قد يجد الشخص نفسه منهكًا بعد نهاية أسبوع طويل من العمل، وفجأة يبدأ بالبكاء بسبب إعلان تجاري لطيف للحفاضات! أو قد يصاب بنزلة برد أو فيروس كورونا، أو تجعله حقيقة أن الشريك قد استهلك الحليب كله يرغب في البكاء! قد يشعر الشخص بالحزن فعلًا لأنه مريض أو متعب، لكن لم هذه الدموع؟ لمَ لا يستطيع أن يتمالك نفسه؟

للدموع وظائف نفسية متعددة، تعمل الدموع مؤشرًا مرئيًا لحالتنا العاطفية الداخلية، إذ نبكي عندما نشعر بالحزن أو الفرح الشديد.

داخل أدمغتنا، تنشّط المشاعر القوية الجهاز العصبي اللاإرادي. يتكون هذا الجهاز من جزأين: الجملة العصبية الودية التي تنشّط استجابة القتال أو الهروب (أي حالة الاستنفار) عندما ندرك الخطر، والجملة العصبية اللاودية التي تعيد الجسم إلى حالة الهدوء.

تنشّط المشاعر القوية الجملة الودية من هذا النظام، لكن عندما نبكي تُنشَّط الجملة اللاودية، ما يجعلنا نشعر بتحسن.

ماذا يحدث عندما نكون مرهقين أو متعبين؟

لقد اعتدنا منذ الصغر على ضبط عواطفنا؛ إذ نمتنع عن التعبير عن مشاعرنا السلبية، مع وجود بعض الأوقات التي يسمح خلالها المجتمع بالتعبير عن مشاعرنا. مثلًا، لا بأس من البكاء في أثناء مشاهدة فيلم حزين، لكن البكاء في العمل يُعد غير مقبول.

تستجيب قشرة الفص الجبهي أو الجزء المفكر الهادئ من دماغنا للإشارات العاطفية الصادرة عن الجهاز العصبي اللاإرادي، ما يساعدنا على تنظيم الاستجابة العاطفية للتعامل مع عواطفنا على نحو خاضع للرقابة. تشبه قشرة الفص الجبهي المعالج الرئيسي للحاسوب، إذ تُدار المهام للحفاظ على عمل النظام جيدًا.

لسوء الحظ، كلما زاد إجهادنا وتعبنا أو عانينا الألم الجسدي أو العاطفي لفترات طويلة يبقى الجهاز الودي نشطًا، وتصبح قشرة الفص الجبهي مرتبكة، مثل حاسوب يحتوي على الكثير من البرامج التي تعمل جميعها في آن واحد.

يصبح الدماغ أقل قدرة على تنظيم عواطفنا كما يجب، ما يؤدي إلى استجابات عاطفية مرئية، مثل الدموع أو نوبات الغضب. قد لا ندرك حتى مدى شعورنا بالارتباك والإجهاد حتى تنهمر الدموع على وجوهنا بعد حادثة بسيطة على ما يبدو.

يبقى الجهاز العصبي الودي نشطًا عندما نكون متعبين أو مرضى، ما يربك مراكز التنظيم العاطفي لدينا.

يميل بعض الناس إلى البكاء أكثر من غيرهم. إذ تميل النساء إلى البكاء أكثر من الرجال، مع أن السبب غير واضح، فهل هي الجوانب البيولوجية أو توقعات المجتمع؟

الأشخاص الذين يسجلون درجات عالية في التعاطف أو العصبية في اختبارات السمات الشخصية هم غالبًا أكثر عرضة للبكاء.

قد يكون البكاء المفرط أيضًا مؤشرًا جسديًا على الاكتئاب، إذ يُغمر الدماغ بالألم العاطفي.

ما الهدف من الدموع؟

إلى جانب الأسباب النفسية، تؤدي الدموع أدوارًا اجتماعية. فمع أن المجتمع يرفض التعبير القوي عن المشاعر، فإن الدموع تساعد على إنشاء الروابط الاجتماعية والحفاظ عليها.

قد تكون الدموع بمثابة طلب المساعدة، إذ إنها تُظهِر للآخرين أننا لسنا بخير ونحتاج إلى الدعم. غالبًا ما تولد الدموع مشاعر التعاطف عند الآخرين، ما يساعدنا على التواصل معهم. قد تتساقط دموعنا أيضًا عندما نشعر بتعاطف عميق مع شخص آخر فنبكي معه، ما يعزز الروابط الاجتماعية.

إضافة إلى الأسباب النفسية والاجتماعية، توجد أيضًا أسباب جسدية للدموع. مثلًا، عندما نشعر بالتعب فإننا نحاول جاهدين لإبقاء أعيننا مفتوحة ما يؤدي إلى جفافها. تفرز أجسامنا الدموع للحلول دون هذا الجفاف، وتحافظ على رطوبة العينين كي نستطيع الرؤية بوضوح.

تُعد العيون الدامعة شائعة أيضًا في أمراض الجهاز التنفسي، مثل: البرد والإنفلونزا والإصابة بفيروس كورونا.

عندما يكون لدينا عدوى في الجسم، تتحرك كريات الدم البيضاء لمحاربة العامل الممرض. قد تؤدي كريات الدم البيضاء الزائدة هذه إلى التهاب الأوعية الدموية في العين، وبذلك تنسدّ قنوات العين، ما يؤدي إلى البكاء.

الخلاصة، الدموع شيء طبيعي عند الإنسان، خاصة مع الضغوط التي جلبتها السنوات القليلة الماضية. وأحيانًا لا يوجد شيء أفضل من البكاء لتخفيف المشاعر الفائضة، لكن إذا وجد الشخص نفسه يبكي كثيرًا، فقد يكون التحدث إلى الطبيب حول الأسباب الجسدية أو النفسية المحتملة مفيدًا.

اقرأ أيضًا:

لماذا نبكي ونذرف الدموع؟

دموع الألم ودموع الفرح، هل البكاء أمر صحي؟

ترجمة: تيماء الخطيب

تدقيق: عبد المنعم الحسين

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر