تقترب دريم تشيسر من أن تصبح أول طائرة فضائية مُصممة للذهاب إلى المدار، وتتمثل وظيفتها الحالية بنقل الشحنات من محطة الفضاء الدولية وإليها على بعد 385 كيلومترًا في المدار. ستُطلق باستخدام صاروخ تقليدي، وتناور في الفضاء مثل القمر الصناعي، ثم تهبط على مدرج.

يعمل فنيو شركة سييرا في لويزفيل كولورادو حاليًا على اللمسات النهائية بعد اكتمال أجنحتها القابلة للطي، وجسمها المغطى بالسيراميك للوقاية من الاحتراق عند اختراق الغلاف الجوي، ومعدات الهبوط. ومن الداخل يعملون على نظام التحكم البيئي، الذي سيجعل القسم المُعَزَّز داخل الطائرة صالحًا للعيش لرواد الفضاء.

جهزت شركة سييرا غرفة التحكم في المهمة، التي سيراقب المهندسون منها المركبة ويقودونها عندما تكون في المدار، إضافةً إلى نموذج تدريب لدريم تشيسر يستخدمه رواد الفضاء لاعتياد إدخال حمولة الشحن وتعبئتها وفكها في أثناء ربطها بالمحطة. في غضون بضعة أسابيع، ستتوجه الطائرة الفضائية المسماه تيناسيتي إلى مرفق تابع لوكالة ناسا في ولاية أوهايو، للخضوع لاختبارات شاملة.

انتهاء عملية التجميع:

منذ تأسيسها، لطالما درست ناسا السفن الفضائية وتشغيلها، وكان ذلك حكرًا على القوات المسلحة طوال 60 عام تقريبًا. أم الآن فنرى شركة فيرجن غالاكتيك التي تدير سفينة فضائية فوق الغلاف الجوي للسياح ورحلات البحث. على هذا لا تُعد سييرا استثناءً في مجال السفن الفضائية، لكنها الوحيدة المحافظة على شكل تقليدي في حين تسود تصاميم المركبات على شكل كبسولة أو تصاميم خارجة عن المألوف، وستكون هذه الطائرة أول سفينة فضائية تجارية قادرة على الرحلات المدارية.

قال المدير التنفيذي توم فيس: «نحن نُقدِم أول خط فضائي ثوري في العالم، سيغير هذا كيفية سفرنا من الأرض إلى الفضاء والعودة مرة أخرى».

تقول شركة سييرا إن رحلة العودة إلى الأرض ستكون سلسة، بقوة لا تزيد على 1.5 قوة تسارع، وهذا آمن للعينات الحيوانية والحمولات.

يبلغ حجم الطائرة رُبع حجم مكوك الفضاء تقريبًا، مع نصف الحجم القابل للسكن في المكوك، إذ تتسع لسبعة أشخاص، بطول 9 أمتار وعرض 7 أمتار، وتنطوي أجنحتها ليحتويها صاروخ الإطلاق.

مع إن الطائرة مصممة لأداء 15 رحلة، فهي تحتوي على وحدة حمولة إضافية غير قابلة لإعادة الاستخدام، اسمها شوتينج ستار، تحتوي على ألواح شمسية ستُرسَل في المدار لتوليد الطاقة.

إجمالًا، تستطيع دريم تشيسر نقل 5.5 طن من الشحنات إلى المحطة الفضائية، وعند العودة ستزن نحو 1.85 طن، إذ ستتخلص من وحدة الحمولة شوتينج ستار لتحترق في الغلاف الجوي، وبهذا يمكن إلحاق عدة أطنان من مخلفات المحطة الفضائية بها.

اختبارات مهمة مقبلة:

ستتوجه الطائرة إلى مرفق اختبار نيل أرمسترونغ التابع لناسا بعد مغادرتها مصنع سييرا، حيث ستقبع 1-3 أشهر، تبعًا لسير الاختبارات. وقد وصلت وحدة شوتينج ستار للاختبار، وبعد وصول الطائرة ستتصلان معًا لبدء الاختبارات الكاملة، وستتضمن اختبارات الاهتزاز والصوت للتحقق من قدرة المركبة على تحمل الاهتزاز والضوضاء الناتجة من إطلاق الصاروخ. ولاحقًا ستوضع داخل غرفة فارغة حرارية عملاقة في سييرا لاختبارها في ظروف حرارة قاسية، مرتفعة ومنخفضة.

بعد التحقق من كل ذلك، ستُشحن المركبة إلى مركز كينيدي للفضاء التابع لناسا في فلوريدا، لتبدأ رحلتها الأولى إلى المحطة الفضائية في أبريل 2024. لكن سييرا تتوقع مخاطر تتعلق بالجدول الزمني بسبب الاختبارات، إلى جانب الاختبار الأول لصاروخ فولكان، إذ تتضمن الخطة وضع الطائرة على الرحلة الثانية لفولكان، وأخيرًا إتاحة مرفأ في المحطة الفضائية لاستقبال الطائرة.

يُراجع مهندسو ناسا بيانات سييرا ويجرون اختبارات مشتركة مع منفذي التصميم للتحقق من أمان اقتراب الطائرة من المحطة الفضائية الدولية، فبعد وصولها إلى المدار، ستظهر تحديات تقنية إضافية عند الاقتراب من المحطة الفضائية.

على ناسا التحقق من أن المركبة الفضائية تستطيع الحفاظ على التحكم، وقابلة للاستجابة للأوامر الطارئة من طاقم المحطة الفضائية، ذلك ضروري لأن الخطة تتضمن التوقف تحت المحطة الفضائية الدولية على مسافة 10 أمتار لتُدخلها الذراع الروبوتية الكندية إلى المرفأ.

يقول جيف ديفيس مدير رحلة الاختبار الأولى لدريم تشيسر: «ستواجهنا سلسلة من التحديات، إذ إنها أول رحلة لتصميم جديد لمركبة فضائية، وأنا واثق من أن شركة يونايتد لانش أليانس ستنقلنا بأمان إلى المدار الملاحي على بُعد 370 كيلومترًا، ثم يجب على مركبتنا القيام بوظائفها. علينا إجراء سلسلة كاملة من العروض التوضيحية، لأن المحطة الفضائية الدولية تحمل بشرًا على متنها، ونحن نمثل مركبة ضخمة وثقيلة تقترب منهم، وهذا يضع علينا الكثير من المسؤولية».

بعد 45 يومًا، ستعود الطائرة إلى الأرض على مدرج هبوط المكوك الفضائي القديم في فلوريدا. وقد اختبر نموذج أولي من الطائرة خوارزميات الاقتراب والهبوط التلقائي للسفينة الفضائية في أثناء اختبار الإسقاط الذي أُجري في كاليفورنيا عام 2017.

قصة طائرة دريم تشيسر:

يعتمد شكل دريم تشيسر تاريخيًا على تصميم الجسم الرفعي HL-20 الذي طوره مركز لانجلي لأبحاث ناسا قبل أكثر من 30 عامًا. يمكن تتبع أصل ذلك التصميم إلى أوائل الثمانينيات في الاتحاد السوفيتي، حين أطلق جسم رفع باسم BOR-4 إلى الفضاء عدة مرات، إذ عملت ناسا على هندسة عكسية لصوره.

أما الآن، فتعمل شركة سييرا على فكرة دريم تشيسر الطائرة الفضائية منذ 15 عامًا، بعد استحواذها على شركة سبيسديف الناشئة -صاحبة البرنامج- عام 2008. أعادت سييرا النظر في برنامج دريم تشيسر لتجاهل التصميم المستخدم للبشر مؤقتًا والتركيز على مركبة فضائية لنقل البضائع فقط.

يغطي عقد الخدمة لبرنامج التزويد التجاري الذي وقعته ناسا مع سييرا بسعر ثابت سبع رحلات لدريم تشيسر، وذلك لتزويد المحطة الفضائية بالإمدادات وإعادة البضائع إلى الأرض، وتشير التقديرات إلى تخصيص أكثر 1.2 مليار دولار حتى الآن.

اختراع كل أسبوع:

بسبب اضطراب سلاسل التوريد الذي خلفته جائحة كورونا، انتقلت سييرا تدريجيًا إلى التكامل الرأسي، إذ أصبحت تبني أغلب أجزاء طائراتها بنفسها، من المحركات الصاروخية إلى البلاط المقاوم للحرارة وأنظمة الطاقة الشمسية، إضافةً إلى معظم أسلاك السفينة، ولكل من ذلك تحديات تقنية كبيرة، جعل الشركة تبدو وكأنها تخترع شيئًا كل أسبوع.

أشار فيس بالتحديد إلى نظام الدفع في دريم تشيسر بوصفه أحد التحديات التقنية الرئيسية في البرنامج، فالطائرة مجهزة بـ 26 محركًا صغيرًا، يستطيع كل منها العمل على ثلاثة مستويات منفصلة للدفع، وذلك لتحقيق التحكم الدقيق وإجراء تعديلات في المدار، وتستهلك هذه المحركات مزيجًا من الكيروسين وأكسيد الهيدروجين بدلًا من الوقود تلقائي الاشتعال السام.

يقول فيس: «أردنا أن نمتلك نظام وقود صديقًا للبيئة بدلًا من استخدام الوقود تلقائي الاشتعال، حتى نستطيع الاقتراب دون ارتداء بذلات الحماية».

دريم تشيسر مصممة للطيران في المدار مدةً تصل إلى ستة أشهر، ومن العوامل المحددة لحياتها التشغيلية استخدامها وقود بيروكسيد الهيدروجين، لكن لدى سييرا الآن الخبرة الكافية للتعامل معه، فهو عامل حث كيميائي للعديد من المعادن، أما الزركونيوم فمقاوم لتأثيراته المؤكسدة، وهو أحد المعادن القليلة التي لا تحفز أيوناتها تفاعل تحلل بيروكسيد الهيدروجين.

اعتمدت سييرا على شركة لوكهيد مارتن للصناعات الجوية والدفاعية لبناء الهيكل الرئيسي لمركبة دريم تشيسر، إضافةً إلى هيكل ثانٍ لدريم تشيسر خال من التجهيزات ومختلف عن تيناسيتي.

على المدى الطويل، تدرس سييرا كيفية جعل وحدة الشحن شوتينج ستار قابلة للإصلاح وإعادة الاستخدام، إحدى الأفكار إضافة درع حراري قابل للنفخ لمحاولة إعادة الوحدة النمطية للشحن إلى الأرض بشكل سليم.

طموحات سييرا العالية:

تعمل الشركة على نسخة دريم تشيسر الخاصة بالطاقم باستخدام أموالها الخاصة. ستطير النسخة المؤهلة لنقل الطاقم من دريم تشيسر مكشوفة لتدفق الهواء الديناميكي في أثناء الإطلاق دون حماية صندوق حمولة الصاروخ.

صرح فيس: «نحاول التفكير بطريقة مختلفة تمامًا لإنشاء نظام لا يشبه أي شيء موجود، حتى لا يكون مكلفًا أو يستغرق وقتًا طويلًا». لكنه رفض أن يقدم تفاصيل إضافية حول نظام الانفصال الطارئ في أثناء الإطلاق، إذ سيكون من الضروري فصل السفينة الفضائية عن الصاروخ حال فشله.

قال فيس: «الجمال الحقيقي في نهج سييرا أننا نبني المنصة بأكملها في المستقبل، إذ نبني كل من أنظمة النقل والوجهات الفضائية، ستوصل دريم تشيسر البضائع والطاقم إلى محطتنا التجارية، هذه هي استراتيجيتنا بدلًا من الاعتماد على آخرين».

اقرأ أيضًا:

أول طائرة تعمل بوقود الهيدروجين السائل تحلق في السماء

مصمم يقترح حشر مزيد من الناس في الطائرة باستخدام مقاعد مؤلفة من طابقين!

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر