يعد جوجل إيرث برنامجًا فريدًا من نوعه يُستخدم لرسم الخرائط ووضع العلامات فوقها، إذ يستعمل الصور المركبة لتكوين خريطة تفاعلية شاملة للأرض. يوفر التطبيق أداة تنوع تسمح للأفراد والمجموعات بتتبع تغيرات المناخ واكتشاف الملامح البيئية والجغرافية وتسجيل تاريخنا. تستمر أداة رسم الخرائط الرقمية هذه بكونها مصدرًا تستفيد منه الحكومات والمنظمات الخاصة والأفراد في تتبع وتثبيت البيانات الجغرافية بكميات لا تعد ولا تحصى.

مكَّن جوجل المحافظين على البيئة من أن يلاحظوا نمط التحول البيئي للنباتات والحيوانات على مستوى عالمي عبر جمع كميات ضخمة من البيانات، كما مكن جوجل الحكومات من متابعة نمو المدن حول العالم، وكذلك مكن الأفراد من نشر حكاياتهم الشخصية بصورة فريدة من نوعها.

من صنع جوجل إيرث ؟

طُوِرت التكنولوجيا الكامنة لجوجل إيرث بواسطة رسومات ذاتية لشركة ألعاب الكترونية تقوم بصنع قواعد البيانات البصرية. قامت جوجل في عام 2004 بشراء شركة ( كي هول – Keyhole inc )، وهي نتيجة عرضية للأسلوب الذاتي الذي اتبعته الشركة والتي أصبحت فيما بعد تعرف بـ نيانتك (Niantic) وهي فرع جوجل المسؤول عن صنع لعبة بوكيمون غو (Pokemon Go) الشهيرة التي أطلِقت في عام 2005، وتعد جوجل إيرث أول خريطة تفاعل مركبة لعالمنا.

بدأ فريق التطوير في عام 2015 بالتخطيط لصنع نسخة محدثة تركز على امكانية الوصول ومدى توفر البيانات. يتوفر التطبيق الذي كُشف عنه في عام 2017 الآن في متصفح الإنترنت كروم – Chrome وكذلك عبر تحميل تطبيقهم الخاص.

تسمح مميزات إعادة البناء ثلاثية الأبعاد لجوجل إيرث، وأدوات الشرح، وصور الأقمار الصناعية المتوفرة بواسطة جوجل والتي يعود تاريخها لعام 1984 للمستخدمين بالسفر عبر الزمن تقريبًا.

تطوّر هذه الخريطة بشكل منتظم لتواكب عالمنا المتغير باستمرار إذ أصبحت الصور الجديدة متوفرة عبر الأقمار الصناعية والتصوير الجوي. جُمِعت الصور والبيانات المستخدمة في جوجل إيرث بالتعاون مع ناسا وناشيونال جيوغرافيك وغيرهم، ما جعلها جهدًا جماعيًا.

يتكون فريق التطوير في جوجل إيرث من 4 إلى 5 مصممين وحوالي 30 مهندسًا يركزون في الغالب على تحسين قابلية التطبيق على إرسال البيانات وفقًا لمدير الإنتاج في جوجل إيرث ( جوبال شاه – Global Shah )، حيث قال: «حتى لو كنت طفلًا صغيرًا تعيش في ريف الهند مستعملًا خدمات الجيل الثاني للإنترنت 2G، فإننا نريدك أن تكون قادرًا على استخدام جوجل إيرث بطريقة ذات فائدة».

كيف تُصنع الصور؟

تجمع جوجل إيرث مليارات الصور رقميًا صُوِرت عبر الأقمار الصناعية أو التصوير الجوي باستخدام البكسلات الأعلى جودةً من كل تصوير لصنع أوضح مشهد لأي جزء من الأرض.

يقول شاه: «عندما تستخدم جوجل إيرث لأول مرة، ستظهر لك صورة مركبة من تريليونات البكسلات تعود لصور التُقِطت عبر الأقمار الصناعية لناسا، هذه الصورة تُظهر لك الربيع في كل منطقة في الكوكب، نحن نُطلِق عليها اسم الأرض الجميلة (Pretty Earth)».

أُضيفت العديد من المناطق بتقنية الـ 3D صُنعت من الآف الصور الجوية الملتقطة لنفس المكان ومن زوايا مختلفة. لجمع كل هذه الصور يجب أن تحلق الطائرة بوضع رأسي في مدار ضيق “كما لو أنك تقوم بجز العشب في السماء” كما يقول شاه. تُشكِل بعدها اللوغاريتمات المعقدة منظرًا طبيعيًا وتصنع مشهدًا ثلاثي الأبعاد يمكن للمستخدم التفاعل معه.

كيف يُستعمل جوجل إيرث ؟

تعتبر جوجل إيرث طريقة جديدة لمعظم الناس لاستكشاف المدن والمناظر من فوق، مما يسمح لنا بعرض العالم من حولنا بأفضل ما يمكن. يقول شاه: «يزور 99 % من المستخدمين الجدد لجوجل إيرث جيرانهم في أول استخدام لهم».

يمكنك أن تعرض الفاصل الزمني للتغيرات والنمو الحاصل في الجزء الذي تعيش فيه من العالم خلال الـ 30 عام الماضية.

استطاع سارو بريلي (Saroo Brierley) وهو يتيم هندي ترعرع في أستراليا من إعادة الاتصال بعائلته الأم بعد انفصالهم لأكثر من 25 سنة عبر تعقب العلامات الجغرافية في تطبيق جوجل إيرث. قام سارو بتفصيل تجربته في كتابه الطريق الطويل نحو المنزل (A long way home) والذي حُوِل للفيلم السينمائي Lion في عام 2006.

وفرت بعض المميزات الجديدة لمنظمات الحفاظ على البيئة وللباحثين الأدوات اللازمة للاستمرار في متابعة عالمنا المتغير.

قال شاه: «سمحت إحدى مميزاتنا الجديدة المسماة بمحرك الأرض (Earth Engine) للباحثين بتصور أنماط إزالة الغابات وتحويلات مجرى المياه واستكشاف مناطق جديدة غير معروفة حتى الآن في العالم».

تقوم منظمات الأخبار أيضًا بإستخدام جوجل إيرث على نطاق واسع بواسطة أداة استوديو الأرض (Earth Studio) والتي تسمح للناس بإرسال مقاطع الفيديو.

قال شاه: «كلما شاهدت شبكة أخبار كبيرة تقوم بإبعاد وتقريب صورة منطقة ما لإظهار تفاصيلها، فتلك هي أداة استوديو الأرض».

السماح للناس بالوصول لفهم أوسع لتفاصيل أحداث الجغرافيا المكانية يُحسن قدرتنا على تشخيص مشاكلنا اليومية بطريقة أكثر تفصيلًا.

قال شاه: «شاهدنا واحدةً من أكثر النتائج الإيجابية والمباشرة في إندونيسيا، حيث تمكنت مجموعة من المحافظين على البيئة من عرض مناطق الصيد غير القانوني والمبالغ به على الساحل الإندونيسي، وقدمت الحكومة هناك الدعم ونفذت سياسة تأمين للمحافظة على شاطئ صحي ونظيف».

كما اكتشفت مجموعة أخرى من المحافظين على البيئة غابةً مجهولةً لم يصلها أحد فوق هضبة في الموزمبيق، أضاف شاه: «لقد استطاعوا القيام بخطوات للتأكد من بقاء موقع تلك الغابة مخفيًا للمحافظة على سلامتها».

أشار شاه كذلك إلى ميزة جديدة تجعل تتبع التغيرات المناخية متاحًا للجميع قائلًا: «إذا أردت أن تشاهد كيفية تغير السواحل والبنية الجغرافية عندما ترتفع درجات الحرارة العالمية، يمكنك فعل ذلك».

مستقبل جوجل إيرث

تعد الأدوات التعليمية واحدةً من أهم الفقرات التي يهتم بها فريق جوجل إيرث حاليًا.

يسمح فريق (فوياجر – Voyager) الجديد (وهو يختلف عن فريق مسبار فوياجر حتى لا يختلط عليكم الأمر) بإضافة حاشية علامات جغرافية وقصص يومية ومقاطع فيديو للمستخدمين في التطبيق، مضيفًا محتوى جغرافي وثقافي لحكايات الناس، يقول شاه: «يمكن وصف فوياجر بأنه مجلة جوجل إيرث».

قامت جوجل بالتعاون مع فريق عمل (شارع سمسم (افتح يا سمسم) – Sesame street )، و(كارمن سان دييغو – Carmen Sandiego )، و ناشيونال جيوغرافيك لتطوير الألعاب التفاعلية، والجولات الاستكشافية، والقصص اليومية لمساعدة الناس بالحصول على منظور جديد للعالم.

يقول شاه: «كل منطقة في العالم لديها شخصيتها الفريدة من شخصيات افتح يا سمسم، ويستطيع الأطفال الآن أن يذهبوا في جولة ثقافية لمناطق مختلفة حول العالم بقيادة شخصية من شخصيات افتح يا سمسم المفضلة في ذلك المكان».

بالإضافة إلى ذلك، استخدم الناس فوياجر لعرض حكاياتهم الشخصية، بتأشير الأماكن التي عاشوا فيها أحداثًا في حياتهم الشخصية، حيث يستطيع الأفراد حفظ تاريخهم الشخصي ومشاركته مع الآخرين وحفظه للأجيال القادمة.

اقرأ أيضًا:

حضارة المايا أكثر تعقيدًا مما اعتقدنا

الطريق إلى نظرية الكم

ترجمة: رياض شهاب

تدقيق: حسام التهامي

المصدر