دائماً ما يقضي المدربون الشخصيون و مُحترفو اللياقة البدنية ساعات لا تحصى في قراءة مقالاتٍ و أبحاثٍ عن طُرقٍ و تقنياتٍ جديدة في برامج التدريب الرياضية، لتنمية و مُضاعفة القدرات العضلية.

و بالرغم من هذا، فإن فئةً محدودة من المُدربين و مُحترفي اللياقة البدنية يُدركون فعلياً كيف تتأقلم العضلات و تنمو تدريجياً مُستجيبة للتحميل المُتزايد الناتج عن التمرينات الرياضية.

في الحقيقة ، العضلات الهيكلية هي النسيج الأسرع تكيفاً في جسم الإنسان، و مسألة تضخم العضلات تعد موضوعاً خصباً يتم تناوله في الأبحاث على نطاق واسع.

تنشيط الخلايا الساتلة (Satellite Cells)

عندما تتعرض العضلات إلى مجهود شديد من خلال تمرين ما ، مثل ما تتعرض له عند تمرينات المقاومة ، تحصل صدمة مباشرة للألياف العضلية و التي تُشير إلي إصابة او تهتك ما – طِبقاً لأبحاث علمية.

هذا الاضطراب في عُضيات الخلية العضلية يؤدي إلي تنشيط نوع من الخلايا يُعرف بالخلايا الساتِلَة -التابعة- (satellite cells) و التي تتمركز على الطرف الخارجي من الألياف العضلية بين الغشاء القاعدي (basement membrane) و الغشاء البلازمي (sarcolemma) للألياف العضلية ، و يعمل هذا النوع من الخلايا على تعويض الإصابة عن طريق إستيلاد خلايا عضلية جديدة.

و هي عملية بيولوجية لتبديل التالف من الألياف العضلية، و تبدأ بالخلايا الساتِلَة حيث تلتحم معاً ثم تلتحم بالألياف العضلية عدة مرات مما يؤدي إلى زيادة الكُتلة العضلية و تضخمها.

إن للخلايا الساتِلَة نواة واحدة و تمتلك القدرة على التضاعف بالإنقسام.

و عندما تتضاعف ، بعضها يبقى كعُضيات على الألياف العضلية في حين أن معظمها يتمايز ويلتحم بالألياف العضلية لتكوين بروتين عضلي جديد يعمل على إصلاح الألياف التالفة.

و بالتالي ، فإن الخلايا العضلية (myofibrils) ستتزايد في السُمك و العدد.

بعد الالتحام بالألياف العضلية تسخّر بعض من الخلايا الساتِلَة كمصدر لنويات جديدة لإتمام نمو الألياف العضلية.

مع هذه النـوى الجديدة ستتمكن الألياف العضلية من تصنيع بروتينات أكثر و تكوين الخيوط العضلية القابلة للتقلص و المعروفة بخيوط الأكتين و الميوسين (actin and myosin)، في خلايا العضلات الهيكلية.

ومن المثير للانتباه تواجد أعداد كبيرة من الخلايا الساتِلَة ترتبط بالألياف العضلية بطيئة الانتفاض مقارنة بتلك التي تنتفض بوتيرة أسرع في نفس الكتلة العضلية، حيث أنها تشارك بانتظام في صيانة الخلايا بعد الأنشطة اليومية.

عوامل النمو (Growth factors)

هي مجموعة من الهرمونات -أو مركبات شبيهة بالهرمونات- التي تـُحفز الخلايا الساتِلَة لإنتاج زيادات في الكتلة العضلية.

و قد ثبت أن هذه العوامل تـُؤثر على النمو العضلي بتنظيم نشاط الخلايا الساتِلَة.

وتعد عوامل النمو الكبدية (HGF) مفتاح تنظيم الخلايا الساتِلَة، حيث تبين أنها العامل النشط في المواقع العضلية التالفة و قد يكون المسؤول عن اندماج الخلايا الساتِلَة في هذه المواقع العضلية.

