علم النفس الإيجابي هو أحد فروع علم النفس البارزة حديثًا، إذ لا يميل إلى التركيز على خلل وظيفي في عضو ما بالجسم، إنما يهتم بازدهار حياة الإنسان وعيش حياة صحية وسعيدة، ويركز على كل ما يسهم في سعادة الإنسان وصحته العاطفية والنفسية، في حين تميل الفروع الأخرى من علم النفس للتركيز على السلوك غير الطبيعي للإنسان.

صُمم علم النفس الإيجابي «لاستكمال مجالات علم النفس التي كانت سائدة لعقود، إذ ركزت فقط على إيجاد حلول للمشكلات»، كما أوضح كريستوفر بيترسون، مؤلف كتاب «مقدمة في علم النفس الإيجابي»، أستاذ في جامعة ميشيغان، في مقال نُشر في مجلة «علم النفس اليوم» عام 2008.

يقول بيترسون: «علم النفس الإيجابي هو دعوة لعلم النفس للاهتمام بالقوة كما الضعف، ببناء أفضل الأشياء في الحياة كما إصلاح الأسوأ، وجعل حياة الناس مليئة بالرضى كما هو الحال مع علاج الأمراض».

وفقًا لكبار رواد هذا المجال مارتن سليجمان، يساعد علم النّفس الإيجابي على تحقيق الفهم العلمي والتدخلات الفعالة، وتوظيف ذلك في ازدهار الفرد والأسر والمجتمعات.

لفهم مجالات علم النفس الإيجابي، يجب التعمق في معرفة المزيد عن نظرياته الرئيسية وتطبيقاته وتاريخه.

المستويات الثلاثة لعلم النفس الإيجابي:

يشير مؤيدو علم النّفس الإيجابي إلى وجود ثلاثة مستويات مختلفة:

  •  المستوى الذاتي: يركز على مشاعر السعادة والرفاهية والتفاؤل، وكيف أن لهذه المشاعر صلة أو تأثير في سير يومك.
  •  المستوى الفردي: يجمع بين مشاعر المستوى الشخصي والفضائل الأخرى التي تجعل الإنسان شخصًا جيدًا، مثل التسامح والحب والشجاعة.
  •  مستوى المجموعة: يركز على التفاعل الإيجابي مع المجتمع، متضمنًا الميزات الأخرى مثل الإيثار والمسؤولية المجتمعية، وغيرها من الفضائل التي تعزز الروابط الجماعية.

علم النفس الإيجابي ونموذج (PERMA):

ابتكر سليجمان نموذج (PERMA) «وهي الحروف الأولى من عناصر الرفاهية الخمسة: الإيجابية والاندماج والعلاقات والمعنى والإنجاز»، إذ يركز علم النفس الإيجابي أساسًا على شرح الرفاهية وتعريفها:

  •  الإيجابية: المشاعر الإيجابية والشعور بالتفاؤل، والامتنان لتجارب الماضي والشعور بالرضا تجاه الحاضر والنظر إلى المستقبل بأمل.
  •  الاندماج: الانخراط والمرونة في أداء الأنشطة والهوايات الممتعة.
  •  العلاقات: تكوين علاقات وروابط اجتماعية مع العائلة والأصدقاء.
  •  المعنى: إيجاد هدف أكبر في الحياة.
  •  الإنجاز: تحقيق الإنجازات ووضع أهداف وصولًا إلى النجاح.

تطبيقات علم النفس الإيجابي:

لعلم النفس الإيجابي مجموعة من التطبيقات الواقعية في عدة مجالات، تشمل التعليم والعلاج والمساعدة الذاتية والسيطرة على القلق والقضايا المتعلقة بمكان العمل، إذ يساعد استخدام استراتيجيات علم النفس الإيجابي المدرسين والمدربين والمعالجين وأرباب العمل على تحفيز الأفراد ومساعدتهم على فهم نقاط القوة في شخصياتهم وتطويرها.

من المواضيع الرئيسية لعلم النفس الإيجابي:

  •  قوة الشخصية وفضائلها.
  •  المرونة.
  •  الإشباع.
  •  الامتنان.
  •  السعادة والمتعة.
  •  الأمل.
  •  صفاء الذهن.
  •  التفاؤل.
  •  إيجابية التفكير.

