غالبًا ما يعاني الأطفال المنحدرون من منازل مُختلة صعوبةً في إدراك الحدود والسلوكيات التي يبدو أن العديد من الأفراد يأخذونها على أنها أمر مسلم به.

ينظر الطفل في أثناء نموه وتطوره إلى من يرعاه على أنه خير مثال لطبيعة العلاقات من حوله؛ فإذا تصرف أولياء أمره بطريقة مُخلة أو غير صحية ترتفع قابلية محاكاته لتلك السلوكيات الفاسدة، حتى وإن لم يتعمد ذلك.

«تتجلى آثار الأذى، بالنسبة لعدة أشخاص، في صورة علاقات شخصية مُختلة؛ بصفتها نتيجة اضطرابات التعلق في مراحل تطور محورية من الطفولة» -كفارنشتروم.

عادةً ما يُحلل سلوك الفرد البالغ نسبيًا بناءً على طبيعة طفولته أو فترة مراهقته. تشكل الطريقة التي يتعامل بها أولياء أمورنا معنا أو بين بعضهم البعض رؤيتنا للعالم من حولنا. يؤثر هذا بدوره في ثلاثة هياكل أساسية؛ إحساسنا بالذات، والطريقة التي نتواصل بها مع الآخرين، وكيفية تأسيس علاقاتنا. تلك الهياكل جميعها معرضة لأن تتطبع بأنماط أهالينا، ما لم نعمل على تطوير إدراكنا ووعينا الذاتي لسلوكياتنا.

فيما يلي 10 طرق تتمثل الصدمات التي يتعرض لها الفرد في مرحلة الطفولة:

1- الخوف من الهجران والتخلي:

عادةً ما يعاني الأطفال الذين تعرضوا للخذلان والهجران من أهاليهم الخوف من الهجران حتى في مرحلة البلوغ، وإن لم يعترفوا بذلك.

بينما ينبع الخوف الأساسي من تخلي شريكهم عنهم في العلاقات، فإن هذا الخوف قد يُظهر نفسه على هيئة أفكار تراوده بين اليوم والآخر. فقد يصل بهم الأمر إلى عدم توقع عودة شريكهم إذا وطأت قدماه باب منزلهم، أو عجزهم عن المحافظة على رباطة جأشهم إذا غادر شريكهم الغرفة في أثناء حوار محتدم دار بينهما. يتجلى هذا الخوف بنسبة كبيرة في صورة التملك أو الشعور بالغيرة.

2- سهولة الانزعاج من محيطهم:

تُعلمنا نشأتنا في بيئة يكون الانتقاد فيها عادة، سواء أكان موجهًا لنا أم لشخص آخر، أنه الطريقة الأمثل للتعبير عن عدم رضانا عن العلاقة، وأن عيوبنا وعاداتنا التي قد توصف بالغريبة لتُحتمل، بل ونعكس هذا النفور على شركائنا والناس من حولنا.

3- الرغبة دائمًا في المساحة أو الوقت المخصص لأنفسنا:

يخلق الوجود في بيئة لا يمكن التنبؤ بها، حيث ينشأ الفرد محاطًا بالفوضى، عدم الاستقرار والثبات، وعادةً ما يتسبب هذا في دخول جهاز الأطفال العصبي المركزي في حالة دائمة من التيقظ؛ فعندما يغدون بالغين يحتاجون الكثير من الوقت، منعزلين في منازلهم حيث يستطيعون الاسترخاء في بيئة تُسهل لهم السيطرة على محيطهم، ساعين إلى محاولات لتهدئة هذه المشاعر غير المرغوبة، والتي تتمثل في القلق والخوف والتوتر. قد يصل الأمر إلى انطباق معايير التشخيص بالقلق الاجتماعي على بعضهم، أو ربما حتى رهاب الخلاء.

4- عدم المساواة في المسؤوليات المنزلية:

قد تبدو في بعض الأحيان وكأنها إجحام عن الاعتماد كليًا على الشريك في العلاقات خوفًا من الاتكال على شخص آخر، وفي أحيانًا أخرى تظهر بتولّي مسؤولية متطلبات المنزل المالية كاملةً في العلاقة، أو مراعاة جميع احتياجات الشريك ومتطلباته ماديةً كانت أم عاطفيةً لدرجة يمكن أن تصل إلى الاستغلال، وعلى العكس قد تظهر في اتكال الفرد على شريكه لدرجة تلبية احتياجاته جميعها. وجميعها نتيجة احتياجات طفولة لم تُستوفى.

5- البقاء في علاقة غير مجدية:

عندما ننشأ في وسط غير مستقر إذ يدمن أولياء أمورنا أمرًا أو يعانون مرضًا سواء كان نفسيًا أو جسديًا، أو حتى وفاة أحد الأبوين؛ يتطور لدينا شعور من الذنب ينبع من رغبتنا في إنهاء العلاقة قبل أن يتسنى لنا «إصلاح» الطرف الآخر. ففي نهاية الأمر، الاستمرار في علاقة قد لا تبدو الأنسب لنا يظل أحيانًا أفضل من الوحدة.

6- إما الخلاف الدائم، أو لا خلاف على الإطلاق:

من الطبيعي أن تتخلل العلاقات بعض النزاعات من وقتٍ لآخر. ولكن من الصعب على الأطفال الذين نشأوا في منازل قطنتها النزاعات أو لم تطأها لأن الكبت والكتمان بدا أكثر جاذبيةً من الخلاف، أن يتعلموا المهارات اللازمة لإدارة النقاش بطرق صحية تعبر عما في قلوبهم.

7- صعوبة التعافي من النزاعات:

عندما لا نتعلم كيفية التعامل مع النزاعات بطريقة مجدية وصحية، فإننا أيضًا لا نعرف كيف نصلح العلاقة بعد خلافات حتمية تحدث في العلاقات مع الشريك، فقد يتصرف الفرد وكأن شيئًا لم يكن، فإما يتعمد الصمت أو يعجز عن منح شريكه المساومة المُحبذة.

8- المواعدة المستمرة:

تعد كل علاقة جديدة بمثابة تأكيد لفكرة أننا نستحق الحب والحنان اللذين لم نتلقاهما صغارًا. فنستمر في البحث عن شريك تلو الآخر، حتى لا نظل وحدنا، أو لأننا خائفون من أن نصل إلى مرحلة في علاقتنا الحالية نُجرح فيها مجددًا.

9- القلق من أن تصبح تلك العلاقة جدية، تعج بالمسؤوليات والالتزامات، أو الخوف من الدخول في علاقة من الأساس خشية ذلك:

عندما يكون أهالينا غير أكفاء لتلقي مسؤوليتنا، أو إذا قرروا هجرنا؛ فلا مفر من أن تراودنا هذه المخاوف باستمرار، فنضطرب من هؤلاء الذين يزعمون أنهم يبالون لأمرنا، ونتجنب الاستقرار لأنه يمنحنا حرية إنهاء العلاقة متى تطلب الأمر؛ خوفًا من أن يغادرنا شركاؤنا في منتصف الطريق، كما فعل أهالينا.

10- محاولة «إصلاح» الشريك وتغييره:

إنه لرد فعل ناتج عن الصدمة، ناشئ عن اعتقادنا بأننا لا نستحق من هو أفضل من شريكنا الحالي؛ ولذلك علينا استغلاله بالكامل وتحسينه، لأنه إذا أنهينا علاقتنا معه لأنها غير متوافقة؛ فربما نقع مع الأكثر سوءًا منه.

لا يمتلك الأطفال سلطة تغيير سلوك أهاليهم؛ لذلك يحاولون دائمًا التكيف مع ما يصدر عنهم. يستمر معنا هذا النمط حتى عمرٍ لاحق، فنحمله إلى علاقاتنا محاولين تغيير شركائنا والتعديل على سلوكياتهم؛ لتهدئة مخاوفنا من العلاقات. فإذا كان بمقدورنا «إصلاح» أحدهم ليصبح شريكًا أفضل لنا؛ لاستطعنا إثبات استحقاقنا الحب، وعلاقة ناجحة.

هل يمكن لتلك الأنماط السلوكية أن تتغير في العلاقات؟

بينما يُعد التفكر الذاتي أمرًا لا غنى عنه لأي شكل من أشكال النضوج، بمقدور العلاج النفسي أيضًا المساعدة في ذلك إضافة إلى تحليل المشاعر التي تتملكنا في تلك المسيرة التي تحمل اسم «العلاقة».

ما يزال العديد من الأشخاص يجدون الدعم في وسائل أخرى؛ مثل كتابة اليوميات والمشاركة في مجموعات الدعم والروحانية، يلجأ البعض بالإضافة إلى ذلك وسائل مساعدة وتأمل ذاتي غير سابقة الذكر. لأن النمو الشخصي يتطلب بذل الجهد في سبيل نسيان تلك السلوكيات المدمرة والتخلص منها.

اقرأ أيضًا:

ماهي الصدمة؟ وكيف نتعامل معها؟

الصدمة والتحول: عالم نفس يشرح كيف يمكن للتجارب الصعبة أن تغيرنا جذريًا

ترجمة: سامية الشرقاوي

تدقيق: نور عباس

مراجعة: آية فحماوي

المصدر