عوامل نمو الأرومة الليفية (FGF) ، و هي نوع آخر مهم من عوامل النمو يسهم في إصلاح الكتلة العضلية المُتأثرة بالتدريبات المتتالية، و ربما يكون دوره في إعادة تكوين الأوعية الدموية أثناء التجدد العضلي.

وقد ركزت الأبحاث على دور هرمون شبيه بالإنسولين يُدعي “عامل النمو 1 و 2” (IGFs) في النمو العضلي، حيث يلعب دوراً أساسياً في تنظيم نمو الكتلة العضلية و تعزيز التغيرات التي تحدث على الحمض النووي لبناء البروتينات ، و دعم إصلاح و صيانة الخلايا العضلية.

ويعمل الإنسولين أيضاً على تنشيط النمو العضلي عن طريق تحفيز بناء البروتينات و تسهيل دخول الجلوكوز للخلية.

حيث تستخدمه الخلايا الساتِلَة كوقود ، و هكذا يتم تفعيل أنشطة نمو الخلايا.

و يدخل الجلوكوز أيضاً ضمن احتياجات العضلات طلباً للطاقة.

هرمونات النمو أيضاً لها دور هام في النمو العضلي.

حيث تعمل تدريبات المقاومة على تحفيز إفراز هرمونات النمو من الغدة النخامية الأمامية ، و تعتمد مستويات إفراز هذه الهرمونات على مدى المجهود العضلي المبذول في التمرين.

تُساعد هرمونات النمو أيضاً على إشعال فتيل حرق الدهون لاستخدام الطاقة الناتجة عنها في عملية النمو العضلي.

كذلك تُحفز العضلات الهيكلية لامتصاص الأحماض الأمينية.

وأخيراً ، يؤثر الهرمون الذكوري التستوستيرون في تضخم الكتلة العضلية، و يُحفز استجابة هرمونات النمو في الغدة النخامية التي ذكرنا دورها سابقاً.

بالإضافة إلى أنه يزيد من كفاءة النواقل العصبية في موقع الألياف ، و التي تُساعد على تنشيط نمو النسيج.

و كهرمون ستيروئيدي ، يتفاعل التستوستيرون مع المُستقبلات النووية على الحمض النووي مُسبباً تحفيز تكوين البروتينات.

و ربما يملك بعض التأثيرات المُنظمة للخلايا الساتِلَة.

النمو العضلي

استناداً على ما سبق، يتضح لنا أن النمو العضلي مُعقد للغاية على المستوى الجُزيئي، يتضمن تفاعلات و تداخلات بين العديد من العُضيات الخلوية و عوامل النمو (GF) ، و يحدث هذا نتيجة تمرينات المقاومة.

مع ذلك، للمعلومات العامة، بعض التطبيقات الهامة يجب أن تتلخص . يزداد النمو العضلي كلما تعاظم مُعدل بناء البروتينات العضلية على حساب هدمها.

و كلاهما – بناء و هدم البروتينات – مُتحكمٌ فيه من قِبل ميكانيكية خلوية متكاملة.

إن تمرينات المقاومة تُحفز تضخيم الكتلة العضلية و بالتالي اكتساب القوة.

و مع ذلك، فإن الوقت الذي يستغرقه هذا النمو يكون بطيئاً نسبياً ، يستغرق بشكل عام أسابيع عديدة أو ربما أشهراً لكي يكون ملاحظاً.

و المُثير أن تمريناً واحداً يُحفز بناء البروتينات في خلال 2-4 ساعات بعد المجهود مباشرةً و الذي يبقى مُحفزاً لمدة تزيد عن 24 ساعة.

لقد أظهرت كل الدراسات أن الرجال و السيدات لديهم استجابة مشابهة إلى حد كبير لتدريبات المقاومة.

بيد أن ارتباط الجنس باختلاف حجم الجسم و تركيبه و مستويات الهرمونات المختلفة ، فإن للجنس تأثيرات مُتباينة على مدى التضخم، بالإضافة إلى أن تغيرات أكبر في الكتلة العضلية سوف تحدث للأفراد الذين يمتلكون كتلة عضلية أكبر في بداية البرنامج التدريبي.

تُؤثر الشيخوخة على الخلايا العضلية مُسببة نقصاً في الكتلة العضلية.

و يُشار لهذا الفقد بمُصطلح “Sarcopenia”.

لحسن الحظ ، ثبت أنه يمكن تفادي التأثيرات المُحددة للشيخوخة على العضلات مع الاستمرار في التمرينات بصورة مُنتظمة.

و من الضروري التنويه بأن تدريبات المقاومة أيضاً تُحسن ترابط الأنسجة حول العضلات ، و بالتالي تكون أكثر نفعاً كوقاية من الإصابات المُخْتَلِفةِ

وتلعب الصفات الوراثية دوراً في اختلاف نسبة وكمية النوعين المختلفين من الألياف، فعند البشر -وفي أوقات مختلفة- ظلت الألياف الخاصة بالقلب والأوعية الدموية (cardiovascular-type) -النوع الأول (Type I) – تدعى بالحمراء، النشطة، بطيئة الانتفاض (slow-twitch) أو بطيئة الأكسدة (slow-oxidative).

وبالعكس، فإن الألياف اللاهوائية (anaerobic-type) -النوع الثاني (Type II) – تدعى بالبيضاء، المرحلية، سريعة الانتفاض (fast-twitch) أو سريعة الجلوكوز (fast-glycolytic).

وتم تفنيد هذه الأخيرة لاحقاً إلى فرعين: ألياف النوع الثاني-أ (Type II-A fast-oxidative-glycolytic) وألياف النوع الثاني-ب (Type II-B fast-glycolytic).

و من الجدير بالذكر أن العضلة الكعبية والتي تساهم في وضعية الوقوف و المشي عادة ما تحتوي على ٢٥٪ إلى ٤٠٪ أكثر أليافاً أكثر من النوع الأول (Type I)، في حين تحتوي العضلة ثلاثية الرؤوس على ١٠٪ إلى ٣٠٪ أكثر من ألياف النوع الثاني(Type II) نسبة إلى بقية عضلات الذراع (Foss and Ketyian, 1998).

وتتفاوت نسب و أنواع الألياف العضلية بشكل كبير بين البالغين، ومن المقترح أن الأنماط الشائعة الحديثة من التمارين الرياضية المنظّمة و التي تتضمن مراحل تدريب خفيفة و معتدلة و عالية الجهد ستقوم على إجهاد مختلف أنواع الألياف العضلية في الجسم بالشكل الأمثل، و بنفس الوقت توفر الراحة الكافية من أجل عملية تركيب البروتين.

الخُلاصة:

تؤدي تدريبات المقاومة إلى صدمة أو إصابة في البروتينات الخلوية في العضلات.

مما يحث إرسال إشارات خلوية لتحفيز الخلايا الساتِلَة بحيث تبدأ سيلاً من الأحداث لإصلاح و تنمية العضلات.

و تساهم العديد من عوامل النمو (GF) في تنظيم ميكانيكية تغيير أعداد و حجوم البروتينات داخل العضلات.

إن تكيف العضلات على التحميل الزائد لتمرينات المقاومة يبدأ مباشرة بعد الممارسة، لكنها تأخذ أسابيعَ أو أشهراً ليتجلى شكلها الفيزيائي.

وتعد العضلات الهيكلية النسج الأكثر تكيفاً في الجسم البشري، وتتميز بمرونتها في إعادة البناء بعد برامج متتابعة و مصممة بعناية من تدريبات المقاومة.


  • اعداد: طه احمد طه
  • تدقيق: ريماس أبو شعر
  • تحرير: ندى ياغي
  • المصدر