سؤال يراود المطلعين على علوم الفلك والجاذبية وخصائص الضوء، لماذا يؤثر الثقب الأسود في الضوء مع أنه عديم الكتلة؟

قد يجد هؤلاء بعض التفسيرات المنطقية حسب فهمهم، وسعيًا منهم لفهم أدق لتفاصيل الكون، فإنهم يدرسون الضوء والجاذبية لما لهما من أثر كبير في الكون، لكن التفاعل بينهما ليس بالأمر الهين.

في هذا المقال سنوضح العلاقة بينهما فيزيائيًا.

كثيرًا ما نشبّه الثقوب السوداء بمكانس تمتص مجرات كاملة وأي شيء آخر ذي كتلة، ومن المعروف أن لا مفر من جاذبية الثقوب السوداء.

لكن تظهر مفارقة عندما يتعلق الأمر بالضوء، إذ إنه مكوَن من فوتونات عديمة الكتلة. الفوتون أسرع شيء في الكون، إذ يتحرك بسرعة 300,000 كيلومتر في الثانية.

لكن إن كان الضوء لا يملك كتلة، فكيف تؤثر الثقوب السوداء فيه؟

حركة الضوء: النظرية النسبية لأينشتاين

أحد أهم اكتشافات القرن العشرين، وأحد الأعمدة الأساسية لنظرية النسبية هي سرعة الضوء، نحو 300,000 كيلومتر في الثانية.

المثير للاهتمام أن هذه السرعة ثابتة كونيًا، ما يعني أن الضوء لا يتحرك أسرع أو أبطأ من ذلك، وإن كان المراقب أو مصدر الضوء متحركًا.

ثبات سرعة الضوء بالنسبة إلى الراصد، على خلاف الظواهر المرئية الأخرى والأجسام في الكون، جعل الضوء مميزًا جدًا عند علماء الفلك.

استخدم أينشتاين ذلك في نظرية النسبية الخاصة افتراضًا مقبولًا، ما ساعده على بناء أفكاره عن هندسة الزمكان، وكيف يتحرك الزمن بناءً على عوامل مرتبطة بالجاذبية والسرعة.

قلب أينشتاين الموازين حين طرح أفكارًا معارضة لتعريف نيوتن التقليدي للجاذبية، فكان فيصلًا بين الفيزياء القديمة والحديثة.

بدلًا من تعريف نيوتن للجاذبية بأنها قوى تجاذب بين جسمين يملكان كتلة، اقترح أينشتاين أن الجاذبية هي تشوه في نسيج الزمكان.

عند رمي كرة بيسبول، فإنها تسقط على الأرض بانحناء طفيف. يرى أينشتاين أن هذا لا يمثل قوى الجاذبية بين جسمين كما وصفها نيوتن. بل إنه عند تشويه الشكل الهندسي للزمكان بين جسمين، فإن هذا المسار الجديد هو في الواقع خط مستقيم.

نفس الشيء يحدث للضوء، مع أنّه لا يملك كتلة، فعندما يمر الضوء بجانب ثقب أسود، فإنه ينحرف في هذا الخط المستقيم للزمكان، ولا تزيد السرعة على خلاف الأجسام ذات الكتلة، لأن سرعة الضوء ثابت كوني.

لكن تردد الموجة الضوئية يتغير بسبب التشوه الهندسي للزمكان، ما يغير من لون الضوء الذي نراه. تسمى هذه الظاهرة أثر الانزياح الأحمر أو الأزرق الجذبوي.

يتأثر اللون المنبعث واللون المراقَب بانزياح الضوء عبر الطيف المرئي، فيكون أقرب إلى الأزرق (طول موجة أقصر) أو إلى الأحمر (طول موجة أكبر).

الضوء والثقوب السوداء

تحدثنا عن الضوء وكيف أن ألوانه تتأثر بآبار الجاذبية والمرور بجانب الثقوب السوداء، لكن ماذا عن الحدث الرئيس؟

يُقال إن الثقوب السوداء تملك جاذبية قوية، حتى أن الضوء لا يستطيع الهروب منها، لكن هذا يناقض ما نعرفه حتى الآن، إذ إن الضوء لا يغير من سرعته، فكيف يخضع لثقب أسود؟

الثقوب السوداء فريدة من نوعها، لأنّها تملك ما يسمى أفق الحدث. بعد هذه النقطة لا تستطيع المادة أن تهرب من سحب الثقب الأسود.

مع فهمنا لانزياح الضوء إلى الأحمر أو الأزرق، إضافةً إلى تشوه الزمكان بالقرب من الأجسام ضخمة الكتلة، بدأنا نفهم ماذا يحدث للضوء.

كلما اقترب الضوء من أفق الحدث، ازداد انحناؤه بسبب تشوه الزمكان.

كيف يتأثر الضوء بالجاذبية رغم انعدام كتلته؟

وفقًا للنسبية العامة، فإن أي جسم ذي كتلة عالية يشوه نسيج الزمكان حوله. ولما كان الفوتون يسلك أقصر مسار بين نقطتين، يظهر الضوء منحنيًا عندما يمر عبر منطقة الزمكان المشوهة حول جسم ضخم.

ما يعني أن الجاذبية لا تسبب انحناء الضوء مباشرةً بالتأثير في حركة الفوتونات، بل إن الزمكان حول جسم ضخم -مثل الثقب الأسود- مشوه، والضوء يسلك أقصر طريق -منحنيًا قليلًا- ما يجعل الأمر يبدو كأن الثقب الأسود يؤثر في حركة الضوء.

عند أفق الحدث ينحني الزمكان، لهذا لا يستطيع الضوء الهروب من الثقب الأسود.

اقرأ أيضًا:

إثبات نظرية ستيفن هوكينج الشهيرة عن الثقوب السوداء

نتائج أولية تمكننا من قياس حجم الكون

ترجمة: يمان عجاج

تدقيق: تسنيم الطيبي

المصدر