غالبًا ما تنضم الشركات والمجموعات الصناعية معًا للترويج لمنتجاتهما، لكن كان غريبًا الخطوة التي اتخذتها الشهر الماضي عشر شركات أوروبية كبرى، واثنتان من أكبر هيئات صناعة الطاقة المتجددة في القارة، التي انضمت لإطلاق حملة للترويج لمنتج لا يبيعه أي منهم.

هذا المنتج هو الهيدروجين المتجدد (الأخضر)، مع أنه ليس اهتمامًا محوريًا اليوم لهذه الشركات -إنيل، وEDP، وبايوا وغيرها- أو المجموعات الصناعية -الطاقة الشمسية في أوروبا، وويند يوروب- فإن الجميع يرون أن الهيدروجين الأخضر يؤدي دورًا حيويًا في تحقيق إزالة الكربون بعمق من نظام الطاقة.

الاهتمام بالهيدروجين الأخضر يتزايد بسرعة بين شركات النفط والغاز الكبرى. تُخطط أوروبا لجعل الهيدروجين الأخضر جزءًا كبيرًا من حزمة الصفقة الخضراء التي تتكلف تريليون دولار، ومن المتوقع نشر استراتيجية الهيدروجين الأخضر على مستوى الاتحاد الأوروبي بالكامل في شهر يوليو.

قال المدير التنفيذي لهيئة ويند يوروب (WindEurope) جيلس ديكسون: «لا يمكننا جعل كل شيء يعمل بالكهرباء. بعض العمليات الصناعية والمواصلات الثقيلة يجب أن تعمل بالغاز، والهيدروجين المتجدد أفضل غاز لأنه نظيف تمامًا، وسيكون في المتناول، لأن مصادر الطاقة المتجددة رخيصة جدًا الآن».

ما الهيدروجين الأخضر؟ مقدمة عن لوحة ألوان الهيدروجين

مع أنه غاز عديم اللون، يوصف الهيدروجين بالعديد من المصطلحات المرتبطة بالألوان.

ما هو الهيدروجين الأخضر - غاز عديم اللون - تحويل الفحم أو الفحم الحجري إلى غاز - صناعة الطاقة المتجددة في أوروبا - إزالة الكربون بعمق من نظام الطاقة

وفقًا للتسميات التي تستخدمها شركة بحوث السوق «وود ماكنزي»، فإن معظم الغاز المستخدم بالفعل على نطاق واسع مادةً كيميائية صناعية يكون إما بنيًا، إذا صُنع عبر تحويل الفحم أو الفحم الحجري إلى غاز، وإما رماديًا، إذا صُنع عبر إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار، إذ يكون الغاز الطبيعي مادةً وسيطة في تشكيله، ولا تتسم أي من هاتين العمليتين بصداقة الكربون على وجه التحديد.

يوجد خيار أنظف يُعرف «بالهيدروجين الأزرق»، إذ يُنتج بواسطة إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار، وتُقلَّل انبعاثاته بواسطة حجز الكربون وتخزينه، تخفض هذه العملية كمية الكربون الناتجة إلى النصف، لكنها لا تزال بعيدة عن الخلو من الانبعاثات.

أما الهيدروجين الأخضر، فهو قادر على القضاء تقريبًا على الانبعاثات، باستخدام الطاقة المتجددة، التي تزداد وفرةً، ولا تتطلب ظروفًا مثالية لتتولد، وذلك بالتحليل الكهربي للمياه.

أحدث إضافة للوحة إنتاج الهيدروجين هي الفيروز، إذ تنتج بواسطة تكسير الميثان إلى هيدروجين وكربون صلب باستخدام عملية تُسمى «التحليل الحراري». قد يبدو الهيدروجين الفيروزي منخفضًا نسبيًّا من حيث الانبعاثات، لأن الكربون يمكن دفنه أو استخدامه في عمليات صناعية، مثل صناعة الصلب أو تصنيع البطاريات، ومن ثم لا يتسرب إلى الغلاف الجوي.

مع ذلك تُشير البحوث الحديثة إلى أن الهيدروجين الفيروزي قد لا يكون أفضل حالًا بكثير مقارنةً بالهيدروجين الأزرق، بسبب الانبعاثات الناتجة عن إمدادات الغاز الطبيعي، والحرارة المطلوبة.

كيف يُصنع الهيدروجين الأخضر ؟

باستخدام التحليل الكهربي، كل ما تحتاج إليه لإنتاج كميات كبيرة من الهيدروجين هو الماء، ومُحلل كهربي كبير والكثير من الطاقة الكهربية.

إن توفرت الكهرباء من مصادر متجدد مثل الرياح والطاقة الشمسية أو المائية، فإن الهيدروجين يكون أخضر -أي خاليًا من الانبعاثات- بفعالية، إذ تقتصر الانبعاثات الكربونية على البنية الأساسية لتوليد الطاقة.

يكمن التحدي الآن في نقص أجهزة التحليل الكهربي الضخمة، وإمدادات الكهرباء المتجددة باهظة الثمن.

مقارنةً بعمليات الإنتاج المعهودة، يُعد التحليل الكهربي مكلفًا، لهذا ما زال سوق المحللات الكهربية صغيرًا.

في حين أصبح إنتاج الطاقة المتجددة الآن كبيرًا كفاية ليسبب مشكلات في الشبكة في ألمانيا و«منحنى البطة» في كاليفورنيا، وهي مخططات لإنتاج الطاقة على مدار اليوم توضح اختلال التوقيت بين ذروة الطلب وإنتاج الطاقة المتجددة، فإن الإفراط في الإنتاج يشكل تطورًا حديثًا نسبيًّا، ولا تزال أغلب أسواق الطاقة تتطلب وفرة من مصادر الطاقة المتجددة، فقط لخدمة الشبكة.

كيف تخزن هذه الأشياء وتستخدمها؟

نظريًا، يمكنك فعل الكثير من الأشياء المفيدة باستخدام الهيدروجين الأخضر. يمكنك إضافته إلى الغاز الطبيعي وحرقه في محطات الطاقة الحرارية أو محطات التدفئة المركزية. يمكنك استخدامه مادةً أولية لناقلات الطاقة الأخرى، من الأمونيا إلى الهيدروكربونات الصناعية، أو لتشغيل خلايا الوقود في السيارات والسفن.

بدايةً، يمكنك ببساطة استخدامه لاستبدال الهيدروجين الصناعي الذي يُصنع سنويًا من الغاز الطبيعي، الذي يبلغ حجمه 10 ملايين طن متري في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.

المشكلة الرئيسية في إرضاء كل الأسواق المحتملة تتلخص في توصيل الهيدروجين الأخضر إلى حيث تحتاج إليه، ليس من السهل نقله وتخزينه لأنه غاز سريع الاشتعال، ويستهلك مساحة كبيرة، ويجعل الأنابيب الفولاذية واللحام هشةً وعرضة للتحطم.

لهذا يتطلب نقل الهيدروجين بكميات كبيرة أنابيب خاصة، سيكون بناؤها مكلفًا، إضافةً إلى ضغط الغاز أو تبريده إلى سائل. تلك العمليات تستهلك الكثير من الطاقة، ومن ثم ستؤثر في كفاءة نقل الهيدروجين الأخضر، التي هي موضع تساؤل من الأصل.

لماذا أصبح الهيدروجين الأخضر فجأة مسألة كبيرة؟

أحد الخيارات لإزالة الكربون بالكامل تقريبًا هو كهربة نظام الطاقة بالكامل واستخدام الطاقة المتجددة النظيفة. لكن كهربة نظام الطاقة بأكمله سيكون صعبًا، أو على الأقل سيكون أكثر تكلفة بكثير من الجمع بين توليد الطاقة المتجددة مع الوقود منخفض الكربون. الهيدروجين الأخضر هو أحد أنواع الوقود منخفض الكربون المحتمل، الذي قد يحل محل الهيدروكربون الأحفوري اليوم.

ليس الهيدروجين وقودًا مثاليًا، فانخفاض كثافته يجعل من الصعب تخزينه ونقله. وقد تُشكل قابليته للاشتعال مشكلة مثلما حدث في انفجار محطة تعبئة الهيدروجين النرويجية في يونيو 2019.

لكن أنواع الوقود الأُخرى منخفضة الكربون تعاني أيضًا مشكلات ليس أقلها التكلفة، ولما كان معظمها يتطلب إنتاج الهيدروجين الأخضر مادةً أولية، فلمَ لا نستخدم المنتج الأصلي؟

يشير المؤيدون إلى أن الهيدروجين يُستخدم بالفعل على نطاق واسع في الصناعة، لذلك فقد تكون المشكلات التقنية المتعلقة بالتخزين والنقل قابلة للحل. وقد يكون الغاز متعدد الاستخدامات، مع العديد من التطبيقات الممكنة في مجالات تتراوح بين التدفئة وتخزين الطاقة على المدى الطويل والنقل.

تدل فرصة تطبيق الهيدروجين الأخضر عبر مجموعة واسعة من القطاعات على وجود عدد كبير من الشركات التي قد تستفيد من اقتصاد وقود الهيدروجين المزدهر، ولعل أهمها شركات النفط والغاز التي تواجه مطالب متزايدة بخفض إنتاج الوقود الأُحفوري.

العديد من شركات النفط الكبرى هي من بين الجهات الفاعلة التي تتنافس على مركز متصدر في تطوير الهيدروجين الأخضر. أكدت شركة «شل» الهولندية مثلًا في شهر مايو أنها انضمت إلى شركة الطاقة إنيكو للحصول على أحدث مناقصة للرياح البحرية الهولندية حتى تتمكن من إنشاء مجموعة هيدروجينية قياسية في هولندا. وكشفت شركة «لايتسورس» لتطوير الطاقة الشمسية التابعة لشركة «بريتيش بتروليوم» أنها تدرس تطوير محطة أسترالية للهيدروجين الأخضر تعمل بطاقة 1.5 غيغاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

قد يكون اهتمام شركة «بيج أويل» بالهيدروجين الأخضر مهمًا في نقل الوقود إلى الجدوى التجارية. سيتطلب خفض إنتاج الهيدروجين الأخضر استثمارات ضخمة ونطاقًا واسعًا، وهو أمر تتمتع شركات النفط الكبرى بالإمكانية لتقديمه.

كم يكلف صنع الهيدروجين الأخضر؟

لا يزال إنتاج الهيدروجين الأخضر مكلفًا اليوم. نُشر تقرير العام الماضي -باستخدام بيانات 2018- قدرت فيه وكالة الطاقة الدولية كلفة الهيدروجين الأخضر بما يتراوح بين 3 و7.5 دولارات لكل كيلوغرام، مقارنةً بـ 0.9 – 3.20 دولارات للإنتاج باستخدام إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار.

سيكون تقليل تكلفة المحللات الكهربية مهمًا لتقليل سعر الهيدروجين الأخضر، لكن ذلك سيستغرق وقتًا وحجمًا، قالت وكالة الطاقة الدولية إن تكاليف المحلل الكهربي قد تتراجع إلى النصف بحلول 2040، من نحو 840 دولارًا أمريكيًا لكل كيلووات من السعة اليوم.

تتطلب الجدوى الاقتصادية الخاصة بالهيدروجين الأخضر كميات كبيرة للغاية من الكهرباء المتجددة الرخيصة، نظرًا إلى استهلاك الكثير منها في التحليل الكهربي. تتراوح كفاءة المحلل الكهربائي بين 60 و80%، وفقًا لشركة شل، ويتفاقم تحدي الكفاءة إذ تتطلب العديد من التطبيقات الهيدروجين الأخضر لتشغيل خلايا الوقود، ما يؤدي إلى المزيد من الخسائر.

افترض بعض المراقبين أن إنتاج الهيدروجين الأخضر قد يزيل سعات الطاقة المتجددة الزائدة من مراكز الإنتاج الكبيرة، مثل حقول الرياح البحرية في أوروبا، وبالنظر إلى التكلفة التي لا تزال مرتفعة للمحللات الكهربائية، ليس مؤكدًا هل يرغب مطورو مشروع الهيدروجين الأخضر بترك محللاتهم الكهربائية دون استخدام حتى تنخفض أسعار الطاقة المتجددة تحت مستوى معين؟

على الأرجح، سيُنشئ المطورون مصانع إنتاج الهيدروجين الخضراء مع أصول مخصصة لتوليد الطاقة المتجددة في مواقع عالية الموارد، وهو ما بدأت تخطط له شركتا «لايتهاوس بي بي» و«شل» بالفعل.

كم ينتج الهيدروجين الأخضر؟

لا يمثل إنتاج الهيدروجين الأخضر الكثير مقارنةً بإجمالي إنتاج الطاقة، إذ يمثل أقل من 1% من الإنتاج الإجمالي السنوي للهيدروجين، وفقًا لشركة وود ماكنزي.

تتوقع شركة وود ماك ازدهار الإنتاج في السنوات القادمة. إذ تضاعف إنجاز مشاريع المحلل الكهربي للهيدروجين الأخضر قرابة ثلاثة أضعاف في الأشهر الخمسة التي سبقت إبريل 2020، لتصل إلى 8.2 غيغاوات. كانت الزيادة مدفوعة أساسًا بالزيادة في عمليات نشر المحلل الكهربي على نطاق واسع، مع 17 مشروعًا من المقرر أن تبلغ طاقتها 100 ميغاوات أو أكثر.

ولا يقتصر الأمر على تطوير المزيد من المشاريع. وفقًا لوود ماك، بحلول عام 2027، سيتجاوز متوسط حجم أنظمة التحليل الكهربي 600 ميغاوات.

من يقود تطور الهيدروجين الأخضر ؟

يبدو أن الهيدروجين الأخضر يشغل بال الجميع في الوقت الحاضر، تتطلع 10 دول على الأقل إلى الغاز من أجل أمن الطاقة في المستقبل والصادرات المحتملة. أحدث دولة على مسار التطور في المجال هي البرتغال، التي كشفت في مايو عن استراتيجية وطنية للهيدروجين قيل إنها ستبلغ 7 مليار يورو -7.7 مليون دولار- حتى 2030.

إلى جانب شركات النفط والغاز، يرى مطورو الطاقة المتجددة الهيدروجين الأخضر سوقًا ناشئة، فقد أعلنت شركة الرياح البحرية «أورستد» الشهر الماضي عن أول مشروع كبير يستهدف قطاع النقل حصريًا.

تأمل مجموعة من الشركات الصغيرة في الحصول على نصيب من كعكة الهيدروجين الأخضر المتنامية، قد لا تكون شركات مثل ITM معروفة جيدًا اليوم، لكن إذا كان الهيدروجين الأخضر قادرًا على إيفاء جزء بسيط من وعده، قد تصبح يومًا ما عملاقة.

ماذا عن مركبات الهيدروجين؟

ساعدت سيارة تويوتا ميراي اللافتة للنظر على تغذية الآمال المبكرة بأن مركبات خلايا الوقود الهيدروجينية قد تنافس السيارات الكهربية لتحل محل محرك الاحتراق الداخلي. لكن مع ازدهار سوق السيارات الكهربية، ضعُف احتمال أن يكون الهيدروجين منافسًا جادًا، على الأقل في قطاع سيارات الركاب.

يوجد نحو 7600 سيارة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين على الطرق الأمريكية اليوم، مقارنةً بأكثر من 326400 سيارة كهربية بيعت في الولايات المتحدة العام الماضي وحده.

مع ذلك، يتوقع الخبراء أن يؤدي الهيدروجين دورًا في الاستغناء عن الكربون من بعض المركبات، مع وجود الرافعات الشوكية والشاحنات الثقيلة من بين المستفيدين.

اقرأ أيضًا:

كيف يمكن أن يصبح الهيدروجين الأخضر رخيصًا بما يكفي لينافس الوقود الأحفوري؟

الطاقة المتجددة أفضل من الطاقة النووية في خفض انبعاثات الكربون

ترجمة: الحسن علي حسن

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر