بدأ الأمر بتدفق عمال السدود، وأصحاب حانات المقامرة الهاربين من لوس أنجلوس، ورجال العصابات. كانت لاس فيغاس مدينة صغيرة للسكك الحديدية عندما أسستها ولاية نيفادا رسميًا عام 1905. بعد خمس سنوات من تأسيسها، سجل التعداد السكاني الأمريكي فيها 800 نسمة فقط. ومع ذلك، بحلول الخمسينيات من القرن الماضي، كانت تعرف بكونها الملاذ السياحي للمقامرة، حيث يمكن للزوار مشاهدة عروض مع مشاهير مثل فرانك سيناترا وسامي ديفيس جونيور، والتنقل بين طاولات القمار.

فتح تشريع نيفادا للقمار عام 1931 الأبواب لهذا التحول، لتتحول لاس فيغاس إلى قبلة للمقامرة متفوقةً على منافسها السابق: رينو. ساهم في هذا التحول تدفق العمال إلى المشاريع الاتحادية في نيفادا، إضافةً إلى ملاحقة المقامرة غير القانونية في لوس أنجلوس وهجرة المافيا إلى فيغاس.

تزامن تشريع نيفادا للمقامرة عام 1931 مع بدء تشييد سد هوفر، الذي جلب آلاف العمال إلى مدينة بولدر. بعد صرف أجورهم، كان هؤلاء العمال يسافرون مسافة 25 ميلًا تقريبًا إلى لاس فيغاس للاستمتاع بالمقامرة في شارع فريمونت، الذي كان مركز مدينة فيغاس قبل اكتمال السد.

يقول مايكل جرين، أستاذ التاريخ في جامعة نيفادا: «وفقًا لبعض الروايات فإن المدينة أصبحت مثيرة للغاية بضعة أيام في الشهر». خلال الحرب العالمية الثانية، جلب افتتاح مصنع المغنيسيوم في هندرسون القريبة من نيفادا عددًا كبيرًا من العمال الذين يبحثون عن الترفيه في عطلة نهاية الأسبوع.

لم يكن تدفق المقامرين كل أسبوعين كافيًا لجعل لاس فيغاس قبلة للمقامرة. لذلك، ازداد الاحتياج إلى أشخاص لديهم خبرة في إدارة أعمال المقامرة. عام 1938، بدأ هؤلاء الأشخاص بالانتقال إلى لاس فيغاس حين فرض عمدة جديد في لوس أنجلوس إجراءات مشددة ضد المقامرة غير القانونية. كان جاي مكافي من أكثر الشخصيات نفوذًا، وهو شرطي من لوس أنجلوس في فرقة الآداب، كان قد فر من كاليفورنيا هربًا من الملاحقة القضائية بتهمة إدارة حلقات المقامرة والدعارة.

جاءت نقطة تحول كبيرة أخرى عام 1941، بافتتاح أول فندق يتضمن صالة قمار: إل رانشو فيغاس، على الطريق السريع 91 الذي أطلق عليه ماكافي لاحقًا اسم «ملهى التعري». كان هذا المنتجع مهمًا لأنه ساهم في جعل المقامرة شيئًا يمكنك فعله في العطلة، وحقق نجاحًا مبهرًا.

مع نجاح المنتجع، افتُتح المزيد من الفنادق التي تتضمن الملاهي. ظهر بعضها في شارع فريمونت، وبعضها الآخر في منطقة خارج حدود المدينة، حيث أنشأ ماكافي وأصحاب المنتجعات الآخرون بلدة بارادايس خارج نطاق ولاية نيفادا، نوعًا من الغطاء الضريبي.

في الوقت ذاته تقريبًا، حين كان مكافي ورفاقه يبنون منتجعات للمقامرة ويجدون طرقًا لتجنب الضرائب، بدأت مجموعة جديدة، وهي المافيا ورجال العصابات، يفكرون في إمكانية افتتاح كازينوهات خاصة بهم.

كان بنيامين باغسي سيجل من أوائل شخصيات المافيا الرئيسية في صناعة المقامرة في فيغاس، وقد شارك في افتتاح ملهى فلامنغو عام 1947. بعد مقتل سيجل، بدأت شخصيات مافيا أخرى تتأهب لدخول مجال المقامرة في المدينة.

قدمت لاس فيغاس لأعضاء جماعات الجرائم المنظمة فرصةً مواتية، إذ إن رجال العصابات الذين كانوا يديرون حانات مقامرة غير قانونية في مدن أخرى، أصبح بإمكانهم جني الأموال قانونيًا من المقامرة في لاس فيغاس. لأنه حتى السبعينيات، كانت نيفادا الولاية الوحيدة التي لديها حانات مقامرة قانونية.

ميزة أخرى توصلوا إليها هي الاختلاس، بإخفاء المبلغ الحقيقي الذي يكسبه الكازينو. أكثر الأموال التي جناها أفراد العصابات في فيغاس كانت غير مُحتسبة رسميًا، ومن ثم لم تُفرض الضرائب عليها.

في الخمسينيات، عمل رجال العصابات على جلب الفعاليات والحفلات إلى فيغاس لجذب المزيد من الناس إلى الحانات. ولأن رجال العصابات كانوا يديرون نواديَ ليلية في العديد من المدن الكبرى، كان لديهم صلات بفناني الاستعراض. تنافست النوادي والمنتجعات للحصول على فتيات الاستعراض الأكثر رشاقة، اللواتي ترقصن مرتديات قليل من الملابس وريش وقبعات عالية.

عام 1957، قدّم مالك حانة ديونز «هارولد مينسكي» فتيات الاستعراض عاريات الصدر إلى قائمة الترفيه، ما أظهر لاس فيغاس بوصفها مدينة الخطيئة.

إضافةً إلى المشاهير وفتيات الاستعراض، بدأت العديد من منتجعات لاس فيغاس باستخدام التجارب النووية وسيلةً لجذب السياح إلى الكازينوهات. إذ كانت المدينة تبعد نحو 65 ميلًا من موقع اختبار الأسلحة النووية. في الليالي التي تسبق التفجيرات الذرية، استضافت المنتجعات حفلات تستمر حتى الانفجار النووي المرئي عند الفجر.

في منتصف الستينيات والسبعينيات، بدأت ملكية منتجعات لاس فيغاس تتبدل. اشترى هوارد هيوز حانة ديزيرت عام 1967، والعديد من العقارات الأخرى هناك. عملت استثمارات هيوز على طرد بعض رجال العصابات الذين كانوا يمتلكون فنادق وكازينوهات. في العام ذاته أقرت ولاية نيفادا قانون ألعاب الشركات، ما سهل على الشركات إدارة الكازينوهات، ومهّد الطريق للشركات لشراء منتجعات لاس فيغاس، ليتراجع رجال عصابات عن امتلاك الكازينوهات.

ابتداءً من عام 1978، عندما افتتحت أتلانتيك سيتي أول كازينو لها، بدأت لاس فيغاس تواجه منافسة المقامرة خارج نيفادا. نظرًا إلى أن المقامرة في الكازينو أصبحت قانونية في أجزاء أكثر من البلاد، بدأت شركات المنتجعات بطرح أساليب مختلفة لجذب الناس بدلًا من الاعتماد فقط على جذبهم إلى الكازينوهات.

اقرأ أيضًا:

كيف كانت أمريكا الشمالية قبل الاستعمار؟

كيف قسمت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية؟

ترجمة: زينب عثمان

تدقيق: نور عباس

المصدر