أظهرت دراسة جديدة أن اتباع حمية البحر الأبيض المتوسط الخضراء؛ يصنعُ معجزات لعمر العقل البيولوجي ويؤخر شيخوخة الدماغ.

ووفقًا لفريق دولي من الباحثين الذين أجروا الدراسة، فإن الالتزام بحمية البحر الأبيض المتوسط الغنية بالخضراوات، والمأكولات البحرية، والحبوب الكاملة، وفقدان أقل من 1% من وزن الجسم؛ قد يُبطئ من ظهور علامات شيخوخة الدماغ التي تحرِضها السمنة عادةً.

أجرت الدراسة تجربةً سريريةً واسعة النطاق، وطويلة الأمد على مدى 18 شهرًا، وضمت 300 مشارك.

أعدّ الدراسة الفرعية البروفيسور جاليا أفيدان في قسم علم النفس، والدكتور جيدون ليفاكوف طالب الدراسات العليا في قسم العلوم المعرفية والدماغ سابقًا، وقاد الدراسة الرئيسة البروفيسور إيريس شاي من جامعة بن غوريون؛ وهو أستاذ مساعد في كلية “هارفارد” للصحة العامة، وكان الدكتور ألون كابلان -طالبُ الدراسات العُليا- وزملاؤه من جامعتي هارفارد ولايبزيغ مساعدين للبروفيسور إيرس شاي.

ترتبط السمنة بشيخوخة الدماغ -عادةً- أكثر من المتوقع، إذ تمكّن الباحثون من متابعة هذه العملية بحساب عمر دماغ الشخص، بصرف النظر عن عمره الحقيقي.

أيضًا، تثبَتوا من التحققِ من آلية تأثير عوامل محددة، مثل: نمط الحياة على شيخوخة الدماغ في أوقات زمنية قصيرة نسبيًا.

أجرى الباحثون دراستهم على 102 فردًا حققوا معايير السمنة، وتلقى المشاركون فحصًا للدماغ في بداية التجربة السريرية ونهايتها؛ لمعرفة دور نمط الحياة في حدوث الشيخوخة، فضلًا عن إجراء اختبارات وقياسات عدة؛ لمتابعة العمليات البيولوجية الأخرى المتأثرة بالسمنة، مثل: صحة الكبد.

استندت تقديرات عمر الدماغ إلى فحوصات أدمغة المشاركين.

كشفت الدراسة أن انخفاض وزن الجسم بنسبة 1%؛ أدى إلى صغر عمر دماغ المشاركين نحو 9 أشهر من عمر الدماغ المتوقع بعد 18 شهرًا من الدراسة مقارنةً بتقديرات العمر الزمني لأدمغتهم، إذ خسرَ المشاركون وسطيًا قرابة 2.3 كيلو غرامًا من وزنهم.

وصرحَ المشاركون في التجربة السريرية: «لا تشعر بالسنوات التي عشتها حقًا، ويشعر جسمك وكأنه يتقدم في السن أسرع منك؛ وهذا هو الفرق بين العمر البيولوجي، والعمر الزمني».

في كلتا الحالتين، أظهرت الأبحاث أن العمر البيولوجي للجسم هو أكثر بكثير من شعور وحسب، فقد يمكن العثور على علامات الشيخوخة البيولوجية في الجينات المنتشرة على طول الحمض النووي للشخص، وفي نهايات الكروموسومات، أو في اتصالات الدماغ.

تشير مجموعة متزايدة من الأبحاث إلى أنَ الشيخوخة البيولوجية -ومنها شيخوخة الدماغ- الناجمة عن الأحداث الجاهدة يمكن عكسها وإعادتها إلى مرحلة الشباب، وتُظهر هذه الدراسة أن تحسين النظام الغذائي قد يكون أحد أيسر الخيارات لتحسين صحة الجسم، بصرف النظر عن عدد السنوات التي عاشها الشخص.

