يؤدي حرق النفايات في العراء إلى إطلاق العديد من السموم، مثل الديوكسينات والأحماض وثاني أكسيد الكبريت والزئبق وثنائي الفينيل متعدد الكلور (BCPs) والمعادن الثقيلة، التي قد يكون لها تأثيرات طويلة الأمد في نظامنا البيئي عبر إتلاف الغطاء النباتي، إضافةً إلى ضررها المُثبت على صحة الإنسان.

«نعيش على هذا الكوكب كما لو كان لدينا كوكب آخر نذهب إليه» (تيري سويرينجين).

تصف هذه العبارة مأزقنا الحالي مع تراكم النفايات بدقة، فهي تلوّث المحيطات، وتدمر النظام البيئي، وتجعل كوكبنا الأزرق الجميل أكثر تلوثًا يومًا بعد يوم. إن النفايات -التي ننتجها دون توقف ولا نجد مكانًا لها- تؤثر في حياتنا بوتيرة لا تُصدّق.

لماذا لا نتخلص منها إذن، مادامت تسبب لنا كل هذه المشكلات؟ لماذا لا نحرقها ببساطة، أو ندفنها تحت الأرض، أو نعيد استخدامها؟ للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نحدد بالضبط: ما هي النفايات؟

يمكن تصنيف النفايات إلى فئتين رئيسيتين: نفايات طبيعية ونفايات صناعية (من صنع الإنسان).

1- كل ما تقدمه لنا الأرض يُعَد جزءًا من النفايات الطبيعية. كالخشب والمطاط وبقايا النباتات والزهور وأوراق الشجر وغيرها. ولا تكتفي الطبيعة بمنحنا كل هذه العطايا، بل تجد طريقةً للتخلص من مخلفاتها وإعادة تدويرها بفضل الميكروبات! إذ تُحلّل كل أنواع النفايات العضوية وتعيدها إلى مكوناتها البسيطة لتمتصها الطبيعة ذاتها ثانيةً. أليس هذا مُذهلًا؟

2- النفايات الصناعية: هي المخلفات الناتجة عن كل ما صنعه الإنسان، مثل النفايات البلاستيكية والعبوات المعدنية والنفايات الإلكترونية والأقلام والورق، إلخ. وهي تضم مكونات عضوية (كربونية) ومكونات غير عضوية. يشكل البلاستيك النسبة الأكبر من النفايات الصناعية، ويُعَد المشكلة الرئيسية التي تؤرق البشرية في وقتنا الحاضر. يقود التلوث البلاستيكي العالم بأسره إلى الجنون. لكن لماذا؟

ما المواد البلاستيكية؟ ولماذا نعدّها مشكلة؟

يتكون البلاستيك من بوليمرات، وهي سلاسل طويلة من ذرات أو جزيئات تُسمى مونومرات. تشمل هذه المونومرات الكربون والهيدروجين والأكسجين والنيتروجين والكبريت. أصبح البلاستيك جزءًا أساسيًّا من حياتنا لدرجة استحالة الاستغناء عنه. فالعلكة التي نمضغها تحتوي على البلاستيك، وعلب الصودا فيها طبقة بلاستيكية تبطن الألومنيوم لمنع التآكل، حتى أكياس الشاي والأكواب الورقية وأدوات المائدة القابلة للتحلل لا تخلو من البلاستيك. يتوقع بعض العلماء أن المحيط -المصدر الرئيسي لملح الطعام- يمتلئ بالمواد البلاستيكية الدقيقة، ما يعني أن ملح الطعام الذي نتناوله جميعًا قد يكون ملوثًا أيضًا بالبلاستيك.

البلاستيك قابل للتمدد، ما يعني إمكانية تشكيله بسهولة، وهو مقاوم للماء وله قوة شد عالية إضافةً إلى خصائصه الأخرى، التي جعلته منتشرًا ومُستخدمًا في كل مجالات الحياة. وهذه الخصائص نفسها هي ما تجعل البلاستيك مادةً ضارة يصعب التخلص منها.

إن البلاستيك غير قابل للتحلل، أي أن الميكروبات لا تستطيع تفكيكه أو امتصاصه. لهذا فهو لا يدخل ضمن أي عملية إعادة تدوير طبيعية، ويبقى في البيئة إلى الأبد، طافيًا في المحيطات، فتظنه الحيوانات والطيور طعامًا، ويتراكم في مدافن النفايات. يتوقع الباحثون أنه بحلول عام 2050، سيكون البلاستيك في المحيطات أكثر من الأسماك!

ورغم أن مشكلة النفايات البلاستيكية تحظى بالكثير من الاهتمام، ما زالت النفايات الصناعية والعضوية الأخرى تشكّل تحدّيًا يجب حله أيضًا.

لماذا لا نحرق كل النفايات؟

سيؤدي حرق البلاستيك في الهواء الطلق إلى انطلاق العديد من الغازات السامة إلى الغلاف الجوي، متضمنةً الغازات الدفيئة، ويخلف بقايا صلبة هي رماد سام ملوث بالديوكسينات والأحماض وثاني أكسيد الكبريت والزئبق وثنائي الفينيل متعدد الكلور (BCPS)، وهي مواد ستترك تأثيرًا طويل الأمد في نظامنا البيئي والغطاء النباتي، وثبت أيضًا أن لها تأثيرات سلبية في صحة الإنسان.

يطلق حرق البلاستيك في العراء الكثير من الغازات السامة

يطلق حرق البلاستيك في العراء الكثير من الغازات السامة

أما حرق البلاستيك في بيئة مغلقة (الترميد)، حيث يحترق البلاستيك ويولّد ما يكفي من الحرارة والبخار لتشغيل التوربينات لتوليد الكهرباء، فينتج عنه مادتان هما الرماد والدخان، وكلاهما خطير إذ يسبب مشكلات في الجهاز التنفسي والسرطان. تستخدم المحارق الحديثة الفلاتر الميكانيكية والمُرسِّبات والتسخين الشديد، لمنع السموم المنبعثة من التسرب إلى الغلاف الجوي.

سيشكل الغاز المنبعث من حرق النفايات ضغطًا على إطار البيئة المغلقة، وقد يتفاعل في وجود ظروف مواتية. أيضًا فإن وجود إمكانية للتخلص من البلاستيك بهذه الطريقة سيشجع على إنتاج المزيد منه. ما يجعله حلًّا غير قابل للتطبيق.

يسبب التخلص من المنتجات الثانوية بعد حرق القمامة مشكلات أكبر من القمامة نفسها، إذ يلوث الرماد الصلب المسطحات المائية والنظم البيئية الطبيعية. قد يساعدنا حرق النفايات على التخلص منها، لكنه لن يحلّ المشكلة الأساسية (التلوث)، ولن يقلل من إنتاجها.

إذن ما الحل الأنسب للمشكلة؟

تُعَد السويد من أنجح الدول في إدارة النفايات. إذ تحرق نحو نصف نفاياتها في محطات تحويل النفايات إلى طاقة كهربية، وتعيد تدوير النصف الآخر، وينتهي 1% فقط من نفاياتها في مكب النفايات. هذه العمليات فعالة جدًّا لدرجة أن جزءًا كبيرًا من طاقة السويد يأتي من حرق القمامة!

تنتج هذه المحطات غازًا سامًّا يسمى غاز المداخن وتخلف الرماد، لكن محطات تحويل النفايات إلى طاقة هي المستقبَل، لأن فرص رشح المواد السامة الناتجة عنها ضئيلة جدًّا، والبصمة الكربونية لهذه المحطات ضئيلة أيضًا.

ومع هذا، فإن لاستخدام هذه المحطات جوانب سلبية، لأن أكثر نفاياتها عضوية، أي تحتوي على نواتج كربونية أساسًا، فيؤدي حرقها إلى انبعاث الغازات الدفيئة بوفرة. وتتطلب هذه المحطات إمدادًا مستمرًا بالنفايات لتعمل، ويُعَد بناؤها مكلفًا وكذلك صيانتها، ولها آثار غير مضمونة على المدى البعيد.

تلجأ أكثر البلدان إلى إعادة تدوير النفايات، لكن هذه العملية لها قيودها أيضًا، إذ لا يمكن إعادة تدوير جميع أنواع النفايات البلاستيكية. أيضًا فإن الاكتفاء برمي القمامة في مكبات النفايات أرخص وأقل كلفةً من إعادة تدويرها.

مخطط مبسط لتوضيح عملية تحويل النفايات إلى طاقة

مخطط مبسط لتوضيح عملية تحويل النفايات إلى طاقة

التعاون للحد من النفايات البلاستيكية:

تبذل أكثر دول العالم قصارى جهدها للحد من النفايات البلاستيكية، وتتعاون شركات البتروكيماويات في سبيل إنهاء استخدام البلاستيك بحلول عام 2050. وتسعى أيضًا إلى تحويل البلاستيك إلى طاقة، ومن ثم التخلص من آثاره بالكامل، وقد أثارت هذه المساعي الجدل، إذ يزعم البعض أن هذه الشركات تريد إنتاج الطاقة من البلاستيك لتشجع على تصنيع المزيد منه، ما يزيد الطلب على الوقود الأحفوري ويحقق الربح لصناعتها.

يتعارض هذا مع الاقتصاد الدائري، الذي يهدف إلى تقليل الهدر وتعزيز الاستخدام المستمر لمصادر الطاقة المتجددة حتى لا تفقد المنتجات قيمتها الكامنة.

مخطط يوضح جهود الاقتصاد الدائري

مخطط يوضح جهود الاقتصاد الدائري

يقول روب أوبسومر من مؤسسة إلين مكارثر التي تروج للاقتصاد الدائري: «عندما تستخرج الوقود الأحفوري من الأرض، لتصنع منه البلاستيك، ثم تحرق البلاستيك لإنتاج الطاقة، فليس هذا تدويرًا للموارد بل استهلاكها ضمن خط مستقيم».

نتخلص حاليًا من المواد البلاستيكية من طريق عمليات مثل التحلل الحراري والتحويل إلى غاز، التي تحلّل البلاستيك وتحرقه في غياب الأكسجين، ومن ثم تمنع تكون الديوكسينات. وينتج التحلل الحراري للنفايات البلاستيكية الديزل والقليل من ثاني أكسيد الكربون. لكن البعض ينتقد ذلك لأن التحلل الحراري عملية مُكلفة وغير فعالة، ولأن إنتاج الديزل من الوقود الأحفوري أرخص من إنتاجه من النفايات البلاستيكية.

الخلاصة:

كل هذا النقاش عن النفايات والمواد البلاستيكية، يجعلنا ندرك أن الحل الأنسب للحد من النفايات هو تقليل الاستهلاك. فكلما استهلكنا البلاستيك والمنتجات الأخرى استهلاكًا غير مسؤول، ازدادت مشكلة التخلص من النفايات تعقيدًا في المستقبل. إن البلاستيك هو أحد أهم اختراعات البشرية، لكن كل اختراع له مساوئه. يجب أن نطوّر من أنفسنا باستمرار، وأن نتعاون لإيجاد طريقة لمواجهة هذه المشكلة. ومن يعلم؟ قد ننجح فعلًا في إنقاذ كوكبنا.

اقرأ أيضًا:

نفايات قوم عند قوم فوائد – التجربة السويدية بإعادة تدوير النفايات :

ما معنى تدوير النفايات الإلكترونية ؟

ترجمة: أماني مرشد

تدقيق: وئام سليمان

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر