اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، واستمرت مدة أربعة أعوام في أنحاء أوروبا الشرقية والغربية بعد توترات حادة. إذ بدأت باغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فيردناند، وكانت معاركها دمويةً ومدمرة بسبب الخنادق وبداية استخدام الدبابات والغواصات والطائرات. سقط فيها ما يقارب 40 مليون ضحية مدنية وعسكرية، منهم 20 مليون ضحية القتال في ظروف وحشية.

كانت معارك الحرب العالمية الأولى الجوية منها والبحرية بمثابة مجازر جماعية، وسُجل فيها القليل من الانتصارات الحاسمة لبعض المعارك التي دامت أشهرًا متتالية دون توقف. سنعرض فيما يلي ترتيبًا زمنيًا يوضح أهم معارك هذه الحرب:

معركة مونس : 23 أغسطس 1914

كانت معركة مونس النزاع الأوروبي الأول منذ معركة واترلو في 1815. وقعت هذه المعركة في مدينة مونس في بلجيكا، بين كتيبة عسكرية بريطانية بلغ عدد جنودها نحو 75,000 جندي مقابل 150,000 جندي ألماني. كانت تمثل محاولةً من الجيش البريطاني للحفاظ على قناة مونس- كوندي. في آخر معركة من المعارك الحدودية الأربع التي جرت في الأسابيع الأولى من الحرب العالمية الأولى، هُزمت القوات البريطانية وأُجبرت على الانسحاب. ليحقق الألمان فوزًا إستراتيجيًا، بلغ عدد الإصابات وفقًا للسجلات ما يقارب 1600 جندي بريطاني و5000 جندي ألماني.

معركة تاننبرغ : 26- 28 أغسطس 1914

أطلق الألمان المنتصرون هذا الاسم ثأرًا للمعركة التي جرت عام 1410، والتي هزم فيها البولنديون الفرسان التوتونيين في أكبر انتصار للبلاد ضد الروس على محور الجبهة الشرقية. بدأت المعركة بمهاجمة الجيوش الروسية للقوات الألمانية في بروسيا الشرقية الألمانية «بولندا حاليًا» من الجنوب الشرقي، وقد نجحوا في بداية الأمر. لكن تنصُّت الألمان على موجات الراديو الروسية غير المشفرة مكَّن الألمان من إعادة تنظيم إستراتيجيتهم، مجبرين الروس على الانسحاب. من ثم طارد الألمان الروس وأبادوهم بحصيلة تقارب 30,000 مُصاب ونحو 90,000 آخرين وقعوا أسرى في يد الألمان.

معركة مارن الأولى: 6-12 سبتمبر 1914

شهدت معركة مارن الأولى انتصارًا للحلفاء، وقد وقعت نحو 30 ميلًا شمال شرق باريس. أوقفت الجيوش الفرنسية وقوات الحملة البريطانية التقدم الألماني السريع نحو فرنسا. وبسبب ضعف القوات الألمانية التي أرسلت نحو 12 قوةً عسكريةً للقتال في شرق بروسيا وبلجيكا، واجه الجيش الألماني الأول هجومًا مضادًا، وأُجبر على الانسحاب إلى جنوب نهر أيسن، حيث بدأت أولى حروب الخنادق.

معركة إيبرس الأولى: 19 أكتوبر – 22 نوفمبر 1914

عُرفت هذه المعركة باسم السباق إلى البحر، وهي واحدة من أصل ثلاث معارك للسيطرة على المدينة الفلمنكية القديمة المؤدية إلى مواني القناة الإنجليزية وبحر الشمال. ضمت معركة إيبريس الأولى نحو 600,000 جندي ألماني و420,000 من الحلفاء، واستمرت ثلاثة أسابيع لتتوقف بعدها بسبب الطقس القارس. مثل العديد من معارك الحرب العالمية الأولى، فإن اشتباك الطرفين في حرب الخنادق كلفهما خسائر كبيرة دون تحقيق أي مكاسب تذكر.

معركة دوغر: 24 يناير 1915

بعد التنصت وفك تشفير الرسائل الألمانية، هاجم الأسطول البريطاني الكبير الأسطول البحري الألماني في بحر الشمال، كانت هذه شرارة البداية لمعركة دوغر. تراجع الأسطول الألماني الأصغر لكنه لم يستطع أن ينجو من نيران مدافع البريطانيين بعيدة المدى، وفي أثناء غرق السفينة الحربية الألمانية (SMS Blücher)، تعرضت السفينة البريطانية (HMS lion) لأضرار بالغة.

معركة فردان: 21 فبراير – 18 ديسمبر 1916

عُرفت هذه المعركة بكونها أطول معركة في الحرب العالمية الأولى، وقد دامت قرابة عام كامل. تصدى الجيش الفرنسي لهجمة ألمانية مفاجئة، أدت إلى خسائر جماعية للطرفين تُقدر بـ 600,000 إصابة.

في محاولة لشل دور فرنسا في الحرب، وإحداث ضربة شديدة لإحباط معنويات جيشها، اختار الألمان مهاجمة حصن فردان. على امتداد نهر ميز، حقق الألمان تقدمًا في الصراع حتى يوليو حين توقف هجومهم، وبدأ الفرنسيون باستعادة السيطرة. بلغ صراع فردان نهايته مع حلول الشتاء ونشوب معركة سوم الأولى.

معركة جاليبولي: 19 فبراير 1915 – 9 يناير 1916

في أول إنزال بحري كبير على الشاطئ في الحرب الحديثة، تمثلت حملة جاليبولي في غزو القوات البريطانية والفرنسية للإمبراطورية العثمانية في شبه جزيرة جاليبولي في مضيق الدردنيل «غرب تركيا الآن». كان هذا الغزو محاولةً للسيطرة على الطريق البحري والاستيلاء على القسطنطينية. مع توقف القتال في الجبهة الغربية، سعت قوات الحلفاء لأن يكون الهجوم نصرًا سريعًا وسهلًا، لكنهم انسحبوا في نهاية المطاف متكبدين خسائر فادحة قُدرت بـ 180,000 إصابة، متضمنةً أكثر من 28,000 جندي أسترالي.

معركة يوتلاند: 31 مايو – 1 يونيو 1916

أكبر صراع بحري في الحرب العالمية الأولى، جرى قبالة السواحل الدنماركية، ويمثل المعركة الأولى والوحيدة بين البوارج الألمانية والبريطانية، بعد مهاجمة القوات الألمانية للبحرية الملكية. اشتركت 250 سفينة و100,000 رجل في حرب دموية، وخسر الطرفان آلاف الأرواح وعشرات السفن. رغم عدم وجود منتصر واضح في هذه المعركة، تمكنت بريطانيا من تأمين ممرات الشحن في بحر الشمال، واستمر حصارها للمواني الألمانية. كان لهذا الحصار دور جوهري في انتصار الحلفاء بنهاية الحرب.

معركة سوم: 1 يوليو – 13 نوفمبر 1916

واحدة من أكثر المعارك دمويةً في التاريخ، إذ سقط في يومها الأول 57,000 مُصاب، بينهم 20,000 ضحية لمحاولة اجتياح الخنادق الألمانية. سرعان ما غير الحلفاء إستراتيجيتهم في محاولة لصد الألمان على محور الجبهة الغربية على امتداد نهر السوم في فرنسا، لكنهم حققوا انتصارات محدودة على مدار خمسة أشهر. اشتهرت هذه المعركة بكونها أول معركة استُعملت فيها الدبابات، وانتهت بأكثر من مليون مُصاب.

معركة إيسونزو: 23 يونيو – 24 أكتوبر 1917

جرت 12 معركة على طول الجبهة الإيطالية على نهر إيسونزو في البحر الأدرياتيكي «جزء من سلوفينيا الآن»، وهاجم الإيطاليون النمساويين مرات عديدة للسيطرة على المنطقة ودخول العاصمة فيينا. أحرزت إيطاليا بعض التقدم بعد عدة محاولات فاشلة، وانضمت ألمانيا للقوات النمساوية مجبرةً الإيطاليين على الانسحاب.

معركة إيبرس الثالثة: 31 يوليو – 6 نوفمبر 1917

عُرفت أيضًا باسم معركة باشنديل، وجرت في إيبرس ببلجيكا، حيث شنت القوات البريطانية بمساعدة الفرنسيين وباستعمال الدبابات هجمةً لانتزاع سيطرة الألمان على المدينة. استمرت المعركة أربعة أشهر في الوحل والأمطار، ورغم الاستعانة بالجيش الكندي، لم يستحوذ الحلفاء إلا على منطقة محدودة. في نهاية المطاف، كان هذا بمثابة نصر للحلفاء، لكنه كلف الطرفين أكثر من 550,000 مُصاب.

معركة فيمي ريدج: 9 – 12 أبريل 1917

شن الفيلق الكندي المكون من أربع فرق هجومه الأول بوصفه قوة موحدة، في أحد الفصح في فيمي ريدج شمال فرنسا، محرزًا نصرًا سريعًا وحاسمًا على الألمان في ثلاثة أيام. كانت هذه المعركة جزءًا من معركة الحلفاء في أراس، واستعملوا في هذه المعركة جيدة التخطيط تكتيكات مدفعية جديدة، ما ميز هذا الفيلق بوصفه قوة من النخبة.

هجوم يونيو: 1 – 4 يوليو 1917

هجوم شنته القوات الروسية ضد القوات النمساوية المجرية والألمانية في جليقية «غاليسيا»، وعُرف هذا الهجوم أيضًا بهجوم كيرينسكي أو هجوم يوليو. أمر بالهجوم وزير الحربية الروسي ألكساندر كيرينسكي، الذي رفض المطالب والنداءات الشعبية المطالبة بالسلام. رغم المكاسب المبكرة، عانت القوات الروسية من خسائر جماعية، وهُزموا سريعًا بهجمة مضادة من الجيوش النمساوية الألمانية، ما أدى إلى تفكك القوات الروسية.

معركة كابوريتو: 24 أكتوبر – 19 ديسمبر

هي المعركة التي خلدها همنغواي في روايته «وداعًا للسلاح». وعرفت أيضًا بمعركة إيسونزو الثانية عشرة، وشُنت على الجبهة الإيطالية بالقرب من كوباريد «جزء من سلوفينيا الآن». هزمت القوات الألمانية والنمساوية قوات الخطوط الأمامية الإيطالية، مخلفةً نحو 700,000 مُصاب، وهبوطًا في معنويات القوات الإيطالية.

معركة كامبري: 20 نوفمبر – 5 ديسمبر 1917

كان أول هجوم واسع النطاق للدبابات في الحرب العالمية الأولى. وقعت هذه المعركة قرب مدينة كامبري في فرنسا، التي استطاعت كسب القليل من الأراضي في نهاية المطاف. غيرت فرنسا مجريات الحرب الحديثة باستعمال كتائب الدبابات والتقنيات المدفعية الجديدة. في 20 نوفمبر، شنت الجيوش البريطانية هجومًا مباغتًا واستطاعوا اكتساب أراضٍ ومساحات جديدة في الأيام التالية. لكن في 30 نوفمبر، شن الألمان هجومًا كبيرًا أدى إلى استرجاع معظم هذه الأراضي.

معركة سوم الثانية: 21 مارس – 5 أبريل 1918

شن الألمان هجومًا على طول نهر السوم في فرنسا، في محاولة للاستفادة من تراجع الجيش الروسي ومهاجمة الخنادق البريطانية بالغاز والقصف المدفعي. أُجبر البريطانيون على الانسحاب، واستحوذ الألمان على الإقليم في أكبر تقدم شهده الألمان على طول الجبهة الغربية منذ بداية الحرب. لكن في غضون أسبوع، أعاد الحلفاء تنظيم صفوفهم وبدأ الهجوم الألماني بالتراجع، ثم توقف في نهاية المطاف.

هجوم لودندورف: 21 مارس – 18 يوليو 1918

بدأ ربيع عام 1918 بشن الألمان سلسلةً من الهجمات على طول الجبهة الغربية، في محاولة لتحقيق النصر قبل انضمام القوات الأمريكية إلى الحلفاء. رغم تحقيق تقدم عسكري ناجح في أربع هجمات، لم تؤد السيطرة الحديثة على تلك الأراضي إلى مكاسب إستراتيجية. ومع وصول القوات الأمريكية في يونيو، والهجوم المضاد وإنهاك الجنود، تراجع الألمان بشدة رغم مزاعمهم بالانتصار.

معركة مارن الثانية: 15 – 18 يوليو 1918

ضرب الألمان في هجومهم الأخير خلال الحرب قوات الحلفاء بالقرب من نهر مارن في إقليم شامبان الفرنسي، في محاولة لتشتيت انتباههم عن هجوم منفصل مخطط له في فلاندر. لكنهم خُدعوا بمجموعة من الخنادق الزائفة التي نفذها الفرنسيون، واستقبلتهم القوات الأمريكية والفرنسية بنيران كثيفة، وهجوم مضاد عند اقترابهم من الخطوط الأمامية الحقيقية ما أرغمهم على الانسحاب.

معركة أميان 8 – 11 أغسطس 1918

عُرفت بهجوم الأيام المئة، وتُعد من أنجح المعارك في الحرب العالمية الأولى. إذ أمّنت قوات الحلفاء أكثر من ثمانية أميال في الأيام الأولى من المعركة مع وجود الضباب، فيما عُرف لاحقًا باليوم الأسود للجيش الألماني. فاجأ الحلفاء الجيوش الألمانية بهجوم استخدموا فيه 2000 بندقية و1900 طائرة و500 دبابة، ما تسبب في خسائر ألمانية ضخمة، وضربة قاضية لمعنوياتهم.

معركة ميوز أرجون: 26 سبتمبر – 11 نوفمبر 1918

شارك في هذه المعركة أكثر من مليون جندي أمريكي في غابات أرجون الكثيفة على امتداد نهر ميز، ما جعلها أكبر عملية للقوات الأمريكية في الحرب العالمية الأولى. خلفت المعركة أكثر من 26,000 قتيل وأكثر من 120,000 مُصاب، وهي من أكثر المعارك خطورةً ودمويةً في تاريخ الجيش الأمريكي. انضم الفرنسيون إلى الأمريكان، وبمساعدة الطائرات والدبابات الأمريكية استطاع الحلفاء أسر آلاف الألمان. بعد أربعة أشهر، استسلمت ألمانيا أخيرًا وبدأت انسحابها الأخير.

معركة كامبري: 27 سبتمبر – 11 أكتوبر 1918

تعد هذه المعركة جزءًا من هجوم الأيام المئة، إذ حققت القوات البريطانية والكندية نصرًا حاسمًا في كامبري شمال فرنسا، التي كانت تحت سيطرة الألمان منذ 1914. مع الإنهاك والحصار، وانخفاض معنويات جنودهم، أدرك الألمان حقيقة أنهم قد خسروا الحرب.

معركة مونس: 11 نوفمبر 1918

في اليوم الأخير من الحرب العالمية الأولى، استولى الفيلق الكندي على مدينة مونس في بلجيكا التي احتلها الألمان منذ 1914. جرى الهجوم في الصباح الباكر قبل معرفة الجيوش بأن ألمانيا قد وافقت على الهدنة في الساعة الحادية عشرة صباحًا، يمثل هذا الوقت ذكرى وفاة آخر جندي من قوات الحلفاء، وهو جندي كندي لقي حتفه برصاصة قناص قبل دقائق من إعلان الهدنة ووقف إطلاق النار.

اقرأ أيضًا:

ست معارك رئيسية وحصار في تاريخ الإسكندر الأكبر

اليوم الأكثر دموية في تاريخ البشرية

ترجمة: لؤي بوبو

تدقيق: جنى الغضبان

المصدر