يهوى الناس الغناء مع أنهم قد لا يجيدونه، فالغناء بصوت عال يمنحنا شعورًا إيجابيًا وصحيًا. في الحقيقة، يوجد دليل علمي قوي يبرهن أن الغناء جيد للصحة النفسية والجسدية فعلًا. سنلقي في هذه المقالة نظرة على الطريقة التي يؤثر بها الغناء في صحتك الجسدية والنفسية، وعلى كيفية استخدام الغناء ليكون أسلوبًا علاجيًا.

ما فوائد الغناء ؟

بينت عقود من البحث أن الغناء جيد للصحة في نواح عدة سواءً كنت تغني بمفردك أو مع مجموعة، إليك فوائد الغناء العشر وفقًا للعلم:

أولًا. مخفف للتوتر:

في دراسة أجريت عام 2017 قيست فيها مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول) في لعاب المشاركين قبل الغناء وبعده، وجد الباحثون أن تراكيز الكورتيزول بعد الغناء كانت أقل، ما يشير إلى أن المشاركين شعروا براحة أكثر بعد الغناء. وجد الباحثون أيضًا أن الغناء يقلل التوتر سواءً كان فرديًا أو جماعيًا، ومع ذلك فإن مستويات الكورتيزول لا تنخفض إلا عندما تغني في مكان لا يثير قلقك، إذ أجريت دراسة مشابهة عام 2015 قاست مستويات الكورتيزول اللعابية بعد أداء غناء مسرحي فكانت مستويات الهرمون مرتفعة في هذه المرة.

ثانيًا. محفز للجهاز المناعي:

توجد بعض الأدلة على أن الغناء قد يحرض الجهاز المناعي ويساهم في مكافحة المرض.

في دراسة أجريت عام 2004، قورن بين تأثير الغناء وتأثير الاستماع إلى الموسيقا دون غناء، إذ طلب من بعض المشاركين الغناء أما الآخرون فقد استمعوا إلى الموسيقا فقط دون غناء.

وُجد لدى من غنوا مستويات عالية من الغلوبولين A وهو جسم مضاد يفرزه الجسم لمواجهة الإنتانات، في حين قلل الاستماع إلى الموسيقى مستويات الكورتيزول دون تحريض جهاز المناعة.

ثالثًا. يرفع عتبة الألم:

يفرز الجسم هرمون الإندروفين عند ممارسة الغناء في مجموعة صغيرة كانت أم كبيرة، وهو هرمون يساعد على تعزيز المشاعر الإيجابية وتغيير الإدراك لمشاعر الألم.

وجدت دراسة عام 2012 أن كلًا من الغناء وقرع الطبول والرقص في مجموعات يحرض إفراز هرمونات ترفع القدرة على تحمل الألم بآليات لا يوفرها الاستماع إلى الموسيقا، ويشير الباحثون إلى أن ما يقبع وراء تحريض تحمل الألم هو مشاعر التواصل الاجتماعي وليس الموسيقا نفسها.

رابعًا. قد يحسن الشخير:

يحتمل أن الغناء المعتاد يبدل طريقة تنفسك حتى عند عدم قيامك بالغناء. في دراسة أجريت عام 2008، استجوب الباحثون أزواجًا مشاركين في فرقة غنائية وأزواجًا آخرين لا يغنون، فوجدوا أن أزواج المجموعة الغنائية شخروا أقل بصورة ملحوظة ما دفعهم إلى اقتراح الغناء وسيلةً محتملة لعلاج الشخير.

أيضًا، أفادت الدراسات أن عازفي الآلات النفخية يشخرون أقل مما يشخر عامة الناس، وقد دفعت هذه المعطيات بعض الخبراء إلى الاقتراح بأن العزف على الآلات النفخية قد يفيد مرضى انقطاع التنفس الانسدادي النومي.

خامسًا. تحسين وظيفة الرئة:

يحتمل أن يكون الغناء جيدًا لحالات تنفسية ورئوية محددة لأنه يتطلب تنفسًا عميقًا واستخدامًا محكمًا لعضلات الجهاز التنفسي، وقد بينت الدراسات أن آليات التنفس المستخدمة خلال الغناء قد تنفع لمرضى الحالات التالية:

  •  انقطاع التنفس الانسدادي النومي.
  •  الربو.
  •  التليف الكيسي.
  •  السرطان.
  •  التصلب اللويحي المتعدد.
  •  الشلل الرباعي.

لا يمثل الغناء علاجًا لأي من الحالات السابقة لكنه يقوي عضلات التنفس، وتبين الأبحاث أن الغناء يزيد مستويات الأكسجين الدموية، ويشعر المغني أيضًا بمزاج أفضل وإحساس أقوى بالتواصل الاجتماعي إضافة إلى الفوائد الرئوية.

سادسًا. توليد الشعور بالتواصل والانتماء:

عندما تغني مع الآخرين، ستشعر على الأغلب بنفس الحميمية والاتصال الذي يشعر به لاعبو الفرق الرياضية.

في دراسة أجريت عام 2014 شارك فيها نحو 11258 من تلاميذ المدارس، وجد الباحثون أن الأطفال المنخرطين في برامج غنائية وموسيقية لديهم إحساس أقوى بالتواصل والتضامن الاجتماعي.

في دراسة أُجريت عام 2016 شارك فيها نحو 375 من البالغين، وجد الباحثون ارتفاع الإحساس بالصحة الجيدة والتواصل القيم لدى الذين غنوا في مجموعات بالمقارنة مع أولئك الذين غنوا بمفردهم.

الأوكسيتوسين هو أحد الهرمونات المفرزة عند الشعور بالاتصال مع الآخرين، ويعرف أيضًا باسم هرمون الحب، إذ تطلق هذه المادة العصبية الكيميائية عندما يشعر الناس بالارتباط ببعضهم.

وعند الغناء الارتجالي يفرز جسدك تلقائيًا هذا الهرمون المحسن للحالة النفسية ما قد يمنحك إحساسًا أكبر بالقرابة والتضامن.

سابعًا. تعزيز ذاكرة المصابين بالخرف:

يعاني المصابون بداء ألزهايمر وأنماط الخرف الأخرى فقدان الذاكرة تدريجيًا، لكن أفادت الدراسات أن المصابين بهذه الاعتلالات تذكروا كلمات الأغاني بسهولة أكثر من تذكرهم كلمات أخرى. وفي دراسة أجرتها منظمة ألزهايمر أوضح المشاركون سعادتهم بقدرتهم على تذكر شيء ما.

على أية حال، لم يتذكر المغنون كلمات الأغاني فقط، بل مكنهم غناء أغان مألوفة من إحياء بعض ذكرياتهم المنسية فجأة. ووجد الباحثون أن غناء الأغاني المحفوظة في سن باكرة سبب استعادة فجائية لتفاصيل ذاتيةٍ حياتية لدى الكثير من الأشخاص.

ثامنًا. تخفيف الحزن:

الغناء في مجموعة لا يخفف الآلام الجسدية فحسب، بل يخفف أيضًا الآلام النفسية التي قد يشعر بها المرء بعد فقدان أحد أحبته.

في دراسة أجريت عام 2019 على الأشخاص الذين يكابدون الحزن، وجد الباحثون أن الذين يغنون في فرقة أبدوا إحساسًا مستقرًا بالصحة الجيدة ولم تتدهور أعراض الاكتئاب لديهم، في الحقيقة، أبدى مغنو الفرقة تزايدًا تدريجيًا في ثقتهم بأنفسهم خلال أسابيع الدراسة الاثني عشر وما بعدها، أما الذين لم يشاركوا في الغناء لم تظهر لديهم هذه الفائدة.

يرى الباحثون أن الغناء الجماعي قد يكون خيارًا جيدًا لمن هم في حاجة إلى دعم إضافي خلال فترات الحزن.

تاسعًا. تحسين المزاج والصحة النفسية:

عام 2018، أجريت في المملكة المتحدة دراسة قيمت عشرين شخصًا في برنامج غنائي يعرف باسم مشروع (غن عما في قلبك)، تضمنت الدراسة مرضى اضطرابات الصحة النفسية وأشخاصًا من عامة الناس.

وأفاد الباحثون أن المشاركين قد أبلغوا عن تحسن صحتهم النفسية ومزاجهم وإحساسهم بالصحة الجيدة والانتماء نتيجةً لبرامج الغناء.

عاشرًا. تطوير القدرات الكلامية:

بدأ الباحثون قبل عدة عقود بدراسة تأثيرات الغناء لدى الذين يعانون صعوبات في التكلم لأسباب عصبية.

حتى اليوم، وجد الباحثون أن الغناء يحسن القدرة الكلامية في الحالات التالية:

  •  التوحد.
  •  داء باركنسون.
  •  الحبسة التالية للسكتة.
  •  التمتمة (التلعثم).

يحفز الغناء عدة مناطق من الدماغ في نفس الوقت، ما يمكن المصابين باعتلال إحدى مناطق الدماغ من التواصل باستخدام مناطق أخرى، ويطيل الغناء أيضًا صوت كل كلمة على حدى ما يسهل لفظها، ويسهل دمج الأصوات وحركات النقر ما يساعد الأشخاص على الحفاظ على إيقاع الكلمات التي يصعب لفظها.

نماذج أخرى من العلاج بالموسيقا:

حث الفلاسفة والأطباء والفنانون منذ القدم على استخدام الموسيقا بوصفها وسيلةً للعلاج نظرًا لفضائلها الصحية العديدة، وتتضمن نماذج العلاج بالموسيقا إلى جانب الغناء ما يلي:

  •  عزف آلة موسيقية.
  •  الرقص على أنغام الموسيقا.
  •  الاستماع إلى الموسيقا.

وقد أظهرت هذه النماذج من العلاج بالموسيقا قدرتها على تحسين الصحة الجسدية والنفسية بآليات مختلفة، وليس ضروريًا أن تكون جيدًا في عزف الموسيقا حتى تحصد فوائدها.

تتضمن هذه الفوائد ما يلي:

  •  خفض مستوى التوتر.
  •  تخفيف الألم.
  •  تحسين المزاج.
  •  تقليل الشعور بالتعب.
  •  تقوية التواصل الاجتماعي.

كيفية دمج العلاج بالموسيقا أو الغناء في أسلوب حياتك:

إذا كنت حائرًا حول نقطة البداية، إليك بعض أساليب التحضير لذلك:

  •  اذهب للتسكع في السيارة، وانفرد بالطريق وموسيقا الراديو.
  •  غن كل أغانيك المفضلة عندما تستحم.
  •  غن مع أطفالك، فتشكل هذه ذكرى تقدرونها جميعًا.
  •  جرب الذهاب إلى حفل موسيقي، يقدم بعض هذه الحفلات مجموعات غناء ضمن برنامج الحفل.
  •  ابحث عن مجموعة منشدة محلية وانضم إليها.
  •  إذا رغبت بالغناء بثقة أكبر قبل الانضمام إلى فرقة، تلقى دروسًا عند أستاذ في الغناء، وهناك دروس مجانية على اليوتيوب.
  •  إذا كنت مهتمًا بالعلاج بالموسيقا لتشفى من ظرف صحي أو تتخطى صدمة سابقة، الجأ إلى معالج موسيقي مختص.

الخلاصة:

بينت الأبحاث أن الغناء جيد من عدة نواح، فقد يقلل التوتر ويعزز المناعة ووظائف الرئة، ويقوي الذاكرة ويحسن الصحة العقلية ويساهم في الشفاء من الألم الجسدي والنفسي العاطفي.

وأفضل ما في الغناء أنه ليس عليك أن تكون جيدًا في أدائه لتحقق الفائدة منه، تستطيع أن تغني بمفردك في الحمام أو تردد أغانيك المفضلة مع الراديو أو تستطيع المشاركة في مجموعة غنائية لمزيد من الفوائد مثل الإحساس بالانتماء والتواصل.

اقرأ أيضًا:

هل يزيد تعلم الأطفال للموسيقى من مستوى ذكائهم؟

العلاج النفسي بالموسيقى

ترجمة: حيدر بوبو

تدقيق: أحمد الحميّد

مراجعة: غزل الكردي

المصدر