أظهرت دراسة حديثة أُجريت سنة 2021 ونُشرت في جريدة جاما المختصة في طب الأطفال، أن مادة رباعي هيدرو كانابينول، المادة ذات التأثير النفسي في مخدر الماريجوانا، تبقى بمستويات قابلة للكشف في حليب الثدي عدة أسابيع.

وفقًا لهذه الدراسة، يبلغ عمر النصف لهذه المادة في حليب الثدي ما يقارب 17 يومًا، وقد يبلغ 6 أسابيع.

تقول إيريكا ويمور، وهي طبيبة وأستاذة مساعدة في طب الأطفال وحديثي الولادة في جامعة كولورادو: «من الضروري التوقف عن تعاطي الماريجوانا في الفترة الأولى من الحمل وما بعد الولادة، وذلك للحد من آثار هذه المادة في تطور أدمغة الأجنة، والتشجيع على الإرضاع الطبيعي الآمن. تشير هذه المستويات القابلة للكشف إلى أن أي استخدام لهذه المادة قد يكون مقلقًا، ونتمنى لو أننا نملك المزيد من المعلومات حول الآثار المحتملة في النمو الإدراكي العصبي للأطفال، لكن ما يمكننا فعله الآن هو التشجيع على إيقاف تناول الماريجوانا في فترة الحمل وما قبله، وفترة الإرضاع الطبيعي، وفقًا للإرشادات العامة».

دعمت هذه النتائج الإرشادات المقترحة من منظمات أمريكية كثيرة، مثل الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال والكلية الأمريكية لطب النساء والتوليد. جميعها تتفق على ضرورة امتناع الأمهات عن تناول هذه المادة.

في الواقع، تتناول العديد من النساء الماريجوانا خلال الحمل. إن هذا الميل لتناول الماريجوانا -مع النظر إلى نتائج هذه الدراسة- دفع الباحثين لتحديد هل على النساء الامتناع عن الإرضاع الطبيعي حتى زوال هذه المادة من الحليب؟ لكن هذه المقترحات مرفوضة وغير منطقية، خاصةً من الأمهات الملتزمات بالإرضاع الطبيعي.

لهذا يحذر الأطباء الحوامل والمرضعات من الماريجوانا - هل يجب التوقف عن تعاطي الماريغوانا في الفترة الأولى من الحمل وبعد الولادة - الماريجوانا خلال الحمل مع ذلك، لا يتشارك جميع الباحثين القناعات ذاتها في هذا الخصوص. يقول توماس هيل، الاختصاصي في صيدلة حديثي الولادة وأستاذ طب الاطفال في جامعة تكساس التقنية في لوبوك، إن دراسة سابقة قد أظهرت أن مستويات رباعي هيدرو كانابينول بلغت ذروتها في غضون 60 دقيقةً، وذلك عند استنشاق جرعة متوسطة من الماريجوانا، ثم انخفضت إلى مستويات منخفضة جدًا خلال 4 ساعات.

يقول البروفيسور هيل: «بذلك نرى أن إيجابية اختبار تعاطي الماريجوانا عند الأم لا يعني بالضرورة انتقال هذه المادة بجرعة عالية إلى رضيعها».

أكد البروفيسور هيل أهمية الموازنة بين مخاطر هذه المادة ومخاطر الامتناع عن الإرضاع الطبيعي. يقول هيل: «جميعنا يحذر النساء من تناول أي شكل من أشكال مادة القنب خلال الحمل والإرضاع، لكن يجب أخد الكثير من العوامل في الحسبان عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرار حول إيقاف الإرضاع عند أم لديها اختبار مخدرات إيجابي».

أجرت ويمور اختبار مخدرات على 394 امرأةً ممن أنجبن بين أكتوبر 2016 ويونيو 2019. اختير من بينهن 25 امرأةً لإجراء الدراسة. 12 منهن لم يتناولن الماريجوانا خلال فترة الحمل والإرضاع، وكانت النساء اللاتي تناولن الماريجوانا أصغر سنًا من سائر العينة، وكنّ أقل احتمالًا للالتحاق بالجامعة بمعدل 23% مقارنةً بمن امتنعن عن الماريجوانا (58%).

ومع أن مستويات رباعي هيدرو كانابينول قابلة للكشف في حليب الإرضاع، أشار هيل إلى أن هذه المستويات منخفضة للغاية. وأضاف: «هنا يجيب تقييم الخطورة، تثير مركبات القنب الشكوك بهذا الخصوص في الوقت الراهن، وسنحتاج إلى المزيد من الوقت والكثير من الأبحاث لنكون قادرين على توقع أي مخاطر غير مرغوب بها».

أبدت ويمور اعتراضًا، إذ كانت مستويات رباعي هيدرو كانابينول منخفضةً فقط عند النساء اللاتي توقفن عن تناول الماريجوانا، وأوضحت أن قلقها لا يتعلق فقط بتراكيز هذه المادة في حليب الثدي، بل على الآثار الصحية في الأطفال خلال الحمل والإرضاع. يصعّب رأي هيل قرار الاختصاصين بهذا الخصوص، خاصةً أن اقتراحاته تخالف الإرشادات العالمية.

في الواقع، تعترف ويمور والكثير من الباحثين الآخرين بأن المعضلة تكمن في حقيقة أن حليب الثدي يحمل فوائد مهمة لصحة الرضيع. تقول إيمي هير، أستاذ مساعد في طب الأطفال وحديثي الولادة في جامعة بيلور في هيوستن، غير المشاركة في الدراسة: «يجب أخذ المقارنة بين مخاطر تعرض الرضيع للماريغوانا وبين فوائد الرضاعة الطبيعية في الحسبان. من غير المنطقي -وفقًا لما تقترحه الدراسة- منع الأمهات من الإرضاع مدة 6 أسابيع».

مع ذلك، وصفت هير نتائج الدراسة بأنها مقلقة، وأضافت أن إضفاء الشرعية على استخدام الماريجوانا أعطى الكثير من الناس انطباعًا أنه من الآمن استخدامها حتى في أثناء الحمل والإرضاع. وأضافت: «مع ذلك تركز هذه الدراسات على المخاطر المحتملة على نمو وتطور الدماغ لدى الرضع الذين تستخدم أمهاتهم الماريجوانا خلال الحمل والإرضاع».

تؤكد ويمور أهمية المراكز الخاصة بالماريجوانا في تقديم النصائح للنساء حول المخاطر المحتملة لاستهلاكها خلال الحمل. وكذلك الحال في كندا، إذ إن الماريجوانا قانونية للاستهلاك الترفيهي والطبي منذ 2018، وأكثر من 90% من المنافذ -ثلثيها في الجانب الأمريكي- تنصح النساء بالامتناع عن استهلاك الماريجوانا خلال الحمل أو الإرضاع، حتى في حالات الغثيان. وقالت: «هذه هي الأماكن التي تحصل الكثير من النساء على المعلومات عن منتجات القنب منها. لقد تعلمنا من دروسنا السابقة مع الكحول، ولا نريد تكرار نفس الخطأ مع الماريجوانا».

اقرأ أيضًا:

هل تخفف الرضاعة الطبيعية من خطر الإصابة بسرطان الثدي؟ هذا ما يقوله العلم

الرضاعة الطبيعية تقلل خطر الإصابة بسرطان المبيض

ترجمة: محمد أديب قناديل

تدقيق: لبنى حمزة

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر