أثرت الاختراعات الصينية في الثقافة البشرية على مر العصور، إذ انتشرت اختراعات كالورق والبوصلة المغناطيسية والحرير عبر العالم، واليوم نستعرض أحد أهم تلك الاختراعات، التي أحدثت ثورة في مسيرة التاريخ العسكرية في العالم؛ البارود.

خميائيو الصين يخلطون المتفجرات:

حظيت مواد قليلة بتأثير بالغ في تاريخ البشرية كما فعل البارود، مع أنه اكتُشف صدفةً في الصين، وقد استُخدم للأهداف العسكرية منذ اكتشافه، ولم يُستخدم في الألعاب النارية كما تقول الأساطير، وتسرب هذا السلاح السري أخيرًا إلى بقية العالم القروسطي.

تلاعب الخيميائيون الصينيون بالملح الصخري وصنعوا البارود:

قضى الخيميائيون القدماء في الصين قرونًا وهم يحاولون اكتشاف إكسير الحياة، الذي يمنح لمستخدمه الخلود، وكان الملح الصخري والمعروف أيضًا بنترات البوتاسيوم أحد العناصر التي فشلت في تكون الإكسير.

ونحو عام 850 م، في ظل حكم أسرة تانج، خلط خيميائي مغامر (ضاع اسمه في التاريخ) 75 جزءًا من الملح الصخري مع 15 جزءًا من الفحم، و10 أجزاء من الكبريت، ولم يكن لهذا الخليط أي خصائص مميزة لإطالة الحياة، ولكنه انفجر محدثًا وميضًا وفرقعة عند تعرضه للهب، وطبقًا لنص يعود إلى الحقبة نفسها: «نتج دخان ولهب، وبالتالي احترقت أيدي ووجوه الخيميائيين، واحترق كذلك البيت الذي كانوا يعملون فيه».

استخدام البارود في الصين:

ذكرت العديد من الكتب الغربية عبر السنين أن الصينيين استخدموا هذا الاكتشاف فقط في الألعاب النارية، ولكن هذا غير حقيقي، إذ استخدمت قوات أسرة سونج أسلحة البارود ضد أعدائهم الأساسيين (المغول) في بدايات عام 904 م.

وشملت تلك الأسلحة «النار الطائرة» (فاي هو)، وهي عبارة عن سهم مزود بقناة احتراق للبارود ملحقة بجسم السهم، وكانت أسهم النيران الطائرة صواريخ مصغرة ألقت بنفسها وسط صفوف العدو، مثيرةً الرعب بين الرجال والخيول، ولابد أنها بدت سحرًا مخيفًا للمحاربين الذين واجهوا البارود أول مرة.

وشملت استخدامات أسرة سونج العسكرية للبارود: القنابل اليدوية البدائية، وقذائف الغاز السام، وقذائف اللهب، والألغام الأرضية.

وكانت القطع الأولى للمدفعية أنابيب صواريخ مصنوعة من الخيزران الأجوف، وسرعان ما استبدلوا المعدن بها، ويشير روبن ياتس الدكتور بجامعة ماكجيل إلى أن أول تصوير للمدافع في العالم يعود إلى عهد أسرة سونج الصينية، وذلك في رسم