ربما تعرف أشخاصًا تحصل لهم الأشياء الجيدة بناءً على الحظ فقط، وليس لأنهم يعملون بجد. بالمثل، قد يتفاءل الآباء بطفلهم الصغير ويقولون إنه يجلب لهم الحب والأمل والحظ الجيد. أو قد يظن بعض الأشخاص أنه عند تكرار ممارسة طقوس معينة ستحدث معهم الأشياء الجيدة. مثلًا، الاعتقاد أنه سيفوز الفريق المفضل في المباراة عند ارتداء لون معين من الجوارب.

ليس الاعتماد على الحظ أمرًا جديدًا. لكن في الآونة الأخيرة بدأ الأشخاص بابتكار طرق جديدة لجذبه والاعتماد عليه بوصفه أسلوب حياة.

انتشر حديثًا في بعض وسائل التواصل الاجتماعي مصطلح «متلازمة الفتاة المحظوظة»، الذي يشير إلى أنه عند الاعتقاد أن الشخص محظوظ فستحدث معه الأشياء الجيدة. وقد أدى ذلك إلى استخدام العديد من الأشخاص لهذه العبارة نوعًا من التظاهر أنهم محظوظون. لذا، قد يتساءل الشخص عن وجود ضرر من تبني هذا الفكر.

تشرح عالمة النفس سوزان ألبرز «متلازمة الفتاة المحظوظة» بدقة، وكيف تشبه هذه المتلازمة ما يذكره الشخص لنفسه من أقوال إيجابية، أي «التأكيد الإيجابي».

متلازمة الفتاة المحظوظة

تشير الدكتورة ألبرز: «أولًا، من المهم معرفة أن هذه مجرد عبارة عرَضية وليست تشخيصًا حقيقيًا أو مصطلحًا طبيًا. متلازمة الفتاة المحظوظة ليست «متلازمة» تمامًا، بل أقرب ما تكون إلى حالة ذهنية. إنها نوع من التأكيد الإيجابي، إذ يخبر الشخص نفسه أنه محظوظ بالفعل، وأن الأشياء الجيدة ستحدث له».

تقول الدكتورة ألبرز: «أود أن أقول إن التسمية الأكثر ملاءمة هي تأثير الفتاة المحظوظة أو ظاهرة الفتاة المحظوظة».

«عمومًا، متلازمة الفتاة المحظوظة فكرة موجودة منذ زمن بعيد، ولكن بدأ الأشخاص بتداول هذا الاسم العصري حديثًا. وقد يكون هذا المصطلح أشمل إذا لم نستخدم كلمة فتاة، لأن الأمر ليس مرتبطًا بالنوع، إذ يمكن لأي شخص اتباع هذه العقلية».

«قد يكون الأمر بسيطًا، مثل إخبار نفسك بأن الأمور ستنجح بدلًا من التركيز على الجانب السلبي. جاءت هذه الفكرة بسبب العديد من صانعي المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي الذين تحدثوا عن أشخاص محظوظين دائمًا يعرفونهم في حياتهم».

جذبت هذه الفكرة انتباه الأشخاص وأدت إلى ظهور المزيد من مقاطع الفيديو والمحادثات حولها. متلازمة الفتاة المحظوظة هي ببساطة محاولة استبدال التفكير السلبي بأفكار إيجابية، عبر تقنيات تخيل واستحضار أفكار معينة، والإيمان بما يسمى «قانون الجذب»، وهو مفهوم يمكن من خلاله جذب الشخص ما يريد في حياته عمدًا.

هل ينجح الأمر؟

يتوقف الأمر على الشخص نفسه، إن كان يؤمن بالحظ أم لا. لكن لا يمكن إنكار وجود شيء من الصحة حول قوة التفكير الإيجابي، وكيف يمكن استخدامه بطرق مختلفة لتحسين الصحة العقلية.

مهما اختلفت التسمية، قد يساعد التفكير الإيجابي الأشخاص الذين يعانون جلد الذات بطرق عديدة. قد لا يكون الحظ هو ما يساعد على حدوث الأشياء الجيدة، لكن الكثير من الأبحاث في العلاج المعرفي تدعم هذا التفكير.

تقول الدكتورة ألبرز: «أظهرت الأبحاث أنه يساعد على تعزيز ثقة الناس، واحترامهم لذاتهم، ويقلل من مستوى التوتر لديهم ويساعد على تحفيزهم».

«نظرًا إلى أن أدمغتنا تميل إلى التفكير السلبي، قد تكون متلازمة الفتاة المحظوظة عقلية مفيدة لتحويل السلبيات إلى إيجابيات. إضافةً إلى ذلك، إن كان الشخص محظوظًا، فقد يشجعه ذلك على المغامرة واغتنام المزيد من الفرص في الحياة».

«عندما نقول لأنفسنا أننا محظوظون، يبدأ الدماغ البحث عن أمثلة لتأكيد هذا الاعتقاد، ولأن دماغنا يحب أن يكون دائمًا على صواب، إن قلنا لأنفسنا أننا محظوظون، فسيبدأ الدماغ البحث عن الأحداث التي تدعم هذا التفكير».

كيف يجذب الشخص التفكير الإيجابي ويكون محظوظًا؟

يختلف مفهوم الحظ الجيد بين فرد وآخر. لذلك ستختلف نوعية الأفكار الإيجابية اعتمادًا على منظور الشخص في التفكير وحياته الشخصية. لا توجد طريقة جذب معينة واحدة تعمل مع الجميع، لكن التفكير الإيجابي عبر منظور الشخص الخاص قد يساعد على التعرف على الجوانب المهمة في شخصيته.

ما يلي بعض الطرق التي توصي بها الدكتورة ألبرز لتجربة متلازمة الفتاة المحظوظة في الحياة الخاصة:

 استخدم التأكيدات أو العبارات الإيجابية:

وفقًا للدكتورة ألبرز: «يمكننا بطريقة ما تعزيز حظنا باستخدام التأكيدات الإيجابية. عندما نستيقظ، قد نقول لأنفسنا أننا سنكون محظوظين على مدار اليوم، ما يهيئ أدمغتنا للبحث عن الأحداث الجيدة وملاحظتها».

«في نهاية اليوم، يمكننا مراجعة أحداث يومنا وتدوين الأشياء الجيدة والمحظوظة التي حصلت. يساعد هذا على تدريب الدماغ للتعرف على الأشياء الإيجابية التي تحدث في حياتنا والتركيز عليها».

قد يكون القول أسهل من الفعل. أحيانًا، يكون التفكير السلبي هو ما يسيطر على الشخص ويمنعه التفاؤل. تؤكد الدكتورة ألبرز أهمية الاستمرار بالتفكير الإيجابي بالنسق ذاته. لأن تكرار الأهداف يوميًا وتسجيلها قد يكون مفيدًا.

من أمثلة التأكيدات الإيجابية: «أنا في المكان المناسب في الوقت المناسب». «أفضل الأشياء تحدث لي»، «أنا محظوظ جدًا»، «الأمور تسير على ما يرام بالنسبة إلي»، «يتآمر الكون ليعطيني أشياء جيدة»، «أعرف دائمًا الخطوات التالية الصحيحة».

 تخيل ما تريد:

أحيانًا، العبارات التي نقولها لأنفسنا لا تكفي لجعلنا نعتقد أن الأشياء الجيدة تلوح في الأفق. لهذا فإن التخيل هو أداة قوية أخرى قد تساعدنا على تعزيز حظنا.

توضح الدكتورة ألبرز: «بإغماض أعيننا وتخيل ما سيبدو عليه الشعور بأننا محظوظون، يمكننا تدريب أدمغتنا على التعرف على المواقف المحظوظة عندما تحدث في الحياة الواقعية».

قد تساعد كتابة اليوميات، واستحضار الصور والأحاديث بالتزامن مع قول تأكيدات إيجابية. لكن أبسط طريقة لممارسة التخيل هي بإقرانها ببعض تقنيات التأمل أو اليقظة الذهنية. قد يستغرق الأمر خمس دقائق في الصباح ومثلها في المساء لرسم صورة في الذهن عن كيفية سير المستقبل في الاتجاه الذي نريد.

تقول الدكتورة ألبرز: «أحيانًا، لا يستطيع العقل التفريق بين الخيال والواقع، مثلًا عند التفكير في الطعام، يبدأ الفم بإفراز اللعاب. بالمثل، يمكن تحفيز بعض المواد الكيميائية العصبية المسؤولة عن الشعور بالرضا والسعادة مثل السيروتونين عند تخيل الشخص أنه محظوظ».

 الوجود قرب الأشخاص الذين يمدحونه:

قد يكون للأشخاص في حياتنا -الأصدقاء والعائلات والمعارف- تأثير عميق في الصحة النفسية. لا يمكننا النجاح أو الشعور بالرضا عن الذات دون دعم الآخرين.

تقول الدكتورة ألبرز: «إن إحاطة أنفسنا بأشخاص جدد ومواقف تجعل الحظ حليفنا، يزيد أيضًا من فرصنا الجيدة في الحياة».

 الاستمتاع بالطقوس العاطفية:

لا يتعلق الأمر بالاعتقاد أنه عند امتلاك زهرة البرسيم قد تُحل جميع المشكلات، لكن الشعور الدافئ الكامن في المعنى الذي تُشير إليه هذه الزهرة قد يساعد على الشعور بالمزيد من الثقة والحظ.

وفقًا للدكتورة ألبرز: «لا مانع من ممارسة بعض الطقوس الاعتيادية، أو وجود بعض الرموز العاطفية التي تُشعر الشخص بأنه محظوظ. قد تساعدنا طقوس مثل ارتداء جوارب الحظ أو حمل قرش في جيبنا على الشعور بمزيد من الكفاءة وتعزيز إيماننا بحظنا».

 الدمج بين تقنيات الصحة النفسية الأخرى:

أحيانًا، قد يسبب الخوف من الحظ السيء أو القلق من الأشياء المجهولة الكثير من الضغوط. لذا فإن الاعتناء بالصحة النفسية وممارسة طقوس الرعاية الذاتية بالتزامن مع قول التأكيدات الإيجابية أمر مهم.

تقول الدكتورة ألبرز: «أيضًا يمكن الجمع بين التفكير الإيجابي والتقنيات الأخرى التي تساعد على أن يكون الشخص أكثر إيجابيةً، مثل ممارسة تمارين التنفس للمساعدة على الهدوء أو ممارسة تمارين خفيفة أو اليوجا».

 إيجاد التوازن:

حتى إن كان الشخص إيجابيًا، من المهم أن يكون لديه توازن في مشاعره ما بين السلبي والإيجابي. يجب التعامل بحذر مع المواضيع الرائجة المنتقلة عبر الإنترنت مثل متلازمة الفتاة المحظوظة. يجب الحذر من الأشخاص الذين يتحدثون عنها كأنها ترياق لكل شيء سيئ يحدث مع الشخص.

تقول الدكتورة ألبرز: «المفتاح هو الجمع بين طريقة التفكير الإيجابية والعمل الحقيقي بجد في الحياة اليومية».

«بعض الشكوك حول متلازمة الفتاة المحظوظة هي أن بعض الناس يعتقدون أنها محض تفكير سحري، وأنا لا أعتقد أن الأمر كذلك. بل يعتمد الأمر على كيفية قولبة الناس لبعض العبارات والتأكيدات التي يقولونها باستمرار والطريقة التي يفكرون بها. لذا، إذا كان لدى الشخص تفكير سحري، فهو بحاجة أيضًا إلى السعي للوصول إلى ما يريد».

اقرأ أيضًا:

هل تزييف الابتسامة يجعلك تشعر بالسعادة أكثر؟

فوائد الضحك

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: لبنى حمزة

المصدر