نلقي الضوء على تقنيتين واعدتين لإزالة الكربون من طيراننا: خلايا الوقود الهيدروجينية أو الكهرباء. سخر البشر الطيران منذ أكثر من قرن، إذ سمح لنا بالاتصال ببعضنا عبر مسافات أكبر بطريقة أسرع من أي وقت مضى. غير أن هذه الزيادة بالاتصال مكلفة، فالطيران الحديث يعتمد اعتمادًا تامًا على الوقود الأحفوري الذي يعود على كوكبنا بالضرر. بصرف النظر عن الحلول الصارمة مثل حظر السفر الجوي كليًا، لدينا خيارات لسفر جوي أنظف، على سبيل المثال بإمكاننا أن نقود طائرتنا بالهيدروجين أو الكهرباء.

منذ البداية استُخدم الطيران بالوقود الأحفوري لتحقيق الهدف المنشود. حتى محرك رايت 1903-Wright engine كان محرك غاز بسبب سهولة الحصول على الوقود الأحفوري نسبيًا والطاقة الكبيرة القابلة للاستخدام.

هذه الطاقة سُميت “طاقة محددة” التي هي قياس مقدار الطاقة في كل وحدة كتلة من الوقود وهي واحدة من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى استخدام الوقود الأحفوري في تشغيل آلاتنا الطائرة.

ما الذي تحتاج إليه الطائرات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات أو خلايا الوقود الهيدروجينية لتحل محل الوقود الأحفوري؟

كم هي كثافة الوقود؟

هنا الكثير من الرياضيات والهندسة التي تتداخل من أجل الحصول على مركبة ترتفع في السماء.

الطائرة تحتاج إلى أن تكون خفيفة بما يكفي للطيران، ولكن بقدرة كبيرة بما يكفي لأداء المهمة المطلوبة بأمان، مثل نقل الأشخاص أو البضائع.

قبل أن نتمكن من تصميم نظام وقود نحتاج إلى أن تعرف كم سيكون ثقل المركبة، ومدى السفر، والسرعة للوصول إلى هناك.

بعد معرفة هذه القيم، تبدأ بإضافة الوقود: وقود طائرة، أم بطاريات أم هيدروجين.

يتطلب كل نظام من تلك الأنظمة مكونات ميكانيكية مختلفة لها أوزان مختلفة، ناهيك عن كتلة الوقود نفسها، فكلما أضفت المزيد من الوقود كانت أثقل، وهذا يعني أنك تحتاج إلى المزيد من الوقود بغرض إيجاد نقطة التوازن.

من الناحية المثالية، طائرة بحجم 737 من أجل السفر حتى 600 ميل بحري أي 1111.2 كم (الميل البحري: وحدة طول شائعة الاستخدام بين الملاحين في كل من النقل المائي والطيران ويساوي دقيقة زاوية واحدة من دائرة عرض أي خط طول) تحتاج إلى وقود بطاقة محددة تبلغ نحو 800 واط ساعة لكل كيلو غرام (Wh/kg) ويمكن لهذا التوازن في وزن الطاقة أن يستوعب نحو نصف مجموع الرحلات الجوية العالمية.

وللمقارنة، تبلغ طاقة وقود الطائرات نحو 12000 Wh/Kg، ويملك الهيدروجين طاقة محددة بنحو 39500 Wh/Kg وهي أكثر كفاءة ثلاث مرات من وقود الطائرات.

في الواقع، يملك الهيدروجين أعلى طاقة محددة من أي وقود عملي.. الوقود الوحيد الذي يزيد فيه معدل الطاقة إلى الكتلة هو الوقود المشع. أفضل بطاريات أيونات الليثيوم يمكننا صنعها اليوم لديها طاقة محددة تبلغ 250 Wh/Kg وإن كانت قد زادت كفاءتها في السنوات الأخيرة.

ما الذي تحتاج إليه الطائرات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات أو خلايا الوقود الهيدروجينية لتحل محل الوقود الأحفوري؟ مستقبل الطيران

تواجه خلايا الوقود الهيدروجينية وبطاريات أيونات الليثيوم مشكلة مماثلة. نظام الوقود يصبح كبيرًا وضخمًا إلى حد غير معقول عند توسيع نطاق الأنظمة لتشغيل طائرات لأكثر من 200 مسافر وتسافر أكثر من 1600 كيلومتر، وفي ظل كلا النظامين، فإن التقدم التكنولوجي سيجعلها أكثر كفاءة بينما نواصل تطوير التكنولوجيا.

ربما نحتاج إلى إعادة التفكير في الطريقة التي نستخدم بها السفر الجوي في حياتنا اليومية بينما نعيد تصميم الوقود الذي نستخدمه للطيران.

الطيران الكهربائي

الإنجازات التي تحققت في مجال الطائرات الكهربائية تستحوذ على المزيد من العناوين الرئيسية في الآونة الأخيرة. على سبيل المثال: نجحت Solar Impulse II بالتحليق حول الأرض، لتصبح أول طائرة كهربائية تفعل ذلك لأن الطيران الكهربائي أصبح أكثر قابلية للتحقيق، عشرات الشركات تُطور طائرات كهربائية صغيرة ومتوسطة الحجم مع خطط لاختبارها من الآن وحتى عشرة سنوات.

طور مهندسو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا محركًا كهربائيًا هجينًا قد يساعد على الحد من أكسيد النيتروجين المنبعث من السفر الجوي بنسبة 95%، وهي تكنولوجيا قد تكون هامة جدًا بينما نزيل الكربون من طيراننا.

حاليًا، معظم الطائرات الكهربائية في السوق صغيرة، الطائرة ذات عدد المقاعد من واحد إلى أربعة يمكنها أن تطير من 15 دقيقة حتى نحو ساعتين ويبلغ مداها نحو 843 كيلومتر.

إن الطائرات التي تعمل بأيونات الليثيوم مناسبة تمامًا نظريًا للرحلات الجوية الإقليمية التي تحمل ما بين 30 إلى 200 مسافر وتسافر في حدود 310 كيلومتر.

بفرض أننا قادرون على تطوير أنظمة بطارية خفيفة بما فيه الكفاية، يعتقد بعض الخبراء أن هذا هو الحد الأعلى لما يمكن أن تفعله بطاريات أيونات الليثيوم.

على الرغم من أن بطاريات أيونات الليثيوم هي تقنية مستقرة عمرها 30 سنة، فهناك بعض المخاوف عند رفع هذه التقنية في عصر الإلكترونيات.

وهي عرضة للحرارة المفرطة، التي يمكن أن تؤدي إلى حرائق خطيرة، إضافةً إلى أن تعدين المعادن النادرة المطلوبة له تأثير مالي وبيئي كبير. وقد يكون النوع الجديد من البطاريات أفضل خطوة إلى الأمام، ويتطلع بعض الخبراء إلى بطاريات الليثيوم والكبريت.

البطاريات التي تمد الأداء إلى ما هو أبعد من الحدود الأساسية لتكنولوجيا أيونات الليثيوم تشكل ضرورةً أساسيةً للانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري، وقد وصف ستيفن غريفورد والدكتور جيمس روبنسون من مؤسسة فاراداي في ورقة بحثية تكنولوجيا الليثيوم-كبريت بأن لديها القدرة على توفير بطاريات أرخص وأخف وزنًا وتوفر أيضًا مزايا السلامة.

من بين هذه المزايا كثافة الطاقة النظرية التي تبلغ 2700 Wh/kg من بطارية الليثيوم-كبريت، بينما المستخدمة حاليًا توفر طاقة محددة تتراوح بين 100-265 Wh/kg.

تدَّعي Oxis Energy أنها طورت بطارية ليثيوم-كبريت تحقق طاقة محددة قدرها 450Wh/Kg مع خطط للوصول إلى 600Wh/Kg بحلول عام 2025.

يفتح التيار الكهربائي الباب لنهضة من (مركبات الإقلاع والهبوط الرأسية الكهربائية) eVTOL. ومن الأسهل توزيع نظام دفع كهربائي بالتساوي أكثر من توزيعه على محركات الاحتراق التقليدية، التي كانت تاريخيًا عاملًا رئيسيًا في تعطيل تكنولوجيا eVTOL.

يمكن أن تبشر تلك التقنية بمستقبل يشبه Jetson من سيارات الأجرة الطائرة والسيارات التي تساعد المدن المزدحمة على البقاء أكثر ترابطًا.

على الرغم من وجود العديد من النماذج الأولية لهذه الحرف الإلكترونية الصغيرة، ومع تطوير الشركات للتكنولوجيا والسعي للحصول على موافقة تنظيمية، فإنه ربما يمر عقد من الزمن أو أكثر قبل أن تصبح هذه التكنولوجيا أكثر انتشارًا.

تتمتع الطائرات الكهربائية بميزة كبيرة مقارنةً بالطرق الأخرى للطيران؛ فالمركبات الكهربائية في المجمل تحتاج إلى قدر أقل من الصيانة لأنها تمتلك عددًا أقل من الأجزاء المتحركة والكهرباء رخيصة الثمن ومن السهل توليدها.

وتكلف الرحلات الكهربائية ما بين أربعة إلى ستة دولارات في ساعة التشغيل، في حين أن الطائرات التي تحرق الوقود تكلف ما بين 2000-10000 دولار في ساعة التشغيل. إضافةً إلى كون الطائرات الكهربائية أكثر اقتصادًا في الطيران، فإنها أكثر هدوءًا من نظيراتها التي تحرق الكربون، ما يجعلها أكثر راحةً للركاب والموظفين.

قوة الهيدروجين

الهيدروجين هو وقود عظيم بالنسبة لنا لاستخدامه في محركات الاحتراق الداخلي. إنه عديم اللون، وعديم الرائحة، وغير سام، ومليء بالطاقة النظيفة المحترقة، وهو وفير على كوكبنا، على الرغم من ارتباطه بالمواد الكيميائية مثل الماء والميثان.

يرى بعض الخبراء أن العديد من خصائص الهيدروجين تجعل استخدامه أكثر أمانًا من استخدام البنزين. إذن لماذا لا نُطير المزيد من الطائرات المحملة بالهيدروجين؟ في الغالب بسبب القيود في البنية التحتية وهندسة الطائرات.

على الرغم من أن الهيدروجين لديه أعلى طاقة محددة من أي وقود غير مشع، فإن الهيدروجين السائل لديه فقط ربع الطاقة بالحجم كوقود نفاث. لكي تحصل على نفس الطاقة من الهيدروجين التي تحصل عليها من الوقود الطائرات النفاثة تحتاج إلى خزان تخزين أكبر بأربع مرات. عمومًا، لإفساح المجال للتخزين الإضافي، يضحي المصنعون بمجموع المقاعد أو سيجعلون الإطار الجوي أكبر قليلًا.

بدأت شركات مثل ZeroAvia بتصميم خزانات تخزين خارجية للطائرات الصغيرة التي تحمل 20 شخصًا وتسافر 800 كم أو أقل، ربما أقصى ما يمكن فعله هذا الحل. وقد كشفت شركة Airbus عن تشكيل ثلاث طائرات مختلفة الأحجام قد تدخل الخدمة التجارية بحلول عام 2030، بما في ذلك طائرة قصيرة المدى وطائرة طويلة المدى.

البنية التحتية -ومعظمها في الطريقة التي ننتج بها الهيدروجين- هي واحدة من المسائل الرئيسية التي تعيق الطيران الذي يعمل بالهيدروجين. إصلاح غاز الميثان هو طريقة واسعة الانتشار لإنتاج الهيدروجين، في الولايات المتحدة ويمثل 95% من مجموع الهيدروجين المنتج.

تعتمد هذه الطريقة على الغاز الطبيعي وتعمل بخلط الهيدروكربونات مع الماء وإنتاج أول أوكسيد الكربون والهيدروجين كمنتج ثانوي. ومع ذلك فإن هذه الطريقة لتعدين الهيدروجين ليست خالية من الكربون ومن شأنها أن تحول التلوث الكربوني للطيران إلى مكان آخر.

لحسن الحظ يمكن إنتاج الهيدروجين من خلال عملية تسمى التحليل الكهربائي وهذا يسمح لك بإنتاج الهيدروجين من مصادر متجددة، كل ما تحتاجه هو الماء والكهرباء.

تحتاج المحاليل الكهربائية للحصول على الكهرباء من مصدر متجدد مثل الطاقة الشمسية من أجل إنتاج الهيدروجين بطريقة خالية من الكربون، فإن خلية وقود هيدروجينية تطلق الماء والحرارة فقط كمنتج ثانوي عندما تُحرق.

ولأننا نفتقر للبنية التحتية لإنتاج الهيدروجين بطريقة نظيفة، فهو حاليًا وقود باهظ الثمن لتصنيعه. لقد كنا ننتج الهيدروجين على نطاق مختلف للوظائف الصناعية لمدة قرن، لذلك نعرف أنه يمكن القيام بهذا. والآن يحتاج الأمر إلى التوسع بطريقة خالية من الكربون

التحليق في عام 2040 وما بعد

الطريقة التي نسافر بها سوف تتغير كثيرًا في أثناء القرن القادم. العالم الحديث يعتمد على الوقود الأحفوري، ولكن الطاقة الكهربائية والهيدروجينية سوف تُغذي عالم الغد. نحن نغير مدننا، وننشط النقل العام، ونوسع القطارات عالية السرعة، ونعيد هندسة سفننا، ونعيد تشكيل طائراتنا. ومن السابق لأوانه أن نقول إذا كان الهيدروجين أو الكهرباء سوف يكونان مهيمنين ولكن من المرجح أن يكون هناك أمر واحد مؤكد وهو أن كلا الأمرين سوف يكون لهما دور بارز في صناعتنا بينما نتحرك نحو مستقبل خال من الكربون.

اقرأ أيضًا:

هل تستطيع الطائرة الاستمرار في الطيران إذا توقف أحد المحركات؟

لماذا لا تزود شركات الطيران التجارية ركابها بمظلات؟

ترجمة: عمرو أحمد حمدان

تدقيق: حسام التهامي

المصدر