مع نموِّ الأطفال المصابين بالتوحد ليصبحوا مراهقين، يواجه آباؤهم بعض الأسئلة الشائعة جدًا:

هل سيتطيعون الحصول على وظيفة؟

هل سيكونون قادرين على الالتحاق بالجامعة؟

كيف يمكن مساعدتهم على الاستعداد للوصول إلى هناك؟

تعتمد إجاباتُ هذه الأسئلة جزئيًا على مدى تطور حالة الطفل المُصاب بالتوحد، لكن بالتدريب والتخطيط المناسبين المصمَّمَين وفقًا لقدرات المراهقين، سيستطيعُون إيجاد طريقهم إلى وظيفة رائعة، والالتحاق بالجامعات في أحيانٍ كثيرة.

تُحدِّدُ المُتخصِّصة في علاج التوحد (كورتني جيبورا) الطرقَ التي تمكِّنُ الوالدين من إعداد أطفالهم للحياة العملية خارج المنزل، في رحلتهم من مراهقين إلى راشدين.

التخطيط في سن مبكّرة:

يتيح البدء في سن مبكرة استكشاف الأطفال اهتماماتهم الخاصة وتطويرها، ومثل أيِّ طفل آخر ينمو، يكتشفُ المراهقون المصابون بالتوحد طموحهم وماذا يريدون أن يكونوا عندما يكبرون.

قد تكون الإجابة بالنسبة إليهم وإلى آبائهم غير واضحة تمامًا، لذلك يحتاجون إلى وقت ومجال لتجربة ما هو جديد، وتغيير آرائهم حول الأنشطة التي يستمتعون بها استمتاعًا فريدًا، أو تلك التي يمارسونها باحتراف.

يبدأ التدريب المهني للطفل المصاب بالتوحد عادةً في سن 14 عامًا تقريبًا، ويمنحُ البدء المبكّر بهذا النمط من التدريب والتعليم، المراهقينَ الوقتَ الذي يحتاجونه لتطوير مهارات العالم الواقعي، التي ستخدمهم لاحقًا في العمل أو في الكلية.

يركزُ مسارُ العلاج والتعليم المبكر خصوصًا على تنمية العديد من السلوكيات والمهام المطلوبة في العمل أو المدرسة.

اعتماد خيارات الوظيفة على القدرات المتاحة:

تقول جيبورا: «إنّ التجربة الحقيقية للمراهق في البيئة المناسبة لها فوائد كبيرة. إذ إنَّ العمل بدوامٍ جزئي يمنح المراهقين الفرصة لمعرفةِ كيف تبدو الحياة العملية عندما لا يكون أحدُ الوالدين في الجوار».

عادةً ما تساعدُ برامجُ التوحّد المراهقينَ على تحقيق مستوى من ثلاثة مستويات للتوظيف:

  •  مراكز نشاط البالغين: تطوّرُ هذه المراكز مهاراتِ التّدريب المهنيّ لدى الأفراد ذوي الأداء المنخفض في بيئة منظمة وداعمة.
  •  التوظيف المدعوم: تقدّمُ العديدُ من الوكالات أو المكاتب وظائفَ ذاتِ أنظمةِ دعمٍ مُدمَجة ويُعدُّ المدربون المهنيون مثالًا على ذلك. وهذا هو الأفضل للأفراد القادرين على العمل، والذين لا يمكنهم بالضرورة العيشَ أو العمل باستقلالية.
  •  العمل التنافسي: يشمل الوظائف المستقلة للأفراد، إذ يجب أن يكون الموظفون قادرين على التعامل مع مسؤولية النقل من مكان العمل وإليه، بالإضافة إلى القيام بأنشطة العمل اليومية.

قيمة المهارات التي يمتلكها الشخص:

إنَّ المهارات بنوعيها الفنية والذهنية بالنسبة إلى الأشخاص المصابين بالتوحد، هي مهاراتٌ مكتسبة قد تستغرق وقتًا وجهدًا لتحقيقها، في الوقت الذي تُعَدُّ سهلةَ التعلّم عند غير المصابين.

لهذا السبب من المهمّ ألا تقومَ منظماتُ الرعاية وأولياء الأمور بتعليم المراهقين المهارات الإجرائية فقط، بل تعليمهم المهارات الاجتماعية والحياتية في وقتٍ مبكّر، ليكون المراهق مستعدًا لاستخدامها في مدرسته الجديدة، أو مكان عمله.

