تصور أنك قد سمعت للتو عن طراز سيارة جديد، وفجأة بدأت تراه في كل مكان! على الطريق، وفي الإعلانات التجارية، وحتى أن جارك اشترى لتوه واحدةً من الطراز ذاته! هل هي مجرد مصادفة أم أن الأمر أعقد من ذلك؟

مرحبًا بك في عالم ظاهرة بادر ماينهوف، أو وهم التكرار. يحدث هذا التحيز المعرفي عندما تلاحظ أو تتعلم شيئًا جديدًا، وفجأة تجده يظهر في كل مكان. هل يتكرر حدوث الشيء بالفعل أم أن دماغك يوليه مزيدًا من الاهتمام؟

فهم ظاهرة بادر ماينهوف:

يتضمن تأثير بادر ماينهوف عمليتين معرفيتين: التركيز الانتقائي والانحياز التأكيدي. يحدث التركيز الانتقائي عندما يقرر العقل من دون وعي وجود شيء مهم ويبدأ بملاحظته أكثر. أما الانحياز التأكيدي فيحدث عندما يعتقد دماغك أن شيئًا ما أكثر انتشارًا بسبب رؤيته كثيرًا، وإن لم يزد معدل تكراره فعليًا.

التركيز الانتقائي:

عندما يتعلم الشخص شيئًا جديدًا أو يجد شيئًا مثيرًا للاهتمام، يعدّه العقل مهمًا، ما يؤدي إلى تحفيز العقل للبحث دون وعي عن هذا الشيء. مثلًا، عند تعلّم كلمة جديدة، يبحث عنها العقل دون وعي، فيبدأ الشخص بملاحظتها في الكتب والمقالات والمحادثات.

الانحياز التأكيدي:

بعد ملاحظة الشيء مرتين أو أكثر، يبدأ الشخص بإقناع نفسه أنه يرى الشيء بالفعل بمعدل أكبر من المعتاد. هذا هو التحيز التأكيدي: الميل إلى تفسير الأدلة الجديدة بأنها تأكيد للمعتقدات أو النظريات الموجودة بالفعل. حتى لو كانت السيارة أو الكلمات الجديدة لا تظهر فعليًا بتكرار متزايد، فإن الشخص سيعتقد أن السبب أنه يلاحظها أكثر.

أصل المصطلح:

من المثير للاهتمام أن مصطلح «ظاهرة بادر ماينهوف» لا صلة له بالشخص الذي بحث عنها أو بأي خلفية علمية. سُميت الظاهرة باسم جماعة إرهابية نشأت في ألمانيا الغربية، وهي جماعة بادر ماينهوف، التي نشطت في السبعينيات.

عام 1994، صاغ المصطلح أحد الصحفيين الذي نشر مقالًا عن الظاهرة في صحيفة سانت بول بيونير بريس في ولاية مينيسوتا، وقد سمع عن إشارتين تابعتين لعصابة بادر ماينهوف خلال 24 ساعة، فقرر تسمية ظاهرة «وهم التكرار» باسمها.

«ظاهرة بادر ماينهوف» مقابل «وهم الحداثة»:

غالبًا ما يُخلط بين تأثير بادر ماينهوف وتأثير وهم الحداثة. وهم الحداثة هو تحيز معرفي آخر لاحظه أستاذ اللغويات في جامعة ستانفورد، أرنولد زويكي عام 2005. كتب زويكي واصفًا وهم الحداثة بأنه: «الاعتقاد بأن الأشياء التي لوحظت أخيرًا هي في الواقع حديثة». رغم التشابه فإنهما نوعان مختلفان من الانحياز المعرفي.

يرتبط وهم الحداثة بالاعتقاد السائد بأن شيئًا ما أحدث مما هو عليه في الواقع، في حين يشير مصطلح «وهم التواتر» المعروف أيضًا باسم تأثير بادر ماينهوف، إلى ملاحظة شيء ما بصورة متكررة بعد التعرف عليه.

أمثلة من الواقع:

ظاهرة «السيارة ذاتها!»:

قد يتعرض الشخص لتأثير بادر ماينهوف دون أن يدرك ذلك. لعلك اشتريت سيارة جديدة أو سمعت للتو عن طراز سيارة جديد، ثم بدأت تراه في كل مكان. ذلك مثال كلاسيكي لظاهرة بادر ماينهوف، إذ يبحث عقلك دون وعي عن السيارة ذاتها التي اشتريتها أو سمعت عنها حديثًا. ومن ثم تبدأ بملاحظتها أكثر.

تعلم كلمة جديدة:

مثال شائع آخر: عند تعلم الشخص كلمة جديدة ثم فجأة يبدأ بملاحظتها في كل مكان، في الكتب والمقالات والمحادثات، إذ يهتم العقل بالمصطلح الجديد ويبحث عنه دون وعي.

التطبيق في مجال التسويق والإعلان:

يعد فهم ظاهرة بادر ماينهوف أمرًا بالغ الأهمية لمحترفي التسويق والإعلان، وذلك بتعريض العملاء المحتملين لمنتج أو علامة تجارية عدة مرات، إذ يمكن للمسوقين تحفيز تأثير بادر ماينهوف، ما يجعل الأشخاص يعتقدون أن المنتج أو العلامة التجارية أشهر أو أكثر انتشارًا مما هي عليه في الواقع.

فك رموز التصورات:

ظاهرة بادر ماينهوف، أو وهم التواتر، تحيز معرفي مهم، يؤثر في إدراك تكرار الأشياء أو الكلمات أو الأحداث، إذ ينطوي على اهتمام انتقائي وتحيز تأكيدي، وغالبًا ما يُخلط بينه وبين وهم الحداثة.

سواء كان الشخص يلاحظ السيارة ذاتها في كل مكان أم يرى فجأة كلمة تعلمها أخيرًا في كل نص، فإن ظاهرة بادر ماينهوف تُعد تذكيرًا بقدرة الدماغ على تشكيل تصورات عن العالم من حولنا.

اقرأ أيضًا:

كيف تفهم مشاعرك باستخدام عجلة العاطفة؟

12 علامة تدل على أنك في علاقة صحية

ترجمة: زينب عبد الكريم

تدقيق: ريمي سليمان

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر