سقطت القسطنطينية يوم 29 مايو 1453 على يد السلطان العثماني محمد الثاني، إذ تضاءلت الإمبراطورية البيزنطية، وبلغت نهايتها المحتومة عندما اقتحم العثمانيون سور القسطنطينية القديم، بعد حصار استمر 55 يومًا.

حاصر محمد الثاني القسطنطينية برًا وبحرًا، واستخدم المَدافع لإمطار الأسوار بوابل مستمر من النيران. أزال سقوط المدينة دفاعات أوروبا المسيحية ضد الغزو الإسلامي، وسمح بالتوسع العثماني في أوروبا الشرقية.

الأسباب

بحلول منتصف القرن الخامس عشر، أدت الصراعات المستمرة للإمبراطورية البيزنطية مع جيرانها في البلقان وخصومها من الروم الكاثوليك إلى تقليص أملاكها لتقتصر على القسطنطينية والأراضي الواقعة غربها مباشرةً. ونتيجةً للعديد من الحصارات المدمرة انخفض عدد سكان المدينة من نحو 400 ألف في القرن الثاني عشر إلى نحو 40 ألف بحلول عام 1450، وشكلت الحقول الواسعة جزءًا كبيرًا من الأراضي داخل الأسوار.

كانت العلاقات البيزنطية مع باقي الدول الأوروبية متوترةً عبر القرون المتتالية، إلى جانب حدوث الانشقاق العظيم سنة 1054، وهو انشقاق العالم المسيحي إلى كنيستين، غربية كاثوليكية وشرقية أرثوذكسية، إضافةً إلى الاحتلال اللاتيني للقسطنطينية في القرن الثالث عشر الذي رسخ الكراهية المتبادلة بين الأرثوذكس البيزنطيين والروم الكاثوليك الأوروبيين، ومع ذلك، وُجد اعتقاد راسخ بأن السيطرة البيزنطية على القسطنطينية كانت ضرورية لمواجهة السيطرة الإسلامية البرية والبحرية على شرق المتوسط.

كل ما تود معرفته عن سقوط القسطنطينية - الإمبراطورية البيزنطية - الصراعات المستمرة للإمبراطورية البيزنطية مع جيرانها في البلقان وخصومها من الروم الكاثوليك

على عكس البيزنطيين، بسط الأتراك العثمانيون سيطرتهم عمليًا على أكثر البلقان والأناضول، إذ احتلوا العديد من المدن البيزنطية الواقعة غرب القسطنطينية في النصف الثاني من القرن الرابع عشر.

أصبحت القسطنطينية تابعةً للعثمانيين خلال تلك الفترة، وكانت المجر هي التهديد الأوروبي الرئيسي للعثمانيين بريًا، إضافةً إلى سيطرة البندقية وجنوة على أكثر بحر إيجة والبحر الأسود.

فرض السلطان العثماني مراد الثاني حصارًا على القسطنطينية سنة 1422 ولكنه اضطر إلى فك الحصار لقمع تمرد في مكان آخر من الإمبراطورية، وسنة 1444 خسر السلطان معركة مهمة ضد التحالف المسيحي في البلقان وتنازل عن عرشه لابنه محمد الثاني. ومع ذلك، عاد السلطان إلى الحكم بعد عامين مع هزيمة التحالف المسيحي وبقي سلطانًا حتى وفاته سنة 1451.

بعد أن أصبح سلطانًا للمرة الثانية، كان محمد الثاني ينوي إكمال مهمة والده والاستيلاء على القسطنطينية، سنة 1452 توصل إلى معاهدة سلام مع المجر والبندقية، وشرع في بناء حصن بوغازكسن، الذي عُرف فيما بعد بحصن روملي، وهو حصن في أضيق نقطة من مضيق البوسفور، وُضع لغرض تقييد المرور بين البحر الأسود والبحر المتوسط، وفيما بعد كلف محمد الثاني أوربان صانع السلاح المجري بتسليح حصن روملي وبناء مدفع قوي بما يكفي لهدم جدران القسطنطينية. وبحلول مارس 1453، نُقل مدفع أوربان من العاصمة العثمانية إدرنة إلى ضواحي القسطنطينية.

وفي أبريل، وبعد الاستيلاء السريع على المستوطنات الساحلية البيزنطية على طول البحر الأسود وبحر مرمرة تجمعت الأفواج العثمانية في روملي والأناضول خارج أسوار العاصمة البيزنطية، وانتقل أسطولهم من جاليبولي إلى ديبلوكينون، وهو الاسم القديم لمنطقة بشكتاش في مدينة إسطنبول، وانطلق السلطان بنفسه لقيادة الجيش.

حصن روملي

حصن روملي

في تلك الأثناء، توسل الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الحادي عشر باليلوج للقوى العظمى في العالم المسيحي لمساعدته في الحصار الوشيك، لكن المجر رفضت تقديم المساعدة، ورأى البابا نيكولاس الخامس في الأزمة فرصةً للضغط من أجل توحيد الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية، ما كان أولويةً للبابا منذ 1054.

