يشهد العالم موجة عدوى ضخمة مع ظهور متحور أوميكرون من فيروس سارس-كوف-2. وفي 17 يناير عام 2022، أشارت التقديرات -المستنِدة إلى نماذج معهد القياسات الصحية والتقييم (IHME)- إلى أن هناك 125 مليون إصابة يوميًا بمتحور أوميكرون، وهو ما يزيد عن عشرة أضعاف ذروة الإصابات بالمتحور دلتا في أبريل عام 2021.

طالت موجة أوميكرون جمیع القارات، لكنها لم تصل إلى بعض البلدان في أوروبا وشمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا وأوقيانوسيا بعد.

يشير معدل الإصابات غير المسبوق إلى أن أكثر من 50% من سكان العالم سيصابون بمتحور أوميكرون في الفترة الواقعة بين نوفمبر عام 2021 ونهاية مارس عام 2022.

مع أن نماذج معهد القياسات الصحية والتقييم، تظهِر أن عدد الإصابات العالمية اليومية بالفيروس ارتفعت إلى أكثر من 30 ضعفًا منذ نهاية نوفمبر عام 2021 حتى 17 يناير عام 2022، فإن عدد حالات الإصابة بكوفيد-19 المبلَغ عنها لم يرتفع إلا بمقدار 6 أضعاف فقط.

ونظرًا إلى تزايد نسبة الحالات غير العرضية والإصابات الخفيفة والمتوسطة بالمقارنة مع متحورات فيروس سارس-كوف-2 الأخرى، فقد تناقص معدل تسجيل الإصابات عالميًا من 20% إلى 5% فقط.

يكمن عبء المتحور أوميكرون قطعًا في نسبة الإصابات اللاعرضية، إذ تقترح مراجعة منهجية مستندة إلى بيانات متحورات الفيروس سارس-كوف-2 الأخرى أن 40% من الإصابات كانت لا عرضية، وتقترح الدلائل أيضًا أن نسبة الإصابات اللاعرضية أعلى بكثير في متحور أوميكرون، ولربما تصل إلى 80-90%.

أجرى غاريت وزملاؤه تجربة سريرية على 230 شخصًا، وكانت نتائج فحص PCR لفيروس سارس-كوف-2 إيجابية لدى 71 فردًا منهم (أي 31%)، وقد أصيبوا بمتحور أوميكرون دون أعراض مسجلة.

عند تعميم النتائج على كافة السكان، فإن العدد الفعلي بالمقارنة مع الحالات المسجلة يشير إلى أن ما يزيد عن 90% من الإصابات كانت لا عرضية في جنوب أفريقيا.

استنادًا إلى دراسة استقصائية أجراها مكتب الإحصاء الوطني (ONS) في بريطانيا، يقدّر أن نقطة انتشار إصابات فيروس سارس-كوف-2 التي تكون مسحات PCR فيها إيجابية بنحو 6.85% في بريطانيا في 6 يناير عام 2022.

وفي المركز الطبي لجامعة واشنطن في سياتل لم تتجاوز نسبة الفحوص السابقة لدخول المشفى بالنسبة للأفراد الذين لا يبدون أعراض كوفيد-19 2% خلال فترة الجائحة، إلا أنها تجاوزت 10% في 10 يناير 2022.

بالإضافة إلى كون أغلب الحالات في هذه الموجة لا عرضية، تراجعت نسبة حالات الاستشفاء مقارنةً بالحالات المكتشفة في المشافي بمقدار 50% في معظم الولايات المتحدة الأمريكية (بالمقارنة مع قيَم الذروات السابقة).

تناقصت أيضًا نسبة مرضى كوفيد-19 الذين يحتاجون تنبيبًا أو على حافة الموت بمقدار 80-90% في كندا وجنوب أفريقيا.

مع أن شدة المرض عند الإصابة بمتحور أوميكرون تتناقص، فإن انتشاره الشديد يزيد من حالات الدخول في المشافي في العديد من البلدان، ما يزيد نسبة حالات الإصابة بالمتحورات في المشافي بمقدار الضعف أو أكثر، وذلك طبقًا لنماذج معهد المقاييس الصحية والتقييم.

في البلدان التي تشترط فحص كوفيد-19 لقبول الدخول إلى المشافي، ستكون نسبة لا بأس بها من حالات كوفيد المسجلة عائدةً لأفراد راجعوا المشافي لأسباب أخرى، أي أن اكتشاف إصابتهم سيكون صدفةً لأنهم مصابون دون أعراض.

للسيطرة على تفشي الجائحة، فإن المشافي ستتكبد متطلبات متزايدة. على اعتبار أن تواتر الإصابة بالفيروس تزيد عن 10% من السكان بحسب ما ورد في الدراسة الاستقصائية التي أجراها مكتب الإحصاء الوطني في لندن، فإن عددًا كبيرًا من العاملين في القطاع الصحي سيكونون مصابين (دون أعراض) ويجب عزلهم، ما يضع عبئًا إضافيًا على المشافي. وهذا يوجب على البلدان إعطاء الأولوية لدعم الأنظمة الصحية في الأسابيع الـ4-6 المقبلة.

من ناحية أخرى، تحمل بيانات من اليونان أملًا في أن العواقب الشديدة لموجة المتحور أوميكرون ستكون محدودةً؛ فرغم تزايد عدد حالات الإصابة بكوفيد-19 بين 21 ديسمبر عام 2021 و17 يناير عام 2022 بمقدار 10 أضعاف، فإن نسبة الحالات التي تحتاج إلى التنبيب في المشفى بقيت كما كانت عليه في ديسمبر.

من المثير للدهشة أن نماذج IHME تشير إلى أن شدة انتقال متحور أوميكرون عالية جدًا، لدرجة أن الإجراءات الحكومية -مثل الحث على ارتداء الكمامات، أو توسيع حملات التطعيم لدى الأشخاص الذين لم يحصلوا على اللقاح، أو تقديم جرعات ثالثة من اللقاحات- المُطبّقة خلال الأسابيع المقبلة سيكون تأثيرها محدودًا على مسار موجة أوميكرون.

تشير تقديرات معهد IHME إلى أن الالتزام بارتداء الكمامة من قِبل 80% من السكان، لن يؤدي إلا إلى تخفيض عدد الإصابات التراكمية خلال الأشهر الأربعة المقبلة بنسبة 10%.

ومن غير المحتمل أن تتأثر موجة انتشار أوميكرون كثيرًا بزيادة إعطاء معززات لقاح كوفيد-19 أو تطعيم الأشخاص الذين لم يأخذوا اللقاح بعد؛ لأنه وبحلول الوقت الذي يتم فيه توسيع نطاق هذه الإجراءات، ستنتهي موجة أوميكرون غالبًا.

أما فرض ارتداء الكمامات فقد يحمل تأثيرًا أكبر (فقط) في البلدان التي لم تبدأ فيها موجة أوميكرون بعد.

ما تزال هذه الإجراءات فعالة في حماية الأفراد من كوفيد-19، ولكن موجة أوميكرون سريعة جدًا في الانتشار، ما يعني أن إجراءات الحكومات لا تملك تأثيرًا يُذكر على نمط انتشارها عالميًا في الأسابيع الـ 4-6 القادمة.

يبدو أن موجة أوميكرون ستصل إلى ذروتها في غضون 3-5 أسابيع مع بدء الزيادة الأسّية لمنحنى الحالات المُبلغ عنها.

اعتبارًا من 17 يناير 2022، بلغت موجات أوميكرون ذروتها في 25 دولة في خمسة مناطق تابعة لمنظمة الصحة العالمية وفي 19 ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية.

من المتوقع أن تصل موجة أوميكرون إلى ذروتها في معظم البلدان بين هذا الأسبوع والأسبوع الثاني من فبراير 2022، وأن تصل أيضًا في البلدان التي لم تبدأ فيها موجة أوميكرون بعد (كما هو الحال في شرق أوروبا وجنوب شرق آسيا).

على سبيل المثال، من المرجح أن تؤدي الإجراءات الرامية إلى زيادة اختبار كورونا إلى زيادة الارتباك بسبب استبعاد المزيد من الأفراد من العمل أو المدرسة، ولكن من غير المرجح أن تؤثر في مسار موجة أوميكرون.

في عصر أوميكرون، يُعتقد أن استراتيجيات التحكم بكوفيد-19 بحاجة إلى إعادة ضبط، وبالنظر إلى شدة موجة أوميكرون وسرعة انتشارها، يبدو أن الجهود الرامية لوضع خطط المراجعة عقيمة لا تنفع.

يبقى التساؤل حول البلدان التي تتبع استراتيجية «صفر كوفيد» مثل الصين ونيوزيلندا، ترى ماذا سيحل بها بعد تسجيل انتقال محلي لأوميكرون في يناير 2022؟

يبدو أن من غير المحتمل أن تتمكن الصين أو نيوزيلندا من صدّ موجة أوميكرون إلى الأبد، نظرًا إلى انتقالية أوميكرون العالية. أما بالنسبة للبلدان التي لم يُسجَل فيها إصابات بفيروس كورونا، فإن المسألة تعلق بالتوقيت فحسب.

ستسمح الموجات المتأخرة من أوميكرون بمزيد من التقدم في زيادة تغطية التطعيم وفهمٍ أفضل لتأثير متغير أوميكرون في مجتمع ضعيف مناعيًا إن صحّ التعبير.

بحلول مارس 2022، ستكون نسبة كبيرة من سكان العالم قد أُصيبت بمتغير أوميكرون.

ولكن مع الزيادات المستمرة في حملات التلقيح، واستخدام جرعة اللقاح الثالثة في الكثير من البلدان، والمستويات العالية من المناعة المكتسبة، فإن من المفترض أن ترتفع المستويات العالمية لمناعة كورونا إلى أبعد حد بعض الوقت؛ وبعدها سيشهد العالم مستويات منخفضة من انتقال الفيروس بضعة أسابيع أو أشهر.

يُستخدم مصطلح الجائحة للإشارة إلى الجهود المجتمعية الاستثنائية طيلة العامين الماضيين للاستجابة للكائنات المُمرضة الجديدة التي غيرت الطريقة التي نعيش بها حياتنا والطريقة التي تطورت بها استجابات الحكومات في جميع أنحاء العالم؛ وقد أنقذت هذه الجهود أعدادًا لا تُحصى من الأرواح عالميًا.

ستظهر بالتأكيد متغيرات جديدة من كورونا وقد يكون بعضها أكثر حدة من أوميكرون؛ وستضعف المناعة بمرور الوقت، سواء أكانت ناتجةً عن العدوى أم كانت مستمدةً من اللقاح؛ ما يخلق فرصًا لاستمرار انتقال كورونا.

وبالنظر إلى المرض الذي أصبح موسميًا، يجب أن تتوقع البلدان زيادةً محتملةً في انتقال العدوى خلال أشهر الشتاء.

من ناحية أخرى، سيكون أثر انتقال فيروس كورونا في الصحة ضئيلًا في المستقبل بسبب التعرض المُكثَّف السابق للفيروس، واللقاحات التي يجري تعديلها بانتظام لإنتاج مولدات ضد جديدة أو مواجهة المتغيرات، وطرْح مضادات فيروسية جديدة، ومعرفة أن الأشخاص ضعيفي المناعة يمكنهم حماية أنفسهم في أثناء الموجات المستقبلية حسب الحاجة باستخدام كمامة عالية الجودة وتطبيق التباعد الاجتماعي.

سيصبح كوفيد-19 مرضًا متكررًا آخر يتعين على النظم الصحية والمجتمعات إدارته، فعلى سبيل المثال، يبدو أن عدد الوفيات من أوميكرون في معظم البلدان يشبه مستوى موسم الأنفلونزا السيئة في بلدان نصف الكرة الشمالي.

قدّرت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها CDC، أن موسم الإنفلونزا الأسوأ خلال العقد الماضي في عامي 2017-2018 أدى إلى وفاة نحو 52000 حالة مع ذروة محتملة بأكثر من 1500 حالة وفاة يوميًا.

سينتهي عصر التدابير الاستثنائية التي اتخذتها الحكومات للسيطرة على انتقال سارس-كوف-2. وسيعود كوفيد-19 بعد انتهاء موجة أوميكرون، لكن الجائحة لن تعود.

استراتيجية «صفر كوفيد»: يهدف هذا النهج إلى القضاء تماما على انتشار فيروس كورونا في منطقة أو بلد بفضل تدابير صارمة تُتخذ فور ظهور الإصابات، وتقترن بإحكام السيطرة على بؤرة الوباء عبر فحوص الكشف وتتبع المخالطين والعزل. وبفضل ذلك، تتواصل الحياة بشكل طبيعي في المناطق التي لا ينتشر فيها الفيروس.

اقرأ أيضًا:

كل ما تريد معرفته عن متحور أوميكرون ومعززات كوفيد

كيف طورنا لقاحات كوفيد-19 بهذه السرعة دون المساس بأمانها؟

ترجمة: مريم عيسى

تدقيق: أسعد الأسعد

مراجعة: تسنيم الطيبي

المصدر