اتبع المشاركون واحدة من ثلاثة أنظمة غذائية، وهي:

  1.  حمية البحر الأبيض المتوسط مع كثير من المكسرات والأسماك والدجاج، بدلًا من اللحوم الحمراء.
  2.  حمية البحر الأبيض المتوسط مع بعض الإضافات، مثل: الشاي الأخضر؛ فهو يُعدُ مصدرًا لعديدات الفينول: وهي مواد غذائية ذات خواص مضادة للأكسدة، تلعب أدوارًا عدة في حماية الجسم من مختلف الأمراض المزمنة، والالتهابات، والأورام، وغيرها.
  3.  نظام غذائي يعتمد إرشادات غذائية صحية فقط.

كان فريق البحث التجريبي، هو أول من أدخل مفهوم حمية البحر الأبيض المتوسط الخضراء ذات المحتوى العالي من عديدات الفينول.

وتختلف حمية البحر الأبيض المتوسط الغذائية المعدلة عن حمية البحر الأبيض المتوسط الغذائية التقليدية؛ بسبب عديد الفينول الغذائي المتوفر بكثرة في المواد الكيميائية النباتية، والمستقلبات الثانوية للمركبات النباتية التي تقدم فوائد صحية مختلفة، واللحوم الحمراء الطازجة والمصنعة.

وارتبط تراجع شيخوخة الدماغ بالتغيرات في العمليات البيولوجية الأخرى، مثل: انخفاض دهون الكبد وبعض إنزيماته، إذ أُثبِت سابقًا أن ارتفاع دهون الكبد ومنتجات محددة لإنزيمات الكبد، قد تؤثر سلبًا على صحة الدماغ في مرض “ألزهايمر” ولكن قد تكون هذه التغيرات قصيرة الأمد.

يقول المؤلفُ الرئيسُ وعالم الأعصابِ جيدون ليفاكوف من جامعة بن غوريون: «تسلِطُ دراستُنا الضوء على أهمية نمط حياة صحي، يتضمن انخفاض استهلاك الأطعمة المُصنَعة والحلويات والمشروبات، في سبيل الحفاظ على صحة الدماغ».

وجدت الدراسة أيضًا أن تغيرات الاتصال في الدماغ تُترجَم إلى تحسينات في وظائف المخ؛ وهي قضية ما تزال غير معروفة، فالدماغ مكوّن من شبكة معقدة من الاتصالات المرنة التي بدأنا للتو في رسمها، مع أن المراجعة الحديثة تشير إلى أن حمية البحر الأبيض المتوسط لها تأثير إيجابي على الذاكرة لدى كبار السن.

كان معظم المشاركين من الرجال، إذ شاركوا باستطلاع الرأي عبر الإنترنت حول نظامهم الغذائي وعاداتهم الحياتية؛ وهذا يعني أن البيانات قد تكون غير دقيقة حول ما قد يتذكرونه، أو ما يختارون الإبلاغ عنه.

ولا يتصل الأمر بالطعام فقط، فقد أُخِذَت مستويات نشاط المشاركين، وحصلوا على عضوية مجانية في صالات الألعاب الرياضية لإكمال التجربة؛ لذلك كانت التمارين عاملًا يُدرَس تاثيره في شيخوخة الدماغ أيضًا.

فضلًا عن ذلك، كشفت الأبحاثُ السابقة عن آلية عمل الدهون الجيدة في حمية البحر الأبيض المتوسط عن المستوى الخلوي، وعن تناقضات واضحة حول الأشخاص الذين يجنون الفوائد الصحية الناجمة عن اتباع حمية البحر الأبيض المتوسط الخضراء.

إذ لاحظ الأشخاص الذين لديهم وظائف عالية الأجر وتعليمًا جيدًا، والذين يستطيعون شراء الكثير من الأسماك والحبوب الكاملة؛ تحسنًا أكبر في صحة القلب والأوعية الدموية من الأشخاص ذوي الدخل المنخفض، حتى لو كان التزامهم بالنظام الغذائي هو نفسه.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف الجينات المسؤولة عن شيخوخة الدماغ

ترجمة: تيماء القلعاني

تدقيق: دانا فيصل توفيق

المصادر: 1 2