صوّت القادة الأرثوذكس لصالح الإتحاد، ولكن أهل القسطنطينية عارضوه بشدة وأثاروا أعمال شغب ردًا على ذلك، وجاء الدعم العسكري من البندقية وجنوة، ودفع هجوم عثماني على سفينة تابعة للبندقية مجلس الشيوخ فيها إلى إرسال 800 جندي و15 قادسًا إلى العاصمة البيزنطية، والقادس نوع من السفن المزودة بمجاديف للدفع، واختار العديد من أهل البندقية دعم المجهود الحربي، لكن أكثر قوات البندقية تأخرت ولم تساهم في المعركة. أرسلت جنوة 700 جندي إلى القسطنطينية وصلوا إليها في يناير 1453 وعلى رأسهم جيوفاني لونغو، عين الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر جوستنياني قائدًا لدفاعاته البرية وقضى بقية الشتاء في تقوية المدينة استعدادًا للحصار.

المعركة

في القرن الخامس عشر صُنفت أسوار القسطنطينية على نطاق واسع أنها الأعظم في أوروبا كلها.

امتدت الأسوار البرية 6.5 كيلومتر، وتكونت من خط مزدوج من الأسوار مع خندق خارجها، بارتفاع يصل إلى 12 مترًا، وقاعدة يبلغ سمكها 5 أمتار، وكانت هذه الأسوار لآلاف السنين ومنذ بنائها عصيةً على الاختراق. ويمتد سور بحري مجاور على طول القرن الذهبي وبحر مرمرة، ويبلغ ارتفاع القسم الأخير 6 أمتار، وطوله 8 كيلومترات.

عندما تُدمج مع سلسلة معدنية كبيرة مشدودة عبر مضيق القرن الذهبي، كان قسطنطين واثقًا من أن دفاعات المدينة يمكنها أن تصد هجومًا بحريًا وتصمد أمام القوات البرية حتى مجيء النجدة من أوروبا المسيحية. ومع ذلك، فإن قدرة قسطنطين على الدفاع عن مدينته أعاقتها قوته القتالية الصغيرة، إذ يقدر شاهد العيان جاكوبو تيدالي وجود 30-35 ألف مدني مسلح إضافةً إلى نحو 6000 – 7000 جندي مدرب فقط.

وقد كانت نية جوستينياني تركيز معظم هؤلاء الرجال على الأسوار البرية في الشمال والغرب، التي لاحظ أن مركزها هو القسم الأضعف في المدينة. وتمركز أسطول صغير من السفن التجارية البحرية والمسلحة في مضيق القرن الذهبي للدفاع عن السلسلة، ومع ذلك، ودون دعم خارجي، فإن المدافعين عن القسطنطينية سيكونون منتشرين وضعفاء.

فاق عدد القوات العثمانية المحاصِرة أعداد البيزنطيين وحلفائهم كثيرًا. إذ امتلكوا 60 – 80 ألف جندي على الأرض، مع 69 مدفعًا. وقاد «بلط أوغلو سليمان باي» أسطولًا متمركزًا في ديبلوكينون ومعه 31 سفينةً حربيةً كبيرة ومتوسطة، إضافةً إلى نحو 100 قارب صغير.

كانت استراتيجية محمد واضحةً ومباشرة، وهي استخدام أسطوله وخطوطه لمحاصرة القسطنطينية من جميع الجوانب في حين تدك المدافع أسوار المدينة دون هوادة، إذ كان يأمل أن يقتحمها أو يجبرها على الاستسلام قبل وصول إغاثة مسيحية.

في 6 أبريل بدأ العثمانيون قصفهم المدفعي واستطاعوا إسقاط جزء من الأسوار. وفي 7 أبريل شنوا هجومًا أماميًا على الأسوار، لكن البيزنطيين تصدوا لهم وتمكنوا من إصلاح الدفاعات، وبعد التوقف لتعديل موضع مدفعه، أعاد محمد فتح النار وتواصل القصف اليومي.

في 12 أبريل، أرسل السلطان قوات لإخضاع حصنين بيزنطيين قريبين، وأمر بلط أوغلو باقتحام السلسلة، تراجع الأسطول مرتين، وتراجع بلط أوغلو إلى ديبلوكينون حتى ليلة 17، عندما تحرك للاستيلاء على جزر الأمراء جنوب شرق المدينة، وفي نفس الوقت هاجمت الحشود التابعة لمحمد منطقة وادي ليكوس من السور. ومرة أخرى تماسك المدافعون.

قلل من قيمة انتصار بلط أوغلو وصول 3 سفن إغاثة من البابا وسفينة بيزنطية كبيرة إلى المدينة دون عوائق، وكانت القوادس العثمانية أقصر من أن تتمكن من الاستيلاء على السفن الحربية الأوروبية الطويلة، وبمساعدة من أسطول القرن الذهبي، أبحرت السفن بأمان عبر السلسلة، وعند سماع محمد بنبأ هزيمة أسطوله البحري، جرد بلط أوغلو من رتبته وعزله من منصبه.

كان محمد مصممًا على الاستيلاء على القرن الذهبي ودفع البيزنطيين إلى الإستسلام، فأعاد توجيه أحد مدافعه ليستهدف المُدافعين عن السلسلة، ثم بدأ بناء منحدر خشبي مشبع بالزيت، إذ اعتزم نقل سفنه الأصغر حجمًا من مضيق البوسفور إلى القرن الذهبي. وبحلول 22 أبريل، استطاعت السفن التحايل على السلسلة بهذه الطريقة واستولت على كامل المياه المحيطة بالمدينة باستثناء السلسلة نفسها، وقد حاول المدافعون مهاجمة ما تبقى من الأسطول العثماني في البوسفور لكنهم هُزموا.

بعد تطويق القسطنطينية بالكامل، واصل محمد قصفه المدفعي للأسوار البرية حتى 29 مايو، عندما أحدث المدفع العثماني ثغرات كثيرة، لكن معظمها كان ضيقًا جدًا ولا يمكن إرسال القوات البرية من خلاله. واصل المدافعون إصلاح الجدران ليلًا والمناطق المحصنة عند بوابة رومانوس المتضررة وقطاع بلاشيرناي.

وفي الساعات الأولى من 29 مايو تمكن العمال العثمانيون من ردم الخندق المحيط بالمدينة. وقبل الفجر بقليل، شن السلطان هجومًا بريًا وبحريًا ومدفعيًا على القسطنطينية. قوبلت محاولتان للاندفاع إلى بوابة سانت رومانوس وأسوار بلاشيرناي بمقاومة شرسة واضطر الجنود العثمانيون إلى التراجع. أمر محمد بشن هجوم ثالث على البوابة وهذه المرة بأحد أفواج قصره المكون من 3000 إنكشاري.

وصلت مجموعة صغيرة إلى قمة أحد الأبراج من بوابة أخرى ولكن قضى عليها المدافعون، أصيب جوستينياني بنيران عثمانية وجروح قاتلة في أثناء تواجده على أحد الأسوار، ونُقل إلى مؤخرة القوات، وقد أحدث غيابه بلبلةً كبيرةً بين المدافعين وانخفضت روحهم المعنوية، ما سمح للسلطان العثماني بإرسال فوج إنكشاري آخر والسيطرة على الجدار الداخلي عند بوابة القديس رومانوس.

تلا ذلك هزيمة للمدافعين، ومع تراجع مقاتلي البندقية وجنوة إلى سفنهم في القرن الذهبي، شاع خبر بأن الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر قد قُتل في أثناء القتال بالقرب من الثغرة أو أنه فر بقارب نجاة، ومع أن السلطان قد منع نهب المدينة بالكامل، سمح بفترة أولية من النهب شهدت تدمير العديد من الكنائس الأرثوذكسية. وعندما أصبحت معظم القسطنطينية آمنة، تجول السلطان محمد بنفسه في شوارع المدينة وصولًا إلى مسجد أيا صوفيا حيث توقف للصلاة وطلب وقف جميع أعمال النهب فورًا. وهكذا أكمل السلطان غزوه للعاصمة البيزنطية.

النتائج

كان محمد الثاني وجيشه مقيدين بشكل ملحوظ في تعاملهم بعد سقوط القسطنطينية، إذ امتنعوا إلى حد بعيد عن ذبح العوام والنبلاء، بل سمحوا بافتدائهم إلى أوطانهم الأصلية، وأعدموا في المقام الأول من قاتلوا بعد الاستسلام.

أعاد محمد إسكان المدينة بأناس من خلفيات متعددة، ونقل عاصمته من إدرنة إلى القسطنطينية، ما يمثل مركزًا لإمبراطورية متعددة الثقافات. وعدّ نفسه قيصر الروم ووريث الإمبراطورية الرومانية وجميع أراضيها التاريخية، وأكد هذا الزعم بسلسلة من الحملات التي أخضعت البلقان واليونان بالكامل بحلول أواخر القرن الخامس عشر.

بالنسبة إلى العالم المسيحي، شكل انتصار محمد في القسطنطينية تحولًا خطيرًا في تعاملهم مع الشرق، وأصبحت الممالك المسيحية تفتقر إلى ذلك المانع طويل الأمد الذي واجه العثمانيين، وإلى إمكانية وصولهم إلى البحر الأسود، واعتمدت هذه الممالك على المجر لوقف أي توسع عثماني آخر باتجاه الغرب. ويتفق العديد من العلماء المعاصرين على أن الهجرة الإغريقية إلى إيطاليا نتيجةً لهذا الحدث كانت بمثابة نهاية للعصور الوسطى وبداية عصر النهضة.

اقرأ أيضًا:

عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر: سيرة شخصية

الفيلسوف الإنكليزي هربرت سبنسر: سيرة شخصية

ترجمة: علي إبراهيم

تدقيق: سمية بن لكحل

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر