السبب الرئيسي لدراسة الهيدروجين هي وفرته الكبيرة من حولنا، فهو موجود في غبار الفضاء الخارجي، وأنوية النجوم، وفي أغلب مكونات الأرض. إضافةً إلى أنّ ذراته الفردية بسيطة، تتكون من بروتون وإلكترون فقط.

حسب أستاذ الفيزياء ديفيد سيبرلي، في جامعة إلينوي أوربانا -شامبين، فإن بساطة مكوناته تجعل منه نقطة بداية اختبار نظريات المادة.

يستخدم سيبرلي -العضو في مركز العلوم والتكنولوجيا الكمومية في إلينوي- محاكاة الحاسوب لدراسة كيفية تفاعل ذرات الهيدروجين ودمجها لتشكيل مختلف مراحل المادة مثل الصلبة والسائلة والغازية. ومع ذلك، يتطلب الفهم الصحيح لهذه الظواهر الفيزيائية الكمية، محاكاة ميكانيكا الكم، ولكن هذه المحاكاة مكلفة.

لتبسيط هذه المهمة، طور سيبرلي وشركاؤه تقنية تعلم الآلة التي تتيح إجراء المحاكاة الميكانيكية الكمية بعدد لا يسبق له مثيل من الذرات. وأفادوا في مجلة Physical Review Letters بأن طريقتهم وجدت نوعًا جديدًا من الهيدروجين الصلب عالي الضغط الذي تجاهلته النظريات والتجارب السابقة. وقد صّرح سيبرلي بأن: «تعلم الآلة أثبت أنه يمكنه تعليمنا الكثير. لقد رأينا علامات على سلوك جديد في محاكاة سابقة، ولكننا لم نثق بها لأننا لم نتمكن من استيعاب سوى أعداد صغيرة من الذرات. وبفضل نموذجنا من تعلم الآلة، استطعنا الاستفادة الكاملة من أدق الأساليب ومعرفة ما يجري بالفعل».

تشكل ذرات الهيدروجين نظامًا ميكانيكيًا كميًا، ولكن التقاط سلوكهم الكمي الكامل صعب للغاية حتى على الحواسيب. وتستطيع تقنية كوانتوم مونتي كارلو quantum Monte Carlo QMC الحديثة محاكاة مئات الذرات بطريقة واقعية، بينما يتطلب فهم سلوك المراحل الكبيرة محاكاة آلاف الذرات على مدار فترات زمنية طويلة.

لجعل كوانتوم مونتي كارلو أكثر مرونة، طوّر الخريجان السابقان، هونغوي نيو ويوبو يانغ، نموذج تعلم الآلة الذي دُرّب باستخدام محاكاة كوانتوم مونتي كارلو الذي يستطيع استيعاب أعداد أكبر من الذرات من كوانتوم مونتي كارلو بمفرده. ثم استخدموا النموذج مع الباحث سكوت جنسن، لدراسة كيفية انصهار المرحلة الصلبة للهيدروجين التي تتشكل بواسطة ضغط عال جدًا.

كان الباحثون الثلاثة يستعرضون درجات حرارة وضغوطًا مختلفة للحصول على صورة كاملة، عندما لاحظوا شيئًا غير عادي في المرحلة الصلبة. في حين تكون جزيئات الهيدروجين الصلبة في الوضع الطبيعي كروية الشكل، وتتشكل بترتيب يدعى “مكدس الكريات السداسي” “hexagonal close-packed” –

قارن سيبرلي ذلك بالبرتقال المكدس، لاحظ الباحثون مرحلة تحول تصبح فيها الجزيئات أشكالًا مستطيلة، ووصف سيبرلي هذه الأشكال بأنها تشبه البيض.

تقول جينسن: «بدأنا غير طموحين في هدفنا لتحسين نظرية شيء نعرفه».
وتضيف: «كان هناك سلوك جديد يظهر. في الواقع، كان السلوك السائد في درجات الحرارة والضغوط العالية شيئًا لم يكن له أيّ إشارة في النظرية القديمة».

للتحقق من نتائجهم، درب الباحثون نموذج التعلم الآلي باستخدام بيانات من نظرية الكثافة الوظيفية، وهي تقنية تستخدم على نطاق واسع وتقل دقتها مقارنةً بـ QMC ولكن يمكنها استيعاب العديد من الذرات. وجدوا أن النموذج المبسط للتعلم الآلي يعيد نتائج النظرية القياسية تمامًا. وخلص الباحثون إلى أن محاكاة QMC بمساعدة نموذج التعلم الآلي بمقياس كبير يمكنها أن تفسر التأثيرات وتقدم التوقعات التي لا يمكن تقديمها بواسطة الأساليب القياسية.

هذا العمل بدأ محادثاتٍ بين شركاء سيبيرلي وبعض العلماء، فقياسات الهيدروجين ذات الضغط العالي تجعل من الصعب التعامل معه، الأمر الذي يجعل نتائج التجارب محدودة. هذا التنبؤ الجديد ألهم بعض المجموعات لإعادة النظر في المشكلة ودراسة سلوك الهيدروجين تحت الظروف الشديدة.

أشار سيبيرلي إلى أن فهم سلوك الهيدروجين تحت درجات

الحرارة والضغط العالي سيعزز فهمنا لكواكب المشتري والزهرة، التي تتكون في الغالب من الهيدروجين. وأضاف جينسن أن بساطة الهيدروجين تجعله مادة مهمة للدراسة. نريد فهم كل شيء، لذلك يجب أن نبدأ بالأنظمة التي يمكننا دراستها، وأضاف: «الهيدروجين بسيط، لذلك يستحق منا معرفة إمكانية التعامل معه».

اقرأ أيضًا:

بعد عقود من الانتظار ، الهيدروجين الصلب اصبح حقيقة

علماء فرنسيون يصرحون بنجاحهم في تحضير الهيدروجين المعدني معمليًا

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: علام بخيت كباشي

المصدر