إن فكرة الطفو فوق الأرض تشكل عنصرًا أساسيًّا في الخيال العلمي، لأننا لا نمتلك ألواح طائرة حتى الآن، إلا أنه لدينا ظاهرة الطفو الكمومي .

في ظلّ الظروف المناسبة، يمكن تبريد مادة مصنوعة بشكل خاص إلى درجات حرارة منخفضة ووضعها على مغناطيس مهيّأ بشكل جيد ما سيجعلها تطفو فوقه إلى أجل غير مسمى.

إذا قمت بصنع مسار مغناطيسي، فسوف تتحرك فوقه أو تحته وستظل تتحرك للأبد، ولكن كيف يحدث ذلك؟

إنّها أغرب ظاهرة قد تراها على الإطلاق. ألقِ نظرة على هذا الفيديو واحكم بنفسك.

قد يكون عمر هذا الفيديو 7 سنوات، ولكن هناك عدد من الأشياء التي تظهر بوضوح:

  • المادة الخاصة التي تطفو باردة للغاية
  • يمكنها أن تطفو إما فوق أو تحت مغناطيس مثبت في مكان معين
  • وإذا وضعتها على مسار مغناطيسي فإنها لا تفقد أي سرعة بمرور الوقت

قد يبدو هذا مخالفًا للبديهة إذ أن الفيزياء التقليدية لا تعمل بهذه الطريقة. لا يمكن أبدًا للمغانط الدائمة التي اعتدت عليها والتي يطلق عليها الفيزيائيون (الفيرومغانط) أن تطفو هكذا، لذا دعونا نلقي نظرة على كيفية عملها، ثم نرى كيف تختلف هذه الظاهرة.

كل المواد التي نعرفها تتكون من ذرّات والتي قد تكون أو لا تكون مرتبطة مع بعضها بشكل جزيئات، فعندما تطبّق حقلًا مغناطيسيًا خارجيًا على تلك المادة تصبح تلك الذرات أو الجزيئات ممغنطة داخليًا أيضًا، وتصطف في نفس اتجاه المجال المغناطيسي الخارجي.

خاصية المواد الفيرومغناطيسية هي أنه عند إزالة الحقل المغناطيسي الخارجي تبقى المغنطة الداخلية، هذا ما يجعلها مغانط دائمة.

إن جميع المواد تقريبًا ليست فيرومغناطيسية، إذ أن معظم المواد تعود إلى كونها غير ممغنطة بمجرد إزالة الحقل الخارجي.

إذن ما الذي يحدث داخل هذه المواد غير الفيرومغناطيسية عندما تطبّق مجالًا مغناطيسيًا خارجيًا؟

المواد غير الفيرومغناطيسية هي إما دايامغناطيسية، حيث تكون جهة الحقل الداخلي الناشئ عكس الحقل الخارجي أو بارامغناطيسية، حيث تكون جهة الحقل الداخلي الناشئ مع الحقل الخارجي.

اتضح أن جميع المواد تظهر صفات دايامغناطيسية، ولكن بعض المواد تظهر أيضًا صفات إما فيرومغناطيسية أو بارامغنطيسية، والخاصية الدايامغناطيسية ضعيفة دائمًا وبالتالي إذا امتلكت المادة خاصية بارامغناطيسية أو فيرومغناطيسية فإن تأثيرها سيطغى بسهولة على تأثير الدايامغناطيسية.

لذا عندما تشغّل حقلًا خارجيًا أو توقف تشغيله (نفس أثر تحريك مادة أقرب أو أبعد من مغناطيس دائم) يمكنك تغيير المغنطة داخل المادة، وهناك قانون فيزيائي يشرح ما يحدث عند تغيير المجال المغناطيسي داخل مادة موصلة: قانون فاراداي للتحريض.

يقول هذا القانون إنّ تغيير الحقل داخل مادة موصلة يؤدي إلى توليد تيار كهربائي داخلي، هذه التيارات الصغيرة التي تولدها تُعرف بالتيارات الدوامة وهي تعارض التغيير الداخلي في المجال المغناطيسي، في درجات الحرارة العادية تكون هذه التيارات مؤقّتة للغاية لأنها تواجه مقاومة.

لكن هذه المواد التي تطفو والتي نتحدث عنها مصنوعة من مواد خاصة فائقة التوصيل، أي تنخفض مقاومتها إلى الصفر عند درجات الحرارة المنخفضة جدًا.

من حيث المبدأ، يمكن جعل أي مادة موصلة موصلًا فائقًا في درجات الحرارة المنخفضة بدرجة كافية، ولكن ما يجعل هذه الموصلات الفائقة بعينها مثيرة للاهتمام هي أنها تستطيع القيام بذلك عند 77 كلفن وهي درجة حرارة النيتروجين السائل، وهذه الدرجة المرتفعة نسبيًا تجعل من السهل إنشاء موصل فائق منخفض التكلفة.

لكن هناك سبب لحدوث هذا الانخفاض في المقاومة، وهو أنّه عندما نخفض درجة الحرارة تحت درجة الحرارة الحرجة للمادة لتحويلها إلى موصل فائق، فإنها تطرد جميع الحقول المغناطيسية الداخلية، هذا في الواقع هو تأثير مايسنر: طرد الحقول المغناطيسية الداخلية.

إنه بشكل أساسي تحويل الموصل الفائق إلى مادة دايامغناطيسية مثالية، تتصرف مواد مثل الألومنيوم أو الرصاص أو الزئبق تمامًا بهذه الطريقة عندما تخفّض حرارتها إلى ما دون درجات الحرارة الحرجة.

الآن دعنا نذهب خطوة أبعد، بدلًا من مادة دايامغناطيسية مثالية، دعونا نتخيل أن لدينا واحدة بداخلها شوائب، إذا قمت بعد ذلك بتبريد المواد إلى ما دون درجة الحرارة الحرجة وغيّرت الحقل المغنطيسي بداخلها، فلا تزال تلك الحقول المغناطيسية الداخلية تُطرد لكن باستثناء أي مكان يكون فيه شوائب، إذ يبقى الحقل موجودًا، ولأنه لا يمكن للحقل دخول المنطقة النقية تُثبَّت هذه الحقول داخل الشوائب.

الشوائب هي المفتاح لجعل الطفو الكمومي المغناطيسي يحدث إذ يُطرد المجال المغناطيسي من المناطق النقية التي تكون فائقة التوصيل، لكن خطوط الحقل تخترق الشوائب التي تغير الحقل داخلها وتخلق تلك التيارات الدوامة.

وهنا يكمن المفتاح إذ أن تلك التيارات الدوامية عبارة عن شحنات متحركة لا تواجه أي مقاومة لأن المادة فائقة التوصيل، لذا يُحافظ عليها إلى أجل غير مسمى، طالما تبقى المادة فائقة التوصيل وعند درجات حرارة أقل من درجة الحرارة الحرجة.

بشكل عام، لدينا شيئان يحدثان في منطقتين مختلفتين:

  • في المناطق فائقة الموصلية تُطرَد الحقول ما يمنحك مادة دايامغناطيسية مثالية.
  • في المناطق التي تحوي شوائب تتركز وتثبت خطوط المجال المغناطيسي وبالتالي تسبب تيارات دوامية مستمرة.

إن التيارات التي تولدها هذه المناطق الشائبة هي التي تثبّت الموصل الفائق في مكانه.

طالما لدينا مجال مغناطيسي خارجي نحصل عليه عادةً من سلسلة من المغانط الدائمة، ستستمر الموصلات الفائقة بالطوفان، وفي الممارسة العملية، الشيء الوحيد الذي ينهي الظاهرة هو عندما ترتفع درجة حرارة المواد فوق الدرجة الحرجة.

هذا يعني أنّه إذا استطعنا إنشاء مادة بها خاصية فائقة التوصيل في درجة حرارة الغرفة، فإنها ستبقى تطفو إلى أجل غير مسمى، وإذا صمّمنا وبنينا مسارًا مغناطيسيًا لها فإنها ستبقى تتحرك دون قيود، وإذا فعلنا ذلك في غرفة تفريغ الهواء لإزالة مقاومة الهواء نكون قد أنشأنا آلة حركة دائمة.


  • ترجمة: مهران يوسف
  • تدقيق: سلام طالب
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر