أنشأ الإغريق نحو عام 600 ق.م طريق ديولكوس الواعد والمرصوف جزئيًا بالحجارة والممتد عبر برزخ كورنثوس بأكمله، وعمل الطريق البري على مساعدة البحارة على تجنب مخاطر الطواف في شبه جزيرة بيلوبونيز. يتميز أحد أقسام الطريق بمسارات محفورة يدويًا، التي تعتبر من أقدم خطوط السكك الحديدية المعروفة في التاريخ المسجل.

يقول الدكتور جورجيوس سبيروبولوس مساعد مدير متحف الآثار الكورنثي، إن سفينة ديولكوس كانت أول محاولة منهجية لتسهيل نقل البضائع والسفن الحربية من نهر سارونيك إلى خليج كورنثية وبالعكس.

تقع كورنثوس القديمة على برزخ غرب أثينا، وكانت مدينة قوية وثرية سيطرت على التجارة برًا وبحرًا، وكانت المنطقة موطنًا للألعاب المائية التي أقيمت تكريمًا لإله البحر بوسيدون، وتدفقت مختلف أنواع التجارة من زيت الزيتون والنبيذ والمنسوجات والفخار في جميع أنحاء المنطقة.

في جنوب مضيق كورنثوس، يقع خليج مالياس الذي تسبب بتحطيم السفن وأغرق البحارة، حتى أنه في ملحمة هوميروس “الأوديسة”، حاول البطل أوديسيوس الإبحار عبر هذه المياه الخطرة لكنه انحرف عن المسار وانتهى به الأمر في أراضي آكلي اللوتس.

لذلك عوضًا عن الخوض في مخاطر هذا الطريق الجنوبي، استخدم بعض الرحالة القدماء نهر ديولكوس الذي ربط مسافة أربعة أميال بين موانئ كورنثوس الغربية والشرقية الرئيسة.

حاول الإمبراطور الروماني نيرون بعد قرون في عام 67 ميلادي بناء قناة بين مواني كورنثوس بواسطة آلاف العبيد ولكن سرعان ما أُهمِلَ المشروع. أما قناة كورنثوس الحديثة الضيقة فشُرِعَ في بناءها عام 1882 واكتملت بحلول عام 1893 ميلاديًا.

استكشاف طريق ديولكوس:

نقب عالم الآثار نيكولاوس فيرديليس في أواخر الخمسينيات عن أجزاء من ديولكوس وأرخها إلى نحو 600 ق.م في عهد برياندير الطاغية الثاني من سلالة سيبسيلد التي حكمت كورنثوس القديمة، وبحسب إحدى الأساطير فإن بيرياندير بنى طريقًا بدلاً من قناة لأن كهنته حذروه من أن غضب المحيطين بسبب اختلاطهما سيؤدي إلى سقوط كورنثوس.

عند اقتراب السفن من الساحل عبر خليج كورنثوس «جُرَّت على بكرات خشبية فوق رصيف مائل مرصوف بالحجارة ولربما كان الطرف الغربي منه مغمورًا بالمياه، قبل رفعها على مركبة ذات عجلات» بحسب ما يذكر سبيربولوس. كانت العديد من العربات محملة بالبضائع الثقيلة مثل الأخشاب أو الرخام وكانت تجرها الحيوانات.

يتراوح عرض طريق ديولكوس بين 15 و 20 قدمًا وكان مرصوفًا بحجر الكلس الرملي، وأخِذَت بعض الكتل الحجرية من الآثار المهجورة وبقيت الحروف اليونانية القديمة ملحوظة. يمتد طريق ديولكوس لمسافة نحو 5 أميال لأنه بُني حول المناظر الطبيعية لضمان انحدار معتدل يقل عن 1.5%، وعمومًا لا يوجد أي أثر للجزء الشرقي منه، ونقطة النهاية الدقيقة له غير معروفة.

تكشف الحفريات أنه بانحناء طريق ديولكوس نحو الداخل فإن آثار العجلات البالية قد كشفت عن سكك حديدية فريدة من نوعها محفورة بعنايةٍ في الحجر.

يذكر الدكتور ديفيد بيتيغرو أستاذ التاريخ والآثار في جامعة مسايا: «كان عالم الآثار فيرديليس محقًا في قراءتها كأخاديد محفورة». ويبلغ عرض تلك الأخاديد 5 أقدام وقد صُممت بوضوح لتناسب العجلات.

عبور السفن الحربية عبر البرزخ:

يعتقد معظم المؤرخين الآن أن السفن الحربية القديمة لم تُنقل بانتظام برًا عبر طريق ديولكوس، لكن النصوص القديمة تشير إلى أنه استُخدم في بعض الأحيان لهذا الغرض.

في كتاب تاريخ الحرب البيلوبونيسية، روى المؤرخ اليوناني ثوسيديدس عن أول عبور لبرزخ كورنثوس في عام 412 ق.م عندما نقل الإسبرطيون سفنهم الحربية سرًا وبسرعة نحو أثينا، بدلًا من المخاطرة برحلة بحرية غادرة، وكتب مؤرخون قدماء آخرون ومنهم بوليبيوس عن رحلات عديدة اخرى تعد هي الأكثر درامية عبر القرون.

حصلت إحدى هذه الحوادث في عام 102 ق.م عندما أرسلت روما ماركوس أنطونيوس، الجد الأكبر لمارك أنطوني، لمهاجمة القراصنة الكيليكيين إذ نقل أسطوله عبر البرزخ وأبحر إلى بامفيليا حيث انتصر في النهاية.

كتب المؤرخ الروماني كاسيوس ديو عن المناورات العسكرية لأوكتافيان خلال حرب أكتيوم في عام 30 ق.م وذكر إنه نقل سفنه عبر البرزخ بسبب الشتاء وعاد إلى آسيا بسرعة، لدرجة أن هذا الإنجاز أذهل مارك أنتوني وكليوباترا لأنهما علما في نفس الوقت برحيله وعودته.

تعمل الحكومة اليونانية على ترميم وحماية بعض أقسام طريق ديولكوس لمنع المزيد من التآكل والتعرية، وقد تسفر الحفريات الجارية عن المزيد من التفاصيل حول هذا الإنجاز الهندسي القديم واستخداماته.

اقرأ أيضًا:

لمحة عن تاريخ وسائل النقل

ثمانية أشياء يومية استخدمها الإغريق

ترجمة: صفا روضان

تدقيق: رغد أبو الراغب

المصدر