يهتم حملة السندات بأسعار الفائدة المستقبلية أكثر من معظم المستثمرين، لذا في حال رغبتك في الاستثمار في السندات أو صناديق السندات، يجب عليك التفكير في احتمال ارتفاع عائد سندات الخزينة و أسعار الفائدة في المستقبل، لأنه حال ارتفاعها ربما ترغب في تجنب السندات طويلة الأجل، أو على الأقل تقصير متوسط مدة سنداتك، أو التخطيط للتغلب على انخفاض الأسعار الناتج من ذلك، من طريق الاحتفاظ بسنداتك وتحصيل قيمتها الاسمية عند الاستحقاق.

منحنى العائد على سندات الخزينة:

يُعَد منحنى العائد على سندات الخزينة (أو هيكل أسعار الفائدة) المحرك الأول لجميع أسعار الفائدة المحلية في الولايات المتحدة الأمريكية، والعامل المؤثر في تحديد الأسعار العالمية.

ترتفع أسعار الفائدة على جميع أنواع السندات مع ارتفاع أسعار الفائدة على سندات الخزينة، وهي سندات الدين الصادرة عن الحكومة الأمريكية، وتنخفض بانخفاضها. يجب أن تقدم السندات ذات المخاطر الأعلى من سندات الخزينة عائدًا أعلى حتى تجذب المستثمرين. مثلًا يرتفع معدل العائد على الرهون العقارية لمدة 30 عامًا بنسبة 1% إلى 2% من العائد على سندات الخزينة لمدة 30 عامًا.

فيما يلي رسم بياني لمنحنى العائد الفعلي على سندات الخزينة اعتبارًا من 13 مايو 2018، ويُعَد طبيعيًّا لميله إلى أعلى بشكل مقعر، تمتد فترة الاقتراض أو استحقاق السندات إلى المستقبل.

مفهوم العائد على سندات الخزينة و أسعار الفائدة - العامل المؤثر في تحديد الأسعار العالمية - التغيير الفعلي في معدل الأموال الفدرالية

يوضح هذا المنحنى 3 عناصر. أولًا، يُظهر معدلات الفائدة الاسمية. يؤدي التضخم إلى انخفاض القيمة المستقبلية للقسائم والمدفوعات الرئيسية. يُعَد العائد بعد خصم التضخم هو معدل العائد الحقيقي، لذلك يجمع المنحنى بين التضخم المتوقع وأسعار الفائدة الحقيقية.

ثانيًا، يتحكم البنك الاحتياطي الفدرالي مباشرةً في سعر الفائدة قصير الأجل، وذلك في بداية المنحنى فقط، وأداته الرئيسية في ذلك هي سعر الفائدة على الأموال الفدرالية بسعر اليوم الواحد. ثالثًا، يُحدد بقية المنحنى حسب العرض والطلب في عملية المزاد.

تُحدد متطلبات العائد للمشتري المؤسسي المتطور ماليًّا -إلى جانب إقباله على السندات الحكومية- كيفية المزايدة، يَعُد العديد من هؤلاء المشترين أن منحنى العائد بمثابة كرة بلورية تقدم أفضل التوقعات المُتاحة لأسعار الفائدة في المستقبل، كونهم مطلعين على التضخم وأسعار الفائدة، وذلك بافتراض أن الأحداث غير المتوقعة فقط (مثل زيادة غير متوقعة في معدل التضخم) هي ما يغير منحنى العائد لأعلى أو لأسفل.

تميل أسعار الفائدة طويلة الأجل إلى اتباع أسعار الفائدة قصيرة الأجل:

فنيًّا، يتغير منحنى العائد على سندات الخزينة بطرق مختلفة: قد يتحرك لأعلى أو لأسفل (تحول متوازي)، أو يصبح أكثر استواءً أو انحدارًا (تحول في المنحدر)، أو يصبح أكثر أو أقل تحدبًا في الوسط (تغير في الانحناء).

يقارن الرسم البياني التالي العائد على سندات الخزينة لمدة 10 سنوات (الخط الأحمر) بعائد سندات الخزينة لمدة عامين (الخط الأرجواني) من 1977 إلى 2016، يمثل الفرق بين السعرين (الخط الأزرق) مقياسًا بسيطًا للانحدار:

نلاحظ هنا: أولًا، يتحرك السعران معًا صعودًا وهبوطًا إلى حد ما (الارتباط في الفترة المذكورة نحو 88%) وتُعَد التحولات المتوازية شائعة. ثانيًا، تميل أسعار الفائدة طويلة الأجل مباشرةً إلى اتباع أسعار الفائدة قصيرة الأجل لكنها لا تتماشى معها تمامًا.

بصورة أكثر تحديدًا، يميل الفرق بين عوائد 10 سنوات والسنتين إلى التضيق عندما ترتفع المعدلات قصيرة الأجل (يستوي منحنى الفرق) ويتسع عندما تنخفض (ينحدر المنحنى). على وجه الخصوص، صاحب الزيادة في المعدلات بين عامي 1977 و1981 استواء المنحنى وانقلابه (فرق سلبي)، وأدى الانخفاض في المعدلات من 1990 إلى 1993 إلى انحدار منحنى الفرق، أما الانخفاض الملحوظ في المعدلات من مارس 2000 إلى نهاية 2003 فقد أدى إلى المنحنى الأكثر انحدارًا تاريخيًّا.

ظاهرة العرض والطلب:

ما الذي يحرك منحنى العائد لأعلى أو لأسفل؟ يتبع منحنى العائد على سندات الخزينة -الذي يعكس تكلفة الديون الحكومية الأمريكية- ظاهرة العرض والطلب، لأنه من الصعب تصنيف القوى المحركة لتدفقات رأس المال التي تتفاعل لتحديد أسعار الفائدة في السوق.

العوامل المرتبطة بالعرض:

1- السياسة النقدية:

يزيد البنك الاحتياطي الفدرالي من عرض الأوراق المالية قصيرة الأجل في عمليات السوق المفتوحة إذا أراد زيادة معدل الأموال الفدرالية، لكن ذلك يحد من الأموال المتداولة بسبب إقراضها إلى الاحتياطي الفدرالي، ما يؤدي بدوره إلى زيادة سعر الفائدة على المدى القصير نتيجةً لانخفاض الأموال المتداولة (الائتمان)، ويرتفع بذلك أقصى يسار المنحنى.

هل يمكن أن نتنبأ بالأسعار قصيرة الأجل المستقبلية؟ تضمن الأسعار طويلة الأجل تنبؤًا بأسعار الفائدة قصيرة الأجل في المستقبل، وذلك حسب نظرية التوقعات، بالاطلاع على عائد شهر ديسمبر الموضح سابقًا، الذي يعد طبيعيًّا مع كونه شديد الانحدار، يبلغ العائد على عام واحد 1.38% في حين يبلغ عائد عامين 2.06%.

إذا نويت الاستثمار في فترة زمنية مدتها عامان وكانت أسعار الفائدة مستقرة، فمن المرجع أن تميل إلى شراء سندات لعامين (التي تتمتع بعائد أعلى كثيرًا) بدلًا من شراء سند لعام واحد ثم سند آخر للعام التالي. مع ذلك تتوقع النظرية زيادةً في سعر الفائدة قصيرة الأجل، ومن ثم يصبح لديك القدرة مع نهاية العام على شراء السعر الأكثر ملائمةً لعام واحد، وتحتفظ بها بالكامل مقارنةً بسندات العامين. بعبارة أخرى، تنص نظرية التوقعات على أن انحدار منحنى العائد يدل على ارتفاع أسعار الفائدة قصيرة الأجل.

لسوء الحظ لم تؤد النظرية دورها في التوقعات جيدًا: تبقى أسعار الفائدة غالبًا ثابتة عبر منحنى العائد العادي (المائل إلى أعلى)، وذلك نتيجةً للقدر الأكبر من عدم اليقين وما يقابله من مخاطرة بشأن أسعار الفائدة على السندات طويلة الأجل، ولذلك فالعائد الإضافي مُحتمَل على سندات العامين، التي تحتوي على عنصرين: التنبؤ بأسعار الفائدة قصيرة الأجل في المستقبل وعلاوة المخاطرة.

لا يعني ميل المنحنى إلى أعلى زيادةً في الأسعار قصيرة الأجل، بل يرجع ذلك إلى العائد الإضافي الممنوح مقابل المخاطرة المرتبطة بالسندات طويلة الأجل.

تُعَد مراقبة الاحتياطي الفيدرالي خطةً احترافية، ومع ذلك لا يكفي انتظار التغيير الفعلي في معدل الأموال الفدرالية، بل يجب توقع المفاجآت. يُعَد التقدم على السعر بخطوة واحدة مهمًّا لك بصفتك مستثمرًا، فتتوقع التغيرات بدلاً من ملاحظتها. يمعن المشاركون في السوق حول العالم في التفكير بعناية في صياغة كل إعلان لمجلس الاحتياطي الفيدرالي (وخطابات محافظي الاحتياطي الفيدرالي) في محاولة لاستشفاف النوايا المستقبلية.

2- السياسة المالية:

تقترض الحكومة الأمريكية المال عندما تواجه عجزًا، بإصدار سندات خزينة طويلة الأجل للمقرضين المؤسسين. يجب على الحكومة زيادة الفائدة للحث على المزيد من الإقراض، إذا أفرطت في الاقتراض وزادت عرضها من الديون.

يرحب المقرضون الأجانب دائمًا بامتلاك سندات في حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، كونها شديدة السيولة، ولم تتخلف الولايات المتحدة الأمريكية عن سداد ديونها قط (غير أنها أوشكت على ذلك في أواخر سنة 1995، لكن وزير الخزانة آنذاك روبرت روبين نجح في تفادي التهديد، ووصف عجز الخزانة عن سداد ديونها بأمر لا يمكن تصوره وهو أشبه بالحرب النووية). مع ذلك تتوفر بدائل للمقرضين الأجانب مثل سندات اليورو، ومن ثم يمكنهم المطالبة بسعر فائدة أعلى إذا عرضت الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من ديونها.

العوامل المرتبطة بالطلب

1- التضخم:

على افتراض أن المقترضين من الدين الأمريكي يتوقعون عائدًا حقيقيًا معينًا، تؤدي زيادة التضخم المتوقع إلى رفع سعر الفائدة الاسمي بما يساوي سعر الفائدة الحقيقي + التضخم. يفسر التضخم أيضًا تحرك أسعار الفائدة قصيرة الأجل تحركًا أسرع من الفائدة طويلة الأجل.

عندما يرفع البنك الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة قصيرة الأجل، يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل، لتعكس توقعات ارتفاع الفائدة قصيرة الأجل مستقبلًا، ومع ذلك تخفف توقعات التضخم المنخفضة هذه الزيادة، فقد يشير ارتفاع المعدلات قصيرة الأجل أيضًا إلى انخفاض التضخم، إذ يبيع الاحتياطي الفدرالي المزيد من سندات الخزينة قصيرة الأجل، فيجمع المال ويقوي المعروض النقدي.

تميل الزيادة في أموال الاحتياطي الفيدرالي (قصيرة الأجل) إلى تسطيح منحنى العائد، لأنه يعكس أسعار الفائدة الاسمية: ارتفاع القيمة الاسمية = ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي + انخفاض التضخم.

2- الاقتصاد الأساسي:

تشمل العوامل التي تخلق الطلب على سندات الخزينة النمو الاقتصادي والعملات التنافسية والإمكانيات المتاحة للاحتياط المالي. تسبب الزيادة في الطلب على سندات الخزينة طويلة الأجل هبوطًا في أسعار الفائدة (طلب أعلى = سعر أعلى = أسعار فائدة أقل) وتميل قلة الطلب على السندات إلى رفع أسعار الفائدة.

يميل الاقتصاد الأمريكي الأقوى إلى جعل ديون الشركات (الخاصة) أكثر جذبًا من الديون الحكومية، ما يقلل الطلب على الديون الحكومية ويرفع أسعار الفائدة، لكن ذلك يشجع الاقتصاد الأضعف على التوجه إلى الجودة، ما يزيد الطلب على سندات الخزينة ويخلق عوائد أقل. يُفترض في بعض الأحيان أن الاقتصاد القوي سيدفع الاحتياطي الفيدرالي تلقائيًّا إلى رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل، وذلك فقط عندما يؤدي النمو إلى رفع الأسعار.

تتنافس سندات الخزينة مع ديون الدول الأخرى في الاقتصاد العالمي، وتُعَد استثمارًا في كل من أسعار الفائدة والدولار. يُعَد اليورو بديلًا مهمًّا، وقد كان أكثر جذبًا للأغلبية سنة 2003، عندما ربط البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة قصيرة الأجل بنسبة 2%، في حين كانت نسبة سعر الأموال الفدرالية 1%.

وأخيرًا، تلعب سندات الخزينة دورًا كبيرًا في أنشطة الاحتياط المالي للمشاركين في السوق. مثلًا يحتاط حاملو الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري من مخاطر الدفع المسبق عند انخفاض أسعار الفائدة، من طريق شراء سندات الخزينة طويلة الأجل، ما يلعب دورًا كبيرًا في زيادة الطلب عليها ويُبقي المعدلات منخفضة، ويكمن القلق هنا أن هذه الإجراءات قد تساهم في عدم الاستقرار.

الخلاصة

تناولنا آنفًا بعض العوامل التقليدية الرئيسية المرتبطة بتحركات أسعار الفائدة. تحدد السياسة النقدية مقدار الدين الحكومي والأموال التي تُضَخ في الاقتصاد على جانب العرض، في حين تُعَد توقعات التضخم هي العامل الرئيسي في جانب الطلب.

وناقشنا أيضًا تأثيرات أخرى مهمة على أسعار الفائدة بما في ذلك السياسة المالية (أي مدى احتياج الحكومة إلى الاقتراض) والعوامل الأخرى المرتبطة بالطلب مثل النمو الاقتصادي والعملات المنافسة.

فيما يلي مخطط موجز للعوامل المختلفة التي تؤثر في أسعار الفائدة:

مفهوم العائد على سندات الخزينة و أسعار الفائدة - العامل المؤثر في تحديد الأسعار العالمية - التغيير الفعلي في معدل الأموال الفدرالية

اقرأ أيضًا:

ما هي سندات الخزينة

الذعر المصرفي

ترجمة: ميسم رجب

تدقيق: رزوق النجار

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر