أعلنت حكومة المملكة المتحدة حديثًا تعاونها مع شركة «بيوإنتك» الألمانية لاختبار لقاحات السرطان والأمراض الأخرى، ويهدف المشروع إلى تصنيع دواء بالاعتماد على تقنية لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال، التي اشتهرت شركة «بيوإنتك» بتطويرها، وكانت ناجحة للغاية في الوقاية من الأمراض الخطيرة ومن الوفاة بسبب مرض كوفيد.

يهدف المشروع الجديد إلى تقديم 10,000 علاج متخصص «لكل شخص لقاحه الخاص» لمرضى المملكة المتحدة بحلول عام 2030، مع احتمال بدء التجارب العام الجاري.

حتى وقت قريب، كانت العلاجات الشائعة للسرطان هي الجراحة «استئصال الخلايا السرطانية»، والعلاج الإشعاعي «أقرب إلى حرق الخلايا السرطانية»، والعلاج الكيميائي «منع الخلايا السرطانية من الانقسام بقتلها مباشرة»، وقد عُرف هذا الأخير بآثاره الجانبية القوية المزعجة.

مع ذلك، شهدنا العقد الماضي ظهور علاجات أحدث مثل العلاج المناعي الذي يعمل عادةً بتثبيط المستقبلات «البروتينات التي تحمل أسماء مثل (CTLA-4) أو (PD1) أو (PDL1)» الموجودة على سطح الخلايا السرطانية.

يعرف جهاز المناعة لدينا كيفية محاربة السرطان بالضبط، لكن الخلايا السرطانية تستخدم هذه البروتينات لتعطيل جهاز المناعة، إذ يستطيع الجهاز المناعي التعرف على السرطان بوصفه عدوًا، وقتله بتثبيط هذه المستقبلات، مثل كشف تخفي لص متسلل «دخيل» ورفع العباءة عنه.

مع أن هذه الأدوية لها آثارها الجانبية الخاصة، فإنها عادةً ما تكون أقل حدة من العلاج الكيميائي، وعندما تبدأ عملها، قد تستمر عدة أشهر أو حتى سنوات.

منذ أكثر من عقد من الزمان، لاحظ العلماء أنها تتفاعل جيدًا، خاصةً مع الأورام الميلانينية، وهي نوع خبيث من سرطان الجلد. منذ ذلك الحين، رأى العلماء أنها تتفاعل أيضًا مع العديد من أنواع السرطان المختلفة، من سرطان الرئة إلى سرطان المثانة، ومن السرطانات التي تحوي الكثير من المستقبلات (PDL1) على سطحها إلى تلك التي تحوي العديد من الطفرات في حمضها النووي.

لكنها لا تتفاعل مع أنواع السرطان كلها، وقد لا تتفاعل على الإطلاق مع بعضها غالبًا، مثلها مثل أدوية السرطان الأخرى قد تتفاعل مؤقتًا، ثم تتوقف عن العمل نهائيًا.

النجاح الأخير مع لقاح السرطان بتقنية الرنا المرسال:

في ديسمبر 2022، أفادت شركات الأدوية مودرنا وميرك عن نتائج إيجابية مع لقاح شخصي مخصص للسرطان، وقد كان المرضى في التجربة الجارية حتى الآن في المرحلة الثالثة من سرطان الجلد، ما يعني أن السرطان قد انتشر إلى الغدد اللمفاوية بالقرب من موقع السرطان.

المسار الطبيعي للعلاج هو إجراء عملية جراحية لإزالة الورم والغدد اللمفاوية المحيطة، ثم إعطاء جرعات من عقار ضد المستقبل (PD1) «عادةً دواء كايترودا من شركة ميرك».

في النهج الجديد من اللقاح الشخصي، أخذ العلماء عينات من سرطان الجلد للمرضى، وعاينوا النكليوتيدات الموجودة في الحمضهم النووي، ثم أخذوا نحو 34 قطعة من أكثر أجزاء الحمض النووي تحورًا، التي تُسمى المستضدات المستحدثة، ووضعوها في شريط من الحمض النووي الريبوزي المرسال الذي يُعد «البرنامج»software) ) الموجود في الخلايا بين الحمض النووي «القرص الصلب» والبروتين «الأجهزة» (hardware)، ثم أُعطي المرضى هذا الحمض النووي الريبوزي المرسال بوصفه لقاحًا شخصيًا، إذ إن لكل شخص مستضدات مستحدثة مختلفة، من ثم سيتلقى كل شخص في الدراسة لقاحات مختلفة قليلًا، مع ما يصل إلى 34 طفرة مختلفة مشفرة في خيط واحد من الحمض النووي الريبوزي المرسال.

سبّب الحمض النووي الريبوزي المرسال جزءًا صغيرًا جدًا من السرطان داخل أجسام المرضى، تمامًا مثل لقاحات كوفيد «التي كان أساسها الحمض النووي الريبوزي المرسال»، وتفاعلت أجهزتهم المناعية ضده لحماية الجسم.

أظهرت النتائج أن لقاح السرطان الشخصي قلل من خطر عودة السرطان «أو الوفاة من السرطان» بنسبة 44%، مقارنةً بطريقة العلاج القياسية المتبعة «الجراحة ثم العلاج المناعي المضاد للمستقبلات (PD1)»، ولم تُلاحظ آثار جانبية إضافية أكثر من آثار العلاج المناعي الحالي.

مع أن هذه النتائج من المحتمل أن تغير كل شيء، فإن العلماء بحاجة إلى رؤية النتائج في سرطانات أخرى وفي تجارب أكبر أيضًا.

من الرائع أن إحدى أكبر الشركات المعتمدة على الحمض النووي الريبوزي المرسال وهي شركة «بيوإنتك» ستتعاون مع المملكة المتحدة لتطوير مركز أبحاث في كامبريدج، لدراسة هذه العلاجات، وإعطائها إلى عشرة آلاف مريض في صورة الخدمات الصحية الوطنية روتينيًا أو في التجارب.

عادةً ما يكون التقدم في الطب بطيئًا، لكن لقاح السرطان الجديد «شكل جديد من الطب الشخصي والموجه» قد يمثل قفزة هائلة، تمامًا مثل العلاجات المناعية الموجهة ضد المستقبلات (PD1) أو (PDL1).

اقرأ أيضًا:

لقاح الرنا قد يغير قواعد اللعبة بعد نجاح التجارب على سرطان الجلد!

لقاح الرنا قد يغير قواعد اللعبة بعد نجاح التجارب على سرطان الجلد!

ترجمة: يمام نضال دالي

تدقيق: هادية أحمد زكي

المصدر