أدمغتنا -وليست أجسامنا- ما يحدد متى يجب علينا التوقف عن بذل مجهود جسدي أو استخدام عضلاتنا بطريقة أو بأخرى، ويحدث ذلك من طريق الشعور بالألم والإجهاد، فيقيد الدماغ القوة الجسدية واستخدام العضلات لتفادي إلحاق الضرر بجسم الإنسان.

منذ أن مضى الرجل البدائي لمسافات طويلة للصيد، بدأت الأطراف الطويلة والجلد الخالي من الفراء، إضافة إلى القدرة على التعرق لتنظيم درجة حرارة الجسم؛ في التطور لتسهل التكيف مع ظروف البيئة القاسية، ولكن هذا لا يعني أن القدرات الجسدية غير محدودة.

ومنذ مئات السنين، الرجال والنساء يتحدُّون قوة تحملهم في بعض الأحداث الرياضية القاسية التي أخذت مكانًا في أكثر المناطق قساوة.

تطور الإنسان ليصبح أقوى وأسرع وأذكى، وليصل إلى القمة ويعيش أطول، ويضفي الطابع الحضاري على كل ركن من أركان الأرض، فحطم نوعنا الكثير من الأرقام القياسية في العقود القليلة الماضية، ولكن متى سنصل إلى القمة؟ فبقدر ما نعمل لتحسين قدراتنا، نظل محدودي الإمكانيات في نهاية الأمر.

أعتُقد سابقًا أن الإجهاد العضلي كان سبب بطء حركة جسم الإنسان بعد مجهود شديد عالي الكثافة، ولكن اليوم يعتقد المزيد من الباحثين أن أساس المقاومة الجسدية في العقل.

كيف يتحكم العقل بالعضلات؟

يتوسط الجهاز العصبي النشاط العضلي، ويساعد على ربطنا بالبيئة من حولنا.

تنقسم عضلات الفقاريات إلى ثلاث فئات:

  •  العضلات الملساء، التي تتحكم في الجهاز الهضمي وأعضاء داخلية أخرى.
  •  العضلات الهيكلية أو الأنسجة العضلية المُخططة، التي تتحكم في حركة الجسم بالقياس إلى البيئة.
  •  عضلة القلب، التي تتوسط خصائصها تلك التي لدى العضلات الملساء والهيكلية.

تتكون كل عضلة من مجموعة من الألياف الفردية، وقد يُغذي محوار العصبون أكثر من ليف عضلي واحد. الموصل العصبي العضلي هو المشبك الكيميائي، حيث يلتقي محوار العصبون الحركي بالألياف العضلية. يفرز كل محوار في العضلات العظمية أسيتيل كولين في الموصل العصبي العضلي، الذي يحفز انقباض العضلة.

تنتج القشرة الحركية نوعًا معينًا من النشاط يطلق عليه إمكانية الاستعداد قبل أي حركة إرادية، يبدأ فيها نشاط الدماغ المتضمن الحركة قبل قرار الفرد بتأديتها، وفقًا إلى بعض الدراسات يستغرق 100 ميلي ثانية، لتبدأ إمكانية الاستعداد قبل 300 ميلي ثانية من اتخاذ القرار وتليه الحركة بمقدار 200 ميلي ثانية.

كيف يمكن الوصول إلى القوة الهستيرية؟

هل تستطيع الأم في تلك الأسطورة الحضرية رفع سيارة لإنقاذ ابنها العالق؟ ربما. فمثلما يبدو تضيف إلينا المواقف الخطرة المهددة للحياة المزيد من القوة.

يتحكم الانقباض العضلي في حركاتنا عبر إرسال إشارات بوساطة الأعصاب العضلية. تستخدم أجسامنا خلال ممارستنا أنشطتنا اليومية مقدار الوحدات الحركية نفسه في الأعصاب العضلية، محاولة استخدام أقل عدد ممكن. ما يعني أن عضلاتنا تطورت لاستخدام مقدار معين من الأعصاب، وفقًا إلى النشاط المبذول. فالقوة التي نحتاجها لرفع كوب من الماء ليست نفسها التي نستخدمها لرفع صندوق يزن 2.5 كيلوجرام؛ فلرفع ذلك الصندوق الثقيل نسبيًا تستخدم أدمغتنا المزيد من الوحدات الحركية.

يشير بحثٌ إلى أن نسبة الكتلة العضلية العاملة خلال تمرين قاسٍ تصل إلى 60%، ويقول الدكتور زاتسيورسكي من جامعة بنسلفانيا أن تلك النسبة تصل إلى 80% لدى رافعي الأثقال.

هل للبشر الخارقين وجود؟

حاربت امرأة تدعى ليديا أنجيو، يبلغ طولها نحو 152 سم في مقاطعة كيبيك في كندا دبًا قطبيًا لحماية ابنها الذي كان حينها يمارس رياضة الهوكي على الجليد. في العام نفسه، رأى رجل يسمى تيم بويل سيارة شيفروليه كامارو تدهس راكب دراجة حوصر تحت عجلاتها، فركض إلى الحادثة ورفع السيارة كفاية لتخليص الضحية من تحت عجلاتها. توجد العشرات من هذه الأحداث البطولية يقوم أشخاص يبدون وكأنهم عاديون بأعمال خارقة في مواقف بالغة الصعوبة.

إذا أراد شخصٌ أن يزيد قوته الجسدية فمن الضروري أن يخضع لتمارين عالية الكثافة، التي لا تزيد من قوته العضلية فحسب، بل أيضًا قدرة تحمله للإجهاد والألم الناتجين عن أداء أنشطة جسدية قاسية. يجب عليه أيضًا الخضوع لظروف تكيفية لجسده بالكامل (الرئتين ومعدل ضربات القلب والتمثيل الغذائي وغيرهم). كل ذلك لزيادة القدرة على استخدام قدرته الجسدية التي يُعد أقصاها ولن يقدر على استخدامها كليًا أو حتى جزء كبير منها.

اندفاع الأدرينالين

تفرز هرمونات مثل الأدرينالين أو الإبينفرين والنورإبينفرين من الغدة الكظرية في المواقف الخطرة والموترة، وتساعد على تنشيط الجسم وجعله يقظًا جسديًا وذهنيًا لمواجهة أي موقف.

يقول جوردون لينش، عالم فسيولوجي في جامعة ملبورن: «يكاد يكون إفراز الأدرينالين فوريًا؛ ما يتيح للبشر الاستجابة بصورة صحيحة في مواقف القتال أو الموت fight-or-die». ولهذا يمكن النظر إلى الأدرينالين على أنه وسيلة للنجاة. ففي مثل هذه المواقف يرسل تحت المهاد إشارات إلى الغدد لإفراز الإبينفرين، التي ترشحه فورًا في الجهاز الدوراني لتوزيعه بكامل الجسم، الذي يتسبب في أعراض مختلفة يطلق عليها معًا (اندفاع الأدرينالين).

من الناحية الفسيولوجية، تتسارع أنفاسنا ونبضات قلبنا عندما نكون تحت تأثير الأدرينالين، معيدًا توجيه الدم للعضلات، وتسرع الأعصاب الشوكية لتجنيد الوحدات الحركية في عضلاتنا. يقول جوردون: «كلما ازداد عدد الوحدات الحركية المجندة؛ كلما استطاع الجسم الوصول إلى قوة أقصى». إضافةً إلى ذلك، تقل قدرة الجسم على الشعور بالألم في حالة اندفاع الأدرينالين.

هل يحد الدماغ من قوة الجسم واستخدامه العضلات لتجنب الإصابة؟

لماذا يتحفظ جسمنا بالكثير من قوتنا؟ لسلامتنا.

إذا استخدمنا عضلاتنا للحد الأقصى أو تجاوزناه خلال التمرين فقد نخاطر بتمزيق الأنسجة العضلية والأوتار والأربطة وكسر العظام. تراقب أدمغتنا أجسامنا باستمرار لتحرص على الحفاظ عليها من المواقف التي قد تضر بها. لذلك تمتلك أجسامنا حلقات تغذية راجعة مثبطة تمنع عضلاتنا من توليد قوة قصوى.

الآلية النفسية؛ الشعور بالألم والإجهاد:

تطور الإنسان ليشعر بالألم والعذاب بعد فترة طويلة من ممارسة النشاط البدني.

تمنعنا التجارب السابقة من محاولة رفع شيء نعتقد أنه ثقيل جدًا في ظروف عادية، مثل سيارة. ولولا أن أجسامنا قد تبدو وكأنها تتوسل إلينا للتوقف لاستطعنا الوصول إلى قوة أكبر أو التحمل مدة أطول. إلا أننا حينها، سنؤذي أنفسنا.

اقتصر الإجهاد العضلي حتى أكثر من 20 سنة ماضية على عوامل فسيولوجية. توصل أرشيبالد فيفيان هيل الحاصل على جائزة نوبل في الفسيولوجيا عام 1922 إلى أن قدرة الجسم على توزيع الأكسجين إلى العضلات هي العامل المقيد في التمرين، وبالتالي كلما ازداد تدفق الدم إلى العضلات، ازداد معدل القوة التي يمكن بلوغها خلال التمرين.

أعاد الأستاذ الجامعي تيموثي نواكس في قسم علوم التمرين والطب الرياضي في جامعة كيب تاون في نموذجه صياغة الدماغ ليس بصفة متفرج وإنما بصفة «حاكم مركزي» مع مسؤولية تنظيم الأداء الجسدي. جوهريًا، يعد ألم الإجهاد العضلي عاطفة أكثر من كونه انعكاسًا. لذلك نستطيع القول إن أدمغتنا (العامل النفسي) هي صاحبة القرار عندما يأتي الأمر بالتوقف؛ ما ينفي استنتاج أرشيبالد بأن الفسيولوجيا (العضلات المتعطشة للأكسجين) هي العامل المقيد لقوتنا. إذن، كيف يستطيع الرياضيون التغلب على احتجاجات أدمغتهم؟

قوة العقل:

تقف أدمغتنا في طريق أجسامنا دون وعي لمنعنا من الاستسلام إلى بلوغ الحد الأقصى.

يقول ريتشارد باركس، أول من تسلق أعلى جبل في العالم ووصل إلى الأقطاب الثلاثة؛ الشمالي والجنوبي وقمة إيفرست خلال 7 شهور: «كان عليّ دائمًا التمرن بجد جسديًا، ولكنني متأكد دائمًا أن عقلي وليست فقط قوتي ما يساعدني على تجاوز أقصى المواقف صعوبة وتهديدًا للحياة». يعتقد الأستاذ سام ماركورا من جامعة كينت أن سبب دفع الرياضيين بحدود قوتهم يعود إلى آلية واعية تتمثل في إدراكهم الفردي لفرط الإجهاد والمبالغة في الأداء، ومنح نفسهم الراحة اللازمة ليستعيدوا القدرة على المحاولة مرة أخرى.

تشير العديد من الدراسات إلى أن الرياضيين الذين يمرنون قدراتهم الذهنية إلى جانب الجسدية يحققون تحسنًا أكبر في قدراتهم الجسدية بنسبة 120%، مقابل نسبة 40% لأولئك الذين يمرنون قدراتهم الجسدية فقط.

يعتقد الدكتور ستيف بيتر أن أدمغتنا تتكون من 3 أماكن مستقلة تستطيع العمل سويًا؛ الأول هو الجانب «الإنساني»، أي المنطق. والثاني «الحيواني»، أي الجانب العاطفي وهو ضروري للنجاة ومسؤول عن العواطف والدوافع. والثالث «الحاسوبي»، أي المسؤول عن تخزين الأفكار والسلوكيات المُتعلمة. السيطرة على الجانب «الحيواني» أمر ضروري ليحقق الرياضيون النخبة نجاحاتهم.

هل تعتمد القوة على أكثر من العضلات وحدها؟

جسديًا نعتبر أضعف من الحيوانات في مثل حجمنا، ويشمل ذلك القردة (أقاربنا المقربين). ومع ذلك، على الرغم من قلة الألياف والمغارز في بنيتنا العضلية، فإنها تسمح لنا بالوصول إلى قوة كبيرة. وقبل كل شيء، مقاومة. لنعرف حقًا هل الإنسان أقوى من المتوقع أم لا؟ علينا مراقبته تحت ظروف صعبة حين يزداد إفراز الأدرينالين وتنشط لديه غريزة البقاء.

تحد حاجتنا إلى استخدام أدوات بدلًا من الاعتماد على قوتنا العضلية وقصور خبرتنا لاستخدام قوتنا في صورتها الخام إضافة إلى عقليتنا وعدم رغبتنا في تجاوز سيناريوهات الألم من قدرتنا على إظهار القوة الهائلة التي نحتفظ بها.

وفقًا لمات فوربر، عالم في مختبر الأداء البشري جي إس كي: «يلعب العقل بلا شك دورًا في الأداء البدني، لكن ممارسة التمارين وعدد ساعات التدريب ضروريين لزيادة القدرة على التحمل». ومع ذلك، يعتقد باري أونيل، عالم في المختبر المعرفي، أنه يمكن لأشخاص عدة الوصول إلى ذلك المستوى من التحضير الفسيولوجي «ولكن العقل هو ما يصنع الفرق بين نخبة صغيرة وبين باقي الفريق». تمرين العقل هو الكشف سطحيًا عما يستطيع الجسم تحقيقه، ولكنه بالفعل يُرى على أنه المكون الأساسي لأي رياضي يسعى للتميز عن منافسه. بكلمات أخرى؛ على العقل أن يكون بقوة الجسد.

أسئلة شائعة:

ما هي أقصى قوة يستطيع الإنسان بلوغها؟

تتراوح حدود القوة البشرية في رفع الأوزان بين نحو 270 إلى 460 كيلوجرام.

هل يمكن الوصول إلى قوة خارقة؟

قد يصل الإنسان إلى قوة معززة تحت تأثير الأدرينالين ولكنها لن تكون خارقة.

لماذا تعد العضلات البشرية ضعيفة جدًا؟

يميزنا عقلنا وجهازنا العصبي المركزي عن الحيوانات في مثل حجمنا، ولهذا السبب نحن ضعيفون جدًا مقارنةً بهم.

ما مدى القوة التي يستطيع الإنسان الوصول إليها؟

يستطيع الإنسان العادي توظيف نحو 60% من عضلاته في أثناء التمرين، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 80% لدى الرياضيين.

ما هي أقوى عضلة في جسم الإنسان؟

بقياس القوة مقابل الحجم، تتفوق العضلة الماضغة المسؤولة عن غلق الفك؛ إذ يمكنها ممارسة ضغط على الأسنان يصل إلى نحو 90 كيلوجرام.

اقرأ أيضًا:

ما كمية العضلات التي يمكن اكتسابها في شهر؟

ما سبب ألم العضلات بعد التمرين؟ وما الذي يمكنك فعله حيال ذلك؟

كيف تعمل العضلات؟ معلومات جديدة تثير حماس العلماء

ترجمة: سامية الشرقاوي

تدقيق: روان أحمد أبوزيد

مراجعة: حسين جرود

المصدر