ينبع الخوف من الظلام من غريزة طبيعية تهدف إلى حماية الذات من المجهول، لكنه قد يتحول في بعض الحالات إلى رهاب مفرط يعرف طبيًا باسم رهاب الظلام، أي الخوف الشديد وغير العقلاني من الظلام والوجود في الأماكن المظلمة.

شخص واحد من كل تسعة بالغين في الولايات المتحدة قد يصاب بنوبة هلع بسبب رهاب الظلام. أكثر من 70% من الناس لديهم خوف غير عقلاني من شيء ما.

لكن –بحكم التعريف- يختلف الخوف غير المبرر من شيء ما عن الرهاب، إذ إن الرهاب قد يؤثر سلبًا في حياة المصابين به. ويجب أن يكون الخوف غير منطقي أو مبالغًا فيه إلى حد بعيد حتى يُسمى الخوف رهابًا.

مثلًا، رهاب الثعابين أو الأفيديوفوبيا: إذا كنت تعيش في بيئة لا يوجد فيها ثعابين، فمن المحتمل ألا تشعر بالخوف منها. لكن إذا انتقلت إلى بيئة حيث تنتشر الثعابين بكثرة وشعرت بالذعر أو حتى توقفت عن ممارسة حياتك طبيعيًا خشية مواجهة الثعابين، فإنك استوفيت معايير رهاب الثعابين.

على هذا فإن عدد الأشخاص الذين يعانون الرهاب القابل للتشخيص أقل بكثير من 70%.

يختلف الانتشار قليلًا بين الدراسات، يقترح البعض أن ما لا يقل عن 3% من السكان يستوفون معايير تشخيص الرهاب، في حين تظهر دراسات أخرى أن النسبة قد تصل إلى 24% من السكان، وبحساب المتوسط فإن نحو 7% من السكان قد يعانون رهابًا حقيقيًا في مرحلة ما من حياتهم، مع انتشار الحالة بين النساء أكثر من الرجال، أما في حالة سكان دول شرق آسيا فقد تبين أنهم أقل عرضة للإصابة بأحد أنواع الرهاب.

لماذا نخاف؟

كان أسلافنا قديمًا يهربون من الحيوانات المفترسة الجائعة، ولو لم يهربوا وينجوا بحياتهم لما عاشوا طويلًا ليصبحوا أسلافنا.

لكن الرهاب مختلف، عمومًا لا تدعم الأبحاث فكرة أننا نخشى أشياء معينة لأن ذلك مفيد من الناحية التطورية.

الجمع بين قدرتنا على التعرف على الخطر وعلم الوراثة والأحداث التي تعلمنا عن الأذى، مثل فيلم للأطفال مع ساحرة شريرة ترتدي ملابس سوداء وتلقي تعاويذ في الليل وتعرض الأميرات للأذى من تلك التعويذات، كان بمثابة تأسيس لفكرة الرهاب.

بعبارة أخرى، نحن نكرس الرهاب لدينا، على الأقل جزئيًا. الكثير من الخوف غير العقلاني هو وراثي. لكننا لا نعرف هل نخاف العناكب مثلًا لأننا ورثنا الرهاب عبر جينات آبائنا، أو لمجرد مشاهدتنا لردات فعل آبائنا تجاه هذه المخلوقات مرارًا وتكرارًا؟

غالبًا ما يمثل نموذج الآباء الذين يفرطون في حماية أطفالهم نموذجًا سيئًا، إذ غالبًا ما يستجيبون لسلوك أطفالهم عبر التجنب، مثل النوم إلى جانب الطفل كل ليلة لأنه يخشى الظلام.

قد تكون نيتهم إظهار الحب لأطفالهم وأنهم يريدون حمايتهم، لكنهم بذلك يعلمونهم بغير قصد أن الظلام آمن فقط عندما يكونون موجودين معهم.

بحكم التعريف، فإن الرهاب غير عقلاني، مع أنه شعور حقيقي بالتهديد. لكن من الصعب إقناع الشخص المصاب بالرهاب بذلك. مثل شخص يخشى حمل الصراصير المطاطية رغم معرفته بأنها مزيفة، لكن عقله يواجه صعوبة في الاقتناع بذلك.

يجد الناس الظلام مخيفًا لأنه يزيل إحدى حواسنا، ومن ثم يترك شعورًا بعدم الارتياح، لأن التخلي عن الإبصار يجعل من السهل تخيل الأشياء، لذلك عندما يحل الليل أو ندخل غرفةً مظلمة قد يبدأ عقلنا على الفور بتخيل أشياء لم نكن نتخيلها قبل بضع دقائق فقط، وغالبًا ما تكون هذه الأشياء مخيفة.

أيضًا من المحتمل أن يكون بعض أنواع الرهاب نتيجة للتكيف، ففي بعض البلدان حيث من الشائع أن ينام الأطفال بمفردهم، يمكن ربط الظلام بمشاعر الانفصال عند الأطفال الصغار، إن الربط بين الوحدة والظلام قد يدفع الأطفال إلى الظن بأن الظلام هو المشكلة.

إضافةً إلى دور القصص والبرامج التلفزيونية والأفلام في توصيل رسائل تضر بالناس، مثل ربط ظهور الوحوش والأشباح والمجرمين بحلول الظلام، أي أننا نتعلم ربط هذه الأفكار المثيرة للقلق بالظلام منذ صغرنا.

كيف نتغلب على رهاب الظلام؟

إن إبقاء الأضواء مضاءة 24 ساعة في اليوم بالتأكيد ليس الحل. مع أن العلاج الجذري للرهاب لن يعجب المصابين برهاب الظلام، فإن العلاج النوعي للتخلص من الخوف هو العلاج بالتعرض.

بعبارة أخرى، عليك أن تواجه خوفك. يشمل علاج التعرض مواجهة المحفزات المخيفة بطريقة غير خطيرة، والتعلم المباشر أن الحافز لا يدعو إلى الخوف.

يعني ذلك الذهاب إلى غرف مظلمة والبقاء وحيدًا في الليل وتكرار هذا عدة مرات، حتى يقتنع المصاب برهاب الظلام أن الظلام ليس خطيرًا.

يمكن بدء العلاج بالدخول إلى الغرف خافتة الإضاءة مثلًا وليست مظلمة بالكامل. لكن من المهم أيضًا قبل بدء العلاج أن يسأل المصابون بالرهاب أنفسهم دائمًا ما الذي يظنون أنه سيحدث؟ وكيف يحدث؟ وإذا حدث شيء ما، كيف سيتصرفون؟

يساعد التساؤل مرضى الرهاب على التركيز على ما يحتاجون إلى تعلمه في أثناء العلاج بالتعرض. من المهم أن نجعلهم يعلمون أن عليهم استغلال كل فرصة لديهم لمواجهة الظلام لتحقيق النجاح الحقيقي في العلاج.

اقرأ أيضًا:

هل يخشى طفلك الظلام؟ إليك ما يجب فعله

لماذا نخاف من الظلام ؟

ترجمة: تيماء القلعاني

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: باسل حميدي

المصدر