ماهو شكل الإلكترون ؟ إذا استرجعت في ذاكرتك ما تعلمته عن الإلكترونات في مدرستك، تتوارد إلى ذاكرتك صورته على هيئة كرة صغيرة ذات شحنة سالبة وأصغر من الذرة ذت عزم يساوي النصف ، ولكن في الحقيقة هذا الأمر عارٍ تمامًا عن الصحة . يُعد الإلكترون أحد المكونات الأساسية للذرات التي تشكل العالم المحيط بنا، ويلعب دورًا هامًا في تحديد نوع التفاعلات الكيميائية التي تشارك بها هذه الذرة، واستخداماته الصناعية وفيرة للغاية، بدايةً من صناعة الإلكترونيات إلى اللحام والتصوير المغناطيسي بالإضافة إلى استخدامها الهام في مُسرعات الجسيمات الفائقة، ومساهمتها في الكشف عن الجسيمات الفيزيائية . مؤخرًا وبعد إجراء تجارب فيزيائية عملية وخصوصًا تجربة (إلكترون الجُزيء فائق البرودة – ACME)، التي وضعت الإلكترون في مركز الاهتمامات العلمية الحالية، وكان الهدف الرئيسي من هذه التجربة هو الإجابة عن السؤال، ما هو شكل الإلكترون ؟

– الأشكال الكلاسيكية والكمية:

يتداول العلماء منذ زمن بعيد معلومة أن الإلكترون لا يملك أية بنية أو تركيب داخلي، وبالتالي ليس لديه شكل. ولكن وفق اللغة الحديثة لفيزياء الجسيمات ، التي تُعالج في الأساس وتتعامل مع سلوكيات الجسيمات الأصغر من نواة الذرة، تشبه المكونات الأساسية للمادة السوائل شديدة اللزوجة وكأنها ليست جُسيمات بل حقولًا كمومية، وهذه المكونات أو الجسيمات الأساسية تملأ العالم من حولنا.

الإلكترون

الإلكترون

ومن هذه اللغة الجديدة لفيزياء الجسيمات والأفكار المتطورة، نستنتج أن الإلكترون يُنظر إليه على أنه جُسيم المجال الكمي المُحيط به، ولكن من كل هذا، هل لنا أن نتحدث عن شكل الإلكترون، بينما لم نستطع أن نرصده أو نتمكن من رؤيته بواسطة الميكروسكوبات؟ أم أن هناك أجهزة وأدوات أخرى يتم استخدامها؟

وللإجابة عن هذا السؤال علينا أن نُعيد تعريفنا للشكل ليتواءم مع قوانين ميكانيكا الكم والمسافات الصغيرة أو بشكل أدق مع العالم الميكروسكوبي، فمشاهدة أشكال مختلفة في عالمنا المرئي بأعيننا معناه أننا قد استقبلنا الأشعة المنعكسة من الأجسام الموجودة حولنا. فالأمر ببساطة هو أننا نستطيع أن نحدد الأشكال في عالمنا المرئي بعد تسليط الضوء عليها، وقد يكون الموضوع غريبًا، ولكن يُمكننا الاستفادة من هذه التقنية على مستوى الجسيمات الكمية، فمن الممكن أن نتعرف على أشكال هذه الجسيمات بنفس التقنية التي نستخدمها في حياتنا اليومية.

ولكن ما المفهوم الذي قد نستعيض به عن الشكل في عالم الكوانتم؟ بما أن الضوء ما هو إلا مزيج من اهتزازات المجالات الكهربائية والمغناطيسية، فعلينا أولًا معرفة خصائص الإلكترون ومدى استجابته لهذا النوع من المجالات لمعرفة إن كان بإمكاننا تحديد شكله بواسطتهما أم لا. ونتناول أبسط خاصية للإلكترون وهي شحنته الكهربائية؛ بواسطتها نستطيع أن نفحص قوته ومعدل تسارعه عند تعرضه لمجال كهربائي خارجي، وهذه الشحنة السالبة للإلكترون هي ما تجعله على قيد الحياة وسط هذا العالم الميكروسكوبي، ويتصرف كأنه كرة مشحونة بالشحنات السالبة.

يمتلك الإلكترون خواصًا أخرى تجعله يستطيع البقاء في هذا العالم مثل العزم المغناطيسي، والتي تساعدنا على معرفة آلية عمل الإلكترون عند تعرضه لمجال مغناطيسي، والتي يتصرف عندها الإلكترون وكأنه قضيب مغناطيسي صغير يحاول أن يوجه نفسه مع طول اتجاهات المجال المغناطيسي المحيط به.

ولكن الخاصية المميزة للإلكترون والتي نستطيع من خلالها تحديد شكله هي عزم ثنائي القطب المغناطيسي أو EDM، ففي الفيزياء الكلاسيكية ينشأ عزم ثنائي القطب المغناطيسي عندما يكون هناك فاصل أو عازل بين الشحنات، والشكل الدائري الذي لا يوجد فاصل فيه بين الشحنات يُصبح عزمه ثنائي القطب المغناطيسي مساويًا للصفر.

تخيل كرتين من الحديد متصلتين أشبه بالتي يتم استخدامها في رفع الأثقال، إحداهما مشحونة بشحنة موجبة والأخرى سالبة، وفي عالمنا المرئي الماكروسكوبي سيصبح عزم ثنائي القطب المغناطيسي لا يساوي صفر، وإن حدث تغيير في توزيع الشحنات فيتبعه ذلك تغير في الشكل، وبالتالي فإن عزم ثنائي القطب المغناطيسي يلعب دورًا هامًا في تحديد حجم الأجسام المشحونة وشكلها في العالم المرئي.

ولكن عزم ثنائي القطب المغناطيسي يختلف تمامًا في العالم الميكروسكوبي الكمي، فالفراغ المحيط بالإلكترونات ليس فراغًا تامًا، ولكنه يحتوي على بعض الجسيمات دون الذرية التي تظهر لفترات قصيرة، وتبدأ بتشكيل سحابة حول الإلكترون، فإن قمنا بتسليط الضوء على الإلكترون لمعرفة شكله، فربما تشتت هذه الجسيمات وهذه السحابة الضوء وتعكسه بدلًا من الإلكترون.

ولكن هذا سيغير من القيم الرقمية والحسابية لشحنات الإلكترون والعزم المغناطيسي للمجالات الكهربائية والمغناطيسية، فالقياسات الدقيقة ستخبرنا عن سلوك الجسيمات دون الذرية التي تظهر فجأةً وكيفية تأثيرها على عزم ثنائي القطب المغناطيسي للإلكترون. الأكثر إثارةً في هذا الأمر هو أننا قد نكتشف جُسيمات دون ذرية جديدة لم نكن نعرفها من قبل، وبمعرفة تأثير هذه الجسيمات على عزم ثنائي القطب المغناطيسي للإلكترون، سنحتاج لمقارنة النتائج التي حصلنا عليها بالنتائج القياسية في النموذج المعياري والتي قد تنبأنا بوجودها رياضيًا.

ولكن المُثير حقًا في هذا الأمر هو وجود أنواع جديدة من الجسيمات الافتراضية التي لم نتعرف عليها من قبل. ولمعرفة تأثير هذه الجسيمات على عزم ثنائي القطب المغناطيسي الخاص بالإلكترون، فعلينا أن نُقارن الحسابات التي حصلنا عليها عند وجود هذه الجسيمات ، مع الحسابات المثالية التي قد توصلنا إليها مُسبقًا باستخدام النماذج الرياضية لجُسيمات النموذج المعياري.

فهذا النموذج المعياري قد أجاب بدقة كبيرة على معظم القياسات التي قد أجريناها بالفعل، ولكنه عاجز عن الإجابة عن بعض الأسئلة الأخرى الهامة، مثل لماذا تسيطر المادة على المادة المضادة في الكون؟ ويتوقع النموذج المعياري أن عزم ثنائي القطب المغناطيسي الخاص بالإلكترون صغير لدرجة أنه لا يمكن قياسه، ولكن ماذا سيحدث إذا كان بالفعل هذا العزم لا يساوي الصفر؟

لقد تم اقتراح العديد من النماذج النظرية التي تعمل على إصلاح أوجه القصور الموجودة بالنموذج المعياري القياسي، وهذه النماذج تنبأت بالفعل بوجود جُسيمات ثقيلة، وقد استطاعت هذه النماذج أن تملأ الفراغ العميق لفهمنا لآلية عمل الكون. ولكن لتأكيد هذه النماذج علينا أن نُثبت ماديًا وجود الجسيمات الثقيلة التي قد تنبأت هذه النماذج بوجودها، ويُمكن أن نثبت هذا تجريبيًا عن طريق مصادم الهادرونات الكبيرة.

وبدلًا من كل هذا يُمكننا أن نلاحظ تأثير هذه الجسيمات على عزم ثنائي القطب المغناطيسي الخاص بالإلكترون، وبالتالي يُمكننا أن نستنتج وجودها من فحص خواص الإلكترون المغناطيسية. والسؤال الأهم الآن ما الذي يُمكننا عمله لقياس عزم ثنائي القطب المغناطيسي الخاص بالإلكترون؟ علينا أولًا أن نختار حقلًا كهربائيًا قويًا لدراسة رد فعل الإلكترون، ومن الممكن أن نجد هذا الحقل داخل جُزيء أول أوكسيد الثوريوم، وبتعريض هذا الجُزيء لأشعة الليزر، نقوم بقراءة عزم ثنائي القطب المغناطيسي للإلكترون الموضوع، ولكن قيمة هذه القراءة تكون صغيرةً للغاية، حتى إنه لا يُمكننا تسجيلها بشكل دقيق، والأفضل هو الانتظار لإعادة تلك التجربة بمصادم الهدرونات الكبير.

ترجمة: مازن عماد
تدقيق: أحلام مرشد

المصدر

اقرأ أيضًا:

هل نودّع مصادم الهادرونات الكبير؟ العلماء يسرعون الإلكترونات في موجة بلازما

مراقبة سلوك الإلكترون أثناء التفاعلات الكيميائية لأول مرة

إحدى أسرع كاميرات العالم تلتقط حركة الإلكترون

يبني علماء الفيزياء نموذجًا بتفاصيل غير مسبوقة للإلكترونات، إنها مستديرة!