بعد بناء علاقة عاطفية مع شريك رائع أخيرًا، قد تنشأ لدى أحد الشريكين شكوك متكررة حول نفسه أو شريكه أو طبيعة العلاقة نفسها، ويبدأ بالتساؤل: هل ستستمر هذه العلاقة؟ كيف يمكن التيقن من كون هذا الشريك هو الأنسب فعلًا؟ وماذا لو كان يخفي وراءه سرًا مخيفًا؟ أو ماذا لو كان هو ذاته عاجزًا عن الحفاظ على علاقة صحية مبنية على الالتزام المتبادل؟ تسمى هذه الحالة قلق العلاقة العاطفية، ويناقش هذا المقال وسائل التغلب عليها.
هل هذه الحالة طبيعية؟
نعم، إذ يعد قلق العلاقات العاطفية شائعًا للغاية، وفقًا للمعالجة النفسية المتخصصة في مساعدة الأزواج أستريد روبرتسون.
يُصاب بعض الأشخاص بقلق العلاقات في المراحل الأولى من علاقتهم، قبل التيقن من وجود مشاعر متبادلة من الطرف الآخر. بيد أن هذا قد يحدث أيضًا في العلاقات الجدية وطويلة الأمد، بمرور الوقت، قد يؤدي قلق العلاقات إلى:
- المعاناة النفسية.
- نقص التحفيز.
- شعور بالإرهاق العاطفي.
- الاضطرابات الهضمية وغيرها من المشكلات الجسمية.
مع أن القلق قد لا ينشأ من أسباب خاصة بالعلاقة ذاتها، قد يؤدي استمراره لاحقًا إلى تصرفات تُسبّب المشكلات لدى الطرفين.
علامات قلق العلاقة العاطفية
يشعر معظم الأشخاص بشعور انعدام الأمان تجاه علاقاتهم العاطفية في مرحلة ما، لا سيما في بداية التعارف وتكوين الارتباط، لذا لا يستدعي هذا الأمر الخوف، ما دامت هذه الشكوك والمخاوف المؤقتة لم تبلغ حد التأثير الكبير، بيد أنها أحيانًا تتفاقم حتى تبدأ بالتأثير في الحياة اليومية وقد تؤدي إلى العلامات التالية:
1) تساؤل المرء حول مدى أهميته لدى شريكه
توضح روبرتسون أن أكثر ما يُعبر عن قلق العلاقة يرتبط بالتساؤلات الجوهرية التي يمر بها المرء، مثل «هل أنا ذو قيمة لديه؟» أو «هل سيكون بجانبي وقت الحاجة؟» وهو ما يعكس حاجة أساسية للارتباط والشعور بالانتماء والأمان في إطار الشراكة العاطفية.
2) التشكيك في مشاعر الشريك
رغم تبادل عبارات الحب بين الشريكين وتعبير الشريك دائمًا عن علامات الود، يظل المصاب بالقلق متربصًا ويتساءل: «هل يحبني فعلًا؟»
حين يبتعد الشريك فجأة أو يتأخر في مبادلة التودد الجسدي والرد على الرسائل، من الطبيعي أن يشك البعض في أن مشاعره قد تغيرت، غير أن هذه الشكوك قد تصبح هاجسًا مستدامًا عند الإصابة بقلق العلاقات.
3) الخشية من رغبة الشريك في الانفصال
العلاقات الجيدة تغمر الشريكين بمشاعر الحب والأمان والسعادة، لذا فمن البديهي أن يرغب المرء في الحفاظ على هذه الأحاسيس وتجنّب أي شيء يهدد العلاقة. بيد أن هذه الأفكار قد تتحول إلى خوف دائم من رحيل الشريك ويصبح الأمر مشكلة عندما يضبط المرء تصرفاته لضمان استمرار الحب والاهتمام وتجنب الاصطدام مع شريكه.
4) الشك بشأن التوافق على المدى الطويل
قد يدفع قلق العلاقات إلى التشكيك في مدى التوافق الحقيقي بين الشريكين، حتى عندما تبدو الأمور بينهما على ما يرام، وقد يتساءل المرء إن كان سعيدًا حقًا في العلاقة، ما قد يدفعه بدوره إلى ردود فعل أخرى مثل التركيز على التفاصيل التافهة وتضخيم أهميتها.
5) تخريب العلاقة
قد تنشأ سلوكيات التخريب في الأصل من قلق العلاقات، وفي حين أن المرء قد يفعل تصرفات غير مقصودة، فإن مقصده الخفي يتمثل غالبًا في اختبار مدى اهتمام الشريك نحوه، سواء أدرك ذلك أم لا.
مثلًا، قد يتبنى الشخص فكرة أن مقاومة الشريك لمحاولات إبعاده عنه دليل على الحب الحقيقي، لكن تنوه روبرتسون بأن الشريك قد لا يدرك الدافع الخفي وراء هذه التصرفات.
6) المبالغة في تفسير كلمات الشريك وتصرفاته
قد يدل الميل إلى الإفراط في تفسير كلمات الشريك وتصرفاته على وجود قلق في العلاقة، فقد يفسر المرء أن امتناع شريكه عن الإمساك بيده دليل على البرود، أو يفسر إصراره على الاحتفاظ بالأثاث القديم أنه رفض للتجديد.
صحيح أن هذه التصرفات قد توحي بوجود خلافات محتملة بين الشريكين، بيد أن أسبابها غالبًا ما تكون أبسط من ذلك.
7) فقدان القدرة على الاستمتاع بالأوقات الجميلة
للتحقق من الشعور بالقلق في العلاقة، ينصح الخبراء بالتوقف والتساؤل: «هل أستهلك وقتي في القلق على العلاقة أكثر من استمتاعي بها؟»
قد يكون ذلك الحال خلال الفترات العصيبة، لكنه قد يشير إلى وجود قلق في العلاقة إذا كان يحدث غالبًا.
أسباب القلق في العلاقات
يتطلب تحديد الدوافع الكامنة وراء القلق وقتًا وجهدًا مكرسًا لاكتشاف الذات، لمّا كان لا يوجد سبب واضح بعينه، لكن قد يصعب على المرء الوصول إلى الأسباب لوحده.
تقول روبرتسون: «قد يكون الدافع وراء هذا القلق غير واضح، لكن عادةً ما تدل الدوافع الأساسية على التوق إلى الارتباط».
فيما يلي بعض العوامل الشائعة التي قد تساهم في قلق العلاقات:
1) التجارب المؤلمة في العلاقات السابقة
قد يستمر تأثير ذكريات الوقائع الماضية في المرء حتى إذا اعتقد أنه تجاوزها بالفعل، ويزداد احتمال ظهور قلق العلاقات إذا كان المرء قد تعرض مسبقًا إلى الخيانة أو إنهاء العلاقة دون سابق إنذار أو تزييف الشريك لمشاعره أو التضليل بشأن طبيعة العلاقة.
نتيجة لذلك، قد يصعب على المرء الثقة مرة أخرى بعد تعرضه للأذى، حتى لو كان الشريك الحالي لا يظهر أي علامات تلاعب أو خيانة، فقد تثير بعض الأمور استرجاع الذكريات السابقة وتستدعي الشك وعدم الأمان.
2) تدني تقدير الذات
قد يساهم انخفاض تقدير الذات في شعور الشخص بعدم الأمان والقلق في العلاقات، إذ تشير بعض الدراسات القديمة إلى أن الأشخاص ذوي التقدير الذاتي المنخفض يميلون إلى التشكيك في مشاعر الشريك تجاههم عند شعورهم بالريب تجاه أنفسهم، وهو ما يُعرف في علم النفس بالإسقاط.
بالمقابل، يحظى الأشخاص ذوو المستويات الأعلى من تقدير الذات بقدرة أكبر على تعزيز ذواتهم عبر علاقاتهم عندما يشعرون بالشك تجاه أنفسهم.
3) نمط التعلق غير الآمن
قد يترك نمط التعلق المبكر لدى الطفل تأثيرًا قويًا في علاقاته خلال مرحلة البلوغ. مثلًا، إذا استجاب أبويه سريعًا لاحتياجاته وقدّما له الحب والدعم على نحو منتظم، يتكون لديه على الأرجح نمط تعلق آمن. أما إذا لم تُلبَّ احتياجاته باستمرار أو حُرمَ من النموّ مستقلًا، فقد ينشأ لديه نمط تعلق غير آمن.
تساهم أنماط التعلق غير الآمنة في زيادة قلق العلاقات بعدة أشكال مثل:
- قد يؤدي نمط التعلق التجنبي إلى الشعور بالقلق حيال مستوى الالتزام بالعلاقة، أو التعمّق في الحميمية.
- أما نمط التعلق القلِق، فقد يثير مخاوف بشأن رحيل الشريك بطريقة غير متوقعة.
مع ذلك، ينبغي التذكير بأن نمط التعلق غير الآمن لا يعني حتمية الخضوع لقلق العلاقات باستمرار.
«إن تغيير نمط التعلق من نمط إلى آخر باستحالة تحوّل المرء من شخصية إلى أخرى. بيد أنه يمكننا إجراء تغييرات بسيطة جديرة بتقليل تأثير النمط غير الآمن في حياتنا».
4) الميل إلى التساؤل
يساهم الطابع المتسائل أحيانًا في ظهور قلق العلاقات، فقد يشعر المرء بأنه يحتاج إلى أخذ جميع النتائج المحتملة في الحسبان قبل اختيار مسار معين، أو قد تكون لديه عادة التفكير المتأني في كل قرار يتخذه، لكن قد تتحول المسألة إلى مشكلة إذا داهمته حالة من التساؤل الدائم والشك الذاتي دون التوصل إلى نتائج بنّاءة.
هل يمكن التغلب على القلق في العلاقات؟
قد لا يبدو الأمر سهلًا، لكن مع ذلك يمكن التغلب على قلق العلاقات، بيد أن ذلك يتطلب بعض الوقت والجهد، ويستلزم أكثر من مجرد تأكيد أن العلاقة على ما يرام.
تقول روبرتسون: «صحيح أن الشعور بالقلق في العلاقة لا يعني بالضرورة وجود مشكلة كامنة فيها، بل إن المصاب بالقلق قد يكون محبوبًا من شريكه فعلًا، غير أن الشعور بالقلق سيظل على الأرجح مستمرًا ما لم يشعر المرء في أعماقه بالأمان».
تنصح روبرتسون أيضًا بمواجهة قلق العلاقة مبكرًا قبل أن يصبح مشكلة، باتباع السبل التالية:
- محاولة الحفاظ على الهوية الفردية والاستقلال الذاتي في العلاقة لتجنب فقدان الشعور بالذات.
- التمرن على اليقظة الذهنية والتركيز على ما يحدث في اللحظة الراهنة للامتناع عن الانغماس في دوامة من الأفكار السلبية وتركها تمر.
- ممارسة التواصل الفعّال ومناقشة المشكلات التي قد تحفز القلق بطريقة محترمة وغير اتهامية مع الشريك، ومشاركته بالتفكير والعواطف حتى وإن كان مصدر القلق داخليًا.
- تجنّب الانفعال والانجرار وراء المشاعر مثل ردود الفعل الانفعالية، وبإمكان المرء صرف الانتباه عن هذه التصرفات الضارة بالتنفس العميق، أو المشي أو الركض، أو إجراء مكالمة سريعة مع صديق مقرب.
- التحدث مع المعالج النفسي عند صعوبة تجاوز قلق العلاقة والمساعدة على معالجته لدى الشريكين عبر تعلم استراتيجيات للتعامل مع آثار القلق العاطفي.
اقرأ أيضًا:
كيف تظهر صدمات الطفولة في العلاقات حين نكبر؟
قلق الانفصال: كيف تفهمه وتتغلب على خوفك من الهجر العاطفي؟
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: أكرم محيي الدين