يتيح التدريبُ المهنيُّ تعلّمَ مجموعة متنوعة من المهارات الصعبة اللازمة لأداء المسؤوليات المرتبطة بالوظيفة، ومنها: تصنيف السجلات، صنع علب البيتزا، تنظيم المخزون، تحضير الطعام. بالإضافة إلى تعلِّم مهارات المعاملات الورقية، ومنها تسجيل البيانات، التعامل النقدي، قراءة التقويم، أو المهام المماثلة المتعلقة بالعمل.

بالإضافة إلى ذلك، من المهم جدًا أن يتعلم المراهقون المصابون بالتوحد المهارات الناعمة المناسبة.

يمكن أن تكون السيناريوهات في العمل اليومي أكثر تعقيدًا وصعوبة بالنسبة للمراهقين المصابين بالتوحد، لذا تركّزُ المهارات الناعمة على تعليم المراهق كيفية طلب إجازة، وممارسة مهارات السلامة، ومعرفة متى تطلب استراحة، وطلب المساعدة من المشرف، أو كيفية حل نزاعات مع زملاء العمل.

مشاركة الوالدين:

توصي برامجُ التوحدِ الآباء بمراقبة أطفالهم في أثناء التدريب، ليلاحظوا ما الذي يمكن لأطفالهم فعله بطريقة جيدة، بالإضافة إلى أنها توفّر طرقًا لتعزيز السلوك الإيجابي في المنزل. فدور الآباء يحدث تأثيرًا كبيرًا يتجاوز المراقبة والتعزيز.

على سبيل المثال، إن كان المراهق جاهزًا للعمل التنافسي، فيمكن للآباء الاستفادة من معارفهم الخاصة لإيجاد فرص عمل في الوظائف المحتملة. وإذا أجاد المراهقون حفظ الملفات أو إدارة الحسابات، يمكن لآبائهم السؤال عن فرص عملٍ بدوام جزئي لدى المتاجر أو شركات العمل المحلية. وإن كانوا يحبون العمل في الهواء الطلق، قد تكون وكالات البناء مناسبة لهم.

أما إذا كان المراهق يعاني مشكلات في التواصل، فربما تكون الوظيفة التخصصية أكثر ملاءمة. يمكن سؤال الفريق عما إذا كانوا يعرفون الوكالات ذات الوظائف الشاغرة.

التفكير في إرسالهم إلى الجامعة:

يتأقلم العديد من الأطفال ذوو المهارات العالية بصورة جيدة في بيئة أكاديمية مُنظّمة مثل الجامعة، وتُقدّمُ العديدُ من الكليات والجامعات خدماتِ الدعم للمصابين بالتوحد من الأطفال الأكبر سنًا أو البالغين.

على سبيل المثال، تقدّمُ بعضُ الجامعات طوابقَ خاصة في مساكن الطلبة، تضمُّ مستشارين مقيمين وداعمين، أو مدربين أكاديميين، يفهمون احتياجاتهم الفريدة ويتعاملون معها.

قد يواجه المراهقُ المتفوقُ في المدرسة تحديات في العالم الاجتماعي الجامعي الجديد والمخيف أحيانًا، ولكنَّ المساعدة متاحة في العديد من المدارس، كما هو الحال مع التدريب المهنيّ.

قد يُطَبّق الكثيرُ من مبادئ التدريب المهني في عملية الإعداد للجامعة، كما يُهيَّأ الطفل لأن يصبح بالغًا أكثر استقلالية.

من أجل مساعدة المصابين بالتوحد على تحضير أنفسهم للجامعة، سيكون مثاليًا تطوير مهاراتهم الاجتماعية والتواصلية لبيئتهم الجديدة. يجب أن يستكشف الآباء مهارات التدريس المتعلقة بالرعاية الذاتية، وتحديد الأهداف وتقنيات التعامل مع المهام المتعددة، بالإضافة إلى تعلم طلب المساعدة عندما تصبح الأمور صعبة بالنسبة إليهم.

تقولُ جيبورا: «إنّ البدءَ المُبكّرَ هو المفتاح الذي يتيح الوقتَ والمرونة للأطفال المصابين بالتوحد لصقلِ هويّاتهم. قد يكون التفكير في استقلالية الطفل أمرًا عاطفيًا ومربكًا قليلًا بالنسبة إلى الآباء، لكنّ التركيز على هذه المجالات المستهدفة وتطويرها، سيساعدهم في الحصول على أساسٍ رائعٍ لمستقبلهم».

اقرأ أيضًا:

هل تؤدي إصابة الأم بالتهاب في أثناء الحمل إلى التوحد لدى الجنين؟

فحص العين يمكن أن يكشف عن طيف التوحد واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: نور حمود

المصدر