نشر الفيلسوف توبي أورد من أوكسفورد كتابًا بعنوان: “الهاوية” عام 2020، يتناول مخاطر انقراض الإنسان، وقدر فيه احتمالية “الكارثة الوجودية” لجنسنا خلال القرن القادم بنسبة واحد من ستة.

إنها نسبة مقلقة ومحددة إلى حد كبير، ما أدى إلى أن يلفت هذا الادعاء الأنظار في ذلك الوقت، وكان له تأثير منذ ذلك الحين وطرحه مجددًا السياسي الأسترالي أندرو لي في خطاب ألقاه في ملبورن.

من الصعب إنكار فكرة مواجهتنا لاحتمالات مقلقة خلال العقود القادمة، بدءًا من تغير المناخ والأسلحة النووية والمسببات الجينية المهندسة -كلها قضايا كبيرة من وجهة نظر معينة- إلى الذكاء الصناعي المتمرد والكويكبات الكبيرة التي يعتبرها البعض أقل إثارة للقلق.

ولكن ماذا عن تلك النسبة؟ علامَ تستند وماذا تعني حقا؟

رمي النرد وتوقعات الطقس:

للإجابة على تلك الأسئلة، يجب أن نجيب أولًا عن سؤال آخر: ما هي الاحتمالية؟

أكثر وجهة نظر تقليدية للاحتمال تُسمى “التكرارية”، وتستمد اسمها من تاريخها في ألعاب النرد والورق. وفقًا لهذا الرأي، نعرف أن هناك احتمالًا واحدًا من بين ستة أن يظهر نرد بالرقم ثلاثة على سبيل المثال، بمراقبة تكرار ظهور العدد ثلاثة خلال عدد كبير من الرميات.

أو نفكر في حالة أكثر تعقيدًا مثل توقعات الطقس، فماذا يعني عندما يخبرنا الطقس أن هناك احتمالًا واحدًا من بين ستة (أو 17٪) لهطول الأمطار غدًا؟

من غير المتوقع أن النشرة الجوية تقصد أن يتخيل المشاهدون مجموعة كبيرة من “أيام الغد”، ومن ثم سيشهد عدد معين من هذه الايام هطول الأمطار، وإنما يجب التركيز على عدد كبير من تلك التوقعات وملاحظة ما حدث بعدها.
فمعنى «احتمال واحد من بين ستة لهطول الأمطار غدًا»، إنه بالفعل قد هطلت الأمطار في اليوم التالي مرة واحدة من كل ست مرات.

لذا، تعتمد الاحتمالية التقليدية على الملاحظات، وتحتاج لحسابها إلى مجموعة من الأحداث المكررة التي يُستند عليها في التقدير.

هل بالإمكان التعلم من القمر؟

ماذا يعني كل ما سلف فيما يخص لاحتمالية انقراض الإنسان؟

مثل هذا الحدث سيكون واقعة غير متكررة، أي بعد حدوثه لن يكون هناك مجال لتكراره. ومع ذلك قد توجد بعض الأحداث الموازية للتعلم منها، حتى إن الفيلسوف أورد قد ناقش في كتابه العديد من الأحداث المحتملة للانقراض، بعضها يمكن قياسه بناءً على التاريخ.

على سبيل المثال: يمكن تقدير احتمالية وقوع كويكب بحجم كافٍ لأن يسفر عن انقراضٍ على الأرض من خلال دراسة عدد الكويكبات المماثلة التي ضربت القمر على مر العصور، وقد قام العالم الفرنسي جان-مارك سالوتي بذلك في عام، 2022 إذ حسب احتمالية حدوث اصطدام بحجم يؤدي إلى الانقراض خلال القرن المقبل بنسبة واحدة من كل 300 مليون. بالطبع مثل هذا التقدير محاط بالكثير من الشك ولكنه يقترب من حساب التردد المناسب.

أما أورد فهو على النقيض منه، إذ يقوم بتقدير احتمالية الانقراض نتيجة اصطدام بكويكب بنسبة واحدة من كل مليون، على الرغم من ملاحظته لكون منهجه تشوبه درجة كبيرة من عدم التيقن.

نظام تصنيف النتائج:

توجد طريقة أخرى للتفكير في الاحتمال، تسمى “البايزية” تيمنًا بالاحصائي الإنجليزي توماس بايز.

يصب تركيز هذه النظرية على ما هو معلوم ومتوقع حول الأحداث وليس على الأحداث نفسها، أي ببساطة شديدة، يمكن القول إن البايزيين يرون الاحتمالات على أنها نوع من أنظمة التصنيف، فوفقًا لهذا الرأي، لا يجب الاعتداد بالرقم النوعي المرتبط بالاحتمال مباشرة، ولكن يُقارن بالاحتمالات الأخرى لفهم أي النتائج هي أكثر وأقل احتمالًا.

فمثلًا يحتوي كتاب أورد على جدول للأحداث المحتملة للانقراض وتقديراته الشخصية لاحتمال حدوثها، لكن من وجهة نظر بايزية، بالإمكان رؤية هذه القيم كتصنيفات نسبية.

يعتقد أورد أن الانقراض نتيجة اصطدام كويكب (بنسبة واحد من مليون) أقل احتمالًا بكثير من الانقراض بسبب تغير المناخ (بنسبة واحد من ألف)، وكلاهما أقل احتمالًا بكثير من انقراض نتيجة ما يسميه “الذكاء الاصطناعي غير المنظم” (بنسبة واحد من عشرة).

الصعوبة هنا تكمن في أن التقديرات الأولية للاحتماليات البايزية (تسمى في العديد من الأحيان “المقدمات”) هي ذات طابع شخصي نسبي، فمثلًا: قد يقيم البعض احتمالية الانقراض الناتج عن الذكاء الاصطناعي بمعدل أقل.

التفكير البايزي التقليدي ينتقل من “المقدمات” إلى “الموجبات” بتطبيق الأدلة المُلاحظة على نتائج ذات صلة مرة أخرى لـ “تحديث” قيم الاحتمال. ومرة أخرى، تكون النتائج الخاصة باحتمالية انقراض الانسان نادرة.

التقديرات غير الموضوعية:

توجد طريقتان للتفكير في دقة حسابات الاحتمال: المعايرة والتمييز.

تدور المعايرة حول صحة القيم الفعلية للاحتمالات، ولا يمكن تحديد ذلك دون معلومات الملاحظة المناسبة. أما التمييز فيشير ببساطة إلى التصنيفات النسبية.

عمومًا لا يوجد أساس للاعتقاد بأن قيم أورد معايرة صحيحة، وبالطبع لا يمكن الجزم أن فكرته اتجهت للمعايرة، إذ اشار بنفسه إلى أن قيمه مصممة لتقديم تقديرات “بنظام الترتيب”.

على أي حال فإنه دون أي تأكيد يستند للملاحظة ستظل معظم هذه التقديرات في المجال غير الموضوعي للاحتمالات السابقة.

انعدام المعايرة لا يعني انعدام كفاءة الفكرة:

إذا كانت تجربة الأشخاص تشير إلى شيء، فإن معظمهم لديهم فهم أقل من الكفاية للاحتمالية -كما تظهره الزيادة المستمرة في مبيعات تذاكر اليانصيب وأمور أخرى- في هذا السياق إذا قدم شخص حجة معينة في العلن، فإن تقدير “الاحتمال” ليس بالضرورة أن يكون معايرًا جيدًا وإنما يكتفى بأن يكون لديه نوع من التأثير النفسي المناسب.

ويمكن القول من هذا المنظور إن فكرة “واحد من كل ستة” ملائمة عمومًا.

“واحد من أصل 100” قد يبدو احتمالًا صغيرًا ليتم تجاهله، بينما قد يثير “واحد من أصل ثلاثة” الذعر أو يُتجاهل على أنه هذيان مروع.

قال ستيفن ستيرن، بروفيسور علم البيانات في جامعة بوند: «بصفتي شخصًا مهتمًا بالمستقبل، أتمنى أن تلقى المخاطر مثل تغير المناخ وانتشار الأسلحة النووية الاهتمام المنشود. ولكن بصفتي عالم بيانات، أتمنى أن يترك الكلام الركيك عن الاحتمال جانبًا ويستبدل بالتعليم الواسع عن معناه الحقيقي واستخدامه المناسب».

اقرأ أيضًا:

دراسة جديدة تتوقع توقيت الانقراض السادس على كوكب الأرض

الانقراض الجماعي السادس لا يحدث فقط، بل يتسارع!

ترجمة: صفا روضان

تدقيق: حُسام الدِّين طَلعَت

المصدر