتركيبه، والإطار الزمني ومسار اقترابه من الأرض، ستؤثر في نهاية المطاف على نجاح مثل هذه المهمة.

أكبر التحديات التي تواجه كلتا الطريقتين هي التوقيت. في تدريبات مؤتمر الدفاع الكوكبي، أُعطي علماء الفلك تحذيرًا لمدة 15 عامًا قبل اصطدام الكويكب الافتراضي بالأرض، ما منحهم وقتًا كافيًا لتخطيط مركبة فضائية وإطلاقها والالتقاء بالكويكب.

إذا اكتُشف كويكب حقيقي له قدرة على تدمير الكوكب قبل عام أو عامين فقط من الاصطدام، فإن الأمور ستصبح محفوفةً بالمخاطر.

يقول باربي: «إن الجدول الزمني النموذجي لتطوير مهمة بين الكواكب هو نحو خمس سنوات، وفي حال كانت الأمور مثلما هي الآن، سيكون من الصعب جدًا البدء في إطلاق شيء خلال عام واحد. لا أرغب في القول صراحةً إنه سيكون مستحيلاً، لكنه بالتأكيد سيكون تحديًا كبيرًا».

لهذا السبب، يكمن أفضل دفاع كوكبي في اكتشاف الكويكبات في وقت مبكر، ثم رصدها ومراقبتها، وتطوير خطة طوارئ للهجوم. العديد من المراصد الأرضية بالفعل تعمل على هذا الأمر، مع عدة مهمات فضائية لمسح الكويكبات القريبة من الأرض بما في ذلك NEO Surveyor التابعة لوكالة ناسا والأقمار الصناعية NEOMIR التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، التي تعمل من أجل الانضمام إليها.

نأمل أن تعمل هذه العيون معًا في السماء لإبقاء العلماء على اطلاع جيد بشأن أية مهددات تتربص في الضباب الكوني.

يقول باربي: «التصادمات مع الكويكبات هي واحدة من الكوارث الطبيعية القليلة التي لدينا فعلاً وسائل للتنبؤ بها والوقاية منها، ونحن نستفيد من هذه الحقيقة، ونحاول أن نكون مستعدين لها قدر الإمكان».

اقرأ أيضًا:

العلم يُشير إلى أننا نستطيع تدمير الكويكبات التي تهدد كوكب الأرض

النظام الدفاعي ضد الكويكبات هو فرصة الأرض الوحيدة للنجاة من هذه الأجرام

ترجمة: ياسين عياش

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر