المسافات في الفضاء يصعُب قياسها، ما لم تعرف مدى سطوع جسمها بصورةٍ جوهرية، إذ يصبح حساب مدى بعده أمرًا معقدًا قليلاً.

تُحدث معرفة المسافة فارقًا كبيرًا في كيفية تفسير البيانات. فإنه من المعتاد أن يضطر علماء الفلك إلى مراجعة نتائجهم بناءً على قياس المسافة الجديد لجسم ما، ويُعد غير عادي عندما يحدث ذلك مع جسم كانت البشرية تحدق به لآلاف السنين.

اكتشف علماء الفلك الآن شيئًا مدهشًا حول أحد أشهر الأجسام في سماء الأرض. إذ تشير التحليلات الجديدة إلى أن السحابة الماجلانية الصغيرة ليست كوكبة صغيرة واحدة تدور حول مجرة درب التبانة، وإنما اثنتان.

كيف يمكن أن نقع في هذا الخطأ؟

يُجادل فريق بقيادة عالم الفلك كلير موراي من معهد علوم تلسكوب هابل، بأن تجمعات النجوم المتفرقة، متراصة بصورةٍ ما فوق بعضها على مستوى نظرنا. وتشير بياناتهم إلى أن كتلة النجوم الخلفية تبعد حوالي 16000 سنة ضوئية خلف الكتلة الأمامية.

قُبلت النتائج في مجلة الفيزياء الفلكية ورفعت إلى خادم المسودات المسبقة arXiv، ما يشكل حالة مقنعة للطبيعة المزدوجة لما كنا نراه سابقا ككائن واحد.

السحابة الماجلانية الصغيرة هي واحدة من عدة مجرات قزمة تدور (وتندمج ببطء) في مجرة درب التبانة. إنها على بُعد حوالي 200000 سنة ضوئية، وتبلغ مساحتها حوالي 7000 سنة ضوئية، ولها كتلة تقدر بحوالي 3 مليارات شمس. وهي مقترنة بمجرة أخرى تظهر بالقرب منها في السماء، وهي السحابة الماجلانية الكبيرة، ويبلغ حجمها ضعف حجم السحابة الصغيرة. وتدور الاثنتان حول بعضهما في أثناء دورانهما حول مجرة درب التبانة.

فعليًا، بدأت تظهر تلميحات منذ عقد الثمانينات بأن السحابة الصغرى المجرية قد لا تكون كما تبدو. إذ إن طريقة الحركة الضبابية للنجوم غريبة؛ لأن بيئة الغاز بين النجمي لا تبدو متطابقة مع خصائص أخرى للمجرة القزمة، ويبدو أن هناك ما لا يقل عن نوعين مختلفين من تجمعات النجوم داخلها.

كان البحث السابق يعتقد أن السحابة الصغيرة الماجلانية قد تكون غريبة لأنها تعرضت لاضطرابات الجاذبية نتيجة للتفاعلات مع السحابة الماجلانية الكبيرة، ولكن شكل الكوكبة الصغيرة وحركتها ما تزال غير مؤكدة.

أجرت موراي وزملاؤها تحقيقًا شاملًا في سحابة الفضاء لمحاولة معرفة الأمر مرة واحدة وإلى الأبد. ودرسوا البيانات من مسح غايا، وهو مشروع لرسم المواقع وسرعة النجوم ثلاثية الأبعاد في مجرة درب التبانة بأعلى دقة حتى الآن. واستخدموا بيانات من مسح فلكي أجراه تلسكوب الراديو الأسترالي لدراسة تفصيلية لتكوين الغاز الذي يملأ السحابة الماجلانية الصغيرة في الفضاء بين النجوم.

أظهرت دراستهم أن السحابة الماجلانية الصغيرة تتكون من تجمعين متميزين من النجوم بكتلة غازية مماثلة، مفصولين بمسافة كبيرة. وكل تجمع له غاز بين نجمي مميز بحد بذاته، وطريقة حركة النجوم في كل منها مختلفة أيضًا.

تشير قياسات الفريق إلى أن التجمع الأقرب منهما يبعد حوالي 199000 سنة ضوئية؛ والأكثر بعدًا يبعد 215000 سنة ضوئية، الفرق يعادل تقريبًا نصف المسافة بين الشمس ومركز درب التبانة.

يقول الباحثون إن هذا يتفق عمومًا مع التقديرات السابقة لهيكل السحابة الماجلانية الصغيرة، لكنه أيضًا أقوى دليل حتى الآن.

السبب في عدم قدرتنا على التمييز بينهما بثقة في السابق هو أن أحد التجمعين يقع مباشرة خلف الآخر بالنسبة لنا، وكأنهما مجموعة واحدة من النجوم في سماء ليلنا.

السحابة الماجلانية الصغيرة هي ميزة معروفة ومحبوبة في السماء الجنوبية. وقد رُصدت لآلاف السنين على الأقل من قبل علماء الفلك الأصليين في أستراليا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا.

ومع قرينتها الأخرى السحابة الماجلانية الكبيرة، ستلمع في السماء لقرون قادمة؛ ولكن نهايتها قريبة. إنها تسقط تدريجيًا في مجرة درب التبانة، تمامًا كما فعلت العديد من المجرات الصغيرة الأخرى قبلها. هذا جزء مهم من كيفية نمو المجرات ببطء على مدى مليارات السنين.

اقرأ أيضًا:

لماذا تبدو مجرة درب التبانة فريدة من نوعها؟ العلم يحل هذا اللغز الغامض

تلسكوب جيمس ويب الفضائي يرصد مجرة تحتوي كميات مدهشة من المعادن

ترجمة: ياسمين سيد نبوي

تدقيق: غفران التميمي

المصدر