نتائج علم النفس الإيجابي:

يوضح علم النّفس الإيجابي ما يلي:

  •  لا يشتري المال بالضرورة رفاهية الإنسان، لكن إنفاق المال على الآخرين قد يجعل الأفراد أسعد.
  •  الناس بالمجمل سعداء.
  •  أفضل طرق مقاومة خيبات الأمل والنكسات العاطفية هي العلاقات الاجتماعية القوية ونقاط القوة في الشخصية.
  •  تتأثر السعادة بعامل الوراثة، مع ذلك يستطيع الناس تعلم كيفية العيش بسعادة، بتطوير الشعور بالتفاؤل والإيثار والامتنان.
  •  للعمل تأثير في الصحة النفسية والعاطفية، خاصةً عند القدرة على الانخراط في عمل هادف.

العقبات المحتملة:

عادةً ما يُخلط بين مصطلح علم النّفس الإيجابي والتفكير الإيجابي، ويُساء فهمه على أنه تكتيك مُتبع للمساعدة الذاتية بدلًا من النظريات المدعومة من الأبحاث، إذ يعد التفكير الإيجابي طريقة تفكير للتصرف بسلوك أفضل ومرونة أكبر، بدلاً من التصرف بطريقتنا المعتادة ذاتها في إطار عقلي مختلف.

من ناحية أخرى، فإن علم النّفس الإيجابي هو دراسة علمية للصفات الإيجابية في الحياة، إذ يركز على السلوكيات التي قد تؤدي إلى تفكير عقلي أفضل، إضافةً إلى أنماط تفكير تؤدي إلى سلوكيات أكثر عملية.

تاريخ علم النفس الإيجابي:

قبل الحرب العالمية الثانية، كان لعلم النفس الإيجابي ثلاث مهام متميزة: علاج الأمراض العقلية، وجعل حياة الناس أكثر إنتاجية ورضا، وتمييز المواهب ورعايتها.

لاحقًا، تحول التركيز الأساسي لعلم النفس إلى المجال الأول: علاج السلوك غير الطبيعي والأمراض العقلية. في خمسينيات القرن الماضي، ساهم مفكرون مثل كارل روجرز وإريك فروم وأبراهام ماسلو في تجديد الاهتمام بالمجالين الآخرين، بتطوير نظريات ركزت على السعادة والجوانب الإيجابية للطبيعة البشرية.

ما يلي بعض الأحداث المهمة في تاريخ علم النفس الإيجابي:

  •  1998: انتُخب سليجمان رئيسًا لجمعية علم النفس الأمريكية وأصبح علم النفس الإيجابي موضوع فترة ولايته. اليوم، يُنظر إلى سليجمان على نطاق واسع أنه عرّاب علم النفس الإيجابي المعاصر.
  •  2002: عُقد أول مؤتمر دولي لعلم النفس الإيجابي.
  •  2006: أصبحت صفوف علم النّفس الإيجابي في جامعة هارفارد من أكثر الصفوف شعبيةً في الجامعة.
  •  2009: عُقد المؤتمر العالمي الأول لعلم النفس الإيجابي في فيلادلفيا، وتضمن محادثات سليجمان وفيليب زيمباردو.

تشمل الشخصيات الأخرى المهمة في مجال علم النّفس الإيجابي:

  •  ألبرت باندورا.
  •  كارول دويك.
  •  كريستوفر بيترسون.
  •  دانيال جيلبرت.
  •  كينون شيلدون.
  •  تشارلز سنايدر.

نما الاهتمام العام بعلم النفس الإيجابي على نطاق واسع منذ قدّم العلماء هذا المفهوم. اليوم، يبحث العديد من الأشخاص عن معلومات حول كيف يصبحون أشخاصًا أكثر رضى، وكيفية توظيف كامل إمكاناتهم.

اقرأ أيضًا:

دور علم النّفس الإيجابي بتدبير الإجهاد والقلق

نغمة بيانو واحدة لتخفيف الكوابيس

ترجمة: سارا رياض الخضر

تدقيق:بدور مارديني

المصدر