انتهينا بالحلقة السابقة من محاولة فهم الحركة في خط مستقيم، ولكن هنالك ماهو أكثر تعقيدًا من ذلك، فهنالك الحركة في خط منحني والتي سنتناولها في هذا المقال، فنحن نحاول سبر غمار هذا الكون من البساطة إلى التعقيد، بالإضافة إلى أن كل نقطة نتوصّل لها ستقودنا إلى نقطة أخرى.

لنجري تجربة سريعة باستخدام كرة صغيرة ملساء تتدحرج على سطح مائل أملس، وعند تدحرجها نؤثر عليها بقوة في اتجاه عمودي على اتجاه حركتها، سنجد أن هنالك أمران قد تغيرا على الكرة، فقد اختلفت سرعتها تمامًا عن سرعتها الابتدائية، وقد تغير اتجاه حركتها أيضًا، وهذا يقودنا إلى تعريف جديد لقانون العطالة أو القصور الذاتي: «تأثير القوى الخارجية على الأجسام المتحركة لا يُغيّر من سرعتها فحسب بل يُغيّر أيضًا من اتجاه حركتها».

هل تظن أن الموضوع قد انتهى هنا؟ كلا، فهنا علينا العودة مرة أخرى إلى غاليليو لنقوم بمحاولة لفهم أكثر عمقًا لآلية حركة الأجسام. دعني اُلقي عليك سؤالًا، إن كان هنالك أربع سيارات تتحرك كل منها بسرعة 60كم في الساعة، ولكن كل واحدة منها تسلك اتجاه مختلف عن اتجاه الأخرى، فإحداهم تسير باتجاه الشمال، والأخرى للجنوب وهكذا، هل يمكننا القول بأن هذه السيارات تتحرك بنفس السرعة؟ قبل أن تُجيب بنعم أو لا، دعني أوضح لك الأمر:

إن المصطلحات والمفاهيم الفيزيائية يتم قياسها بصور مختلفة، فهنالك بعض المفاهيم والقيم التي يتم قياسها بالعدد فقط دون النظر لاتجاه القياس، مثل الطول، ولكن هنالك بعض المفاهيم التي يتطلب قياسها تحديد قيمة عددية تعكس قيمة فيزيائية مع ضرورة تحديد الاتجاه، مثل السرعة، لذلك فإن أي كمية فيزيائة تتميز بتواجد كمية مع اتجاه من الممكن أن نُطلق عليها شُعاع، وأفضل هيئة للشعاع هي السهم، فالسهم هنا طوله يُمثل السرعة مثلًا، واتجاهه يُمثل اتجاه الحركة.

قبل تمثيل حركة الأربع سيارات، لدينا مصطلحان رياضيان علينا أن نتطرّق إليهما: الأول هو المنحى، والمنحى هو عبارة عن مجموعة غير منتهية من المستقيمات المتوازية فيما بينها، وبالتالي فإن أي شعاعين متوازين يكون لهما نفس المنحى حتى وإن كان اتجاه حركتهما مختلف. المصطلح الثاني هو الشعاع، وهو عبارة عن مجموعة من النقط التي يُمكن أن تعبّر لنا عن سرعة تحرك الأجسام بدلالة طول الشعاع.

يمكننا تمثيل حركة السيارات، التي ذكرناها آنفًا والتي كل واحدة منها تتحرك في اتجاه مختلف عن الأخرى، بواسطة أربعة أشعة، كل منها يتحرك في اتجاه مختلف عن الآخر، وبالتالي كل واحد منهم له منحى مختلف عن الآخر. (شكل 1 )

إن كان هنالك سيارتين تتحركان في اتجاهين متضادين، فنقول أن هاتين السيارتين لهما نفس المنحى، ويتم تمثيلهما بواسطة شعاعين متوازيين، ولكن باتجاهين مختلفين. (شكل 2)

أما إذا كانت السيارتان تتحركان في نفس الاتجاه وبنفس السرعة، بالتالي يكون لهما نفس المنحى، ويمكننا التعبير عنهما بشعاع واحد فقط يمثل حركتهما معًا. وإن كانت السيارتان تتحركان في اتجاهين مختلفين فإن الشعاعين الممثلين لهما لا يكون لهما نفس المنحى لأن السرعة مختلفة.

ها قد وصلنا إلى النقطة الأهم التي ستجيبك بشكل كامل على السؤال الذي قمنا بذكره في الأعلى، هل حددنا المسافة التي سوف تقطعها كل سيارة بكل اتجاه؟ بالطبع لا، وبالتالي ستكون إجابة السؤال كلا، لا يمكننا الجزم بأن تلك السيارات تتحرك بنفس السرعة ولنفس المسافة، فربما قد تقطع إحداها مسافة أطول أو أقصر من الأخرى، ومن هنا يأتي اللغز.

ربما قد تتسائل ما فائدة تلك الأشعة وهي لم تضف أي جديد في فهم الحركة، ربما في الوقت الحالي يكون افتراضك صحيح، ولكن مع توارد الأسرار ومحاولتنا الحثيثة في فهم آلية عمل الأشياء، ستتضح لك أهمية تلك الأشعة، وكيف أنها تلعب دور جوهري في بعض أسرار الحركة.

عند محاولة تفسيرنا للحركة المستقيمة، استخدمنا الكثير من المفاهيم الفيزيائية مثل السرعة والقوة والتسارع، وإنها لمفاهيم عظيمة الفائدة عند ذكر الحركة في خط مستقيم، ولكن لا يمكننا تعميمها أواستخدامها عند محاولتنا لفهم الحركة في خط منحني، مع أن التعميم المُصطلحي في العلوم شائع جدًا، وإن كان لا بُد من تعميم لمصطلح ما، فعلينا أن نُعيد كل مفهوم مُعمّم إلى المفهوم الأولّي عندما تتحق الشروط اللازمة لذلك.

الخط المستقيم هو حالة خاصة من المنحنيات، وعلى هذا الأساس يُمكننا استخدام بعض المفاهيم التي نستخدمها في الخط المُستقيم عند دراسة الخط المُنحني، ولكن إذا أصبح الخط المُنحني خطًا مستقيمًا، يلزم علينا أن نُعيد تلك المفاهيم والقوانين لحالتها الأصلية وتجنب تعميمها.

ولنقم بمحاولة فهم كل مفهوم على حدى في إطار الخط المنحني، ولنبدأ بمفهوم السرعة الذي سنستدعي كل طرق الخيال الذهني لنحاول فهمه، وذلك بافتراض تواجد كرة ملساء تتحرك على خط مُنحني من اليسار إلى اليمين كما في الشكل المُبين،

وتتحرك تحت تأثير قوى خارجية، وعند عزل تلك القوى عن الكرة في لحظة معينة، تتحول الحركة من حركة على خط منحني إلى حركة منتظمة في خط مستقيم، وذلك وفقًا لقانون القصور الذاتي أو العطالة لغاليليو.

 

عند بداية حركة الكرة في اتجاه الخط المُستقيم، يتشكل شعاع مماس للمنحنى الذي كانت تتحرك عليه الكرة، ويُعبر طول الشعاع عن سرعة الكرة المُتحركة، هل يُذكرك ذلك بشيء؟ بالتأكيد! فإن ذلك يُذكرنا بمفهوم السرعة الذي قمنا بطرحه منذ قليل في إطار حديثنا عن الخط المُستقيم، ومن هنا يمكننا تعميم مفهوم السرعة من على الخط المُستقيم إلى السرعة على الخط المُنحني.

نتطرق لمفهوم آخر وهو التغير في السرعة أو التسارع، ونستطيع أن نوضح ذلك من خلال افتراض تغير اتجاه حركة الكرة عند موضعين مختلفين على الخط المُنحني، ونقوم برسم شعاع مماس للخط المُنحني كما فعلنا سابقًا، وكما عرفنا من قبل بأن الشعاع يُعبِّر عن سرعة الكرة في خط مستقيم، فعند قياس المسافة بين نهاية شعاعين لنقطتين مختلفتين سنقوم بمعرفة التغير في السرعة، وهو ما نعبر عنه بالتسارع.

ها قد وصلنا إلى آخر مفهوم وهو القوة، كل ما علينا فعله الآن هو أن نفترض رقميًا أن سرعة الكرة عند النقطة الأولى كانت 5 متر في الثانية، وعند النقطة الثانية كانت السرعة 7 مترفي الثانية، أي أن طول الشعاع الأول المماس للمنحني يساوى 5سم (افترضنا أن كل سم يعبر عن متر في الثانية من السرعة) والشعاع الثاني طوله 7متر، إذًا نحن بحاجة لقوة ما حتى نستطيع أن نجعل الشعاع الأول مساوي للشعاع الثاني، ومن هنا يُمكن تطبيق مفهوم القوى على الخط المُنحني.

سأخبرك بسر صغير هنا، إن كل ما سبق من تحليلات هو ما دفع اسحق نيوتن ولايبنيتز لاختراع علم التفاضل. وفي المرة القادمة سنحاول أن نستعرض الحركة في مدارات اهليجية.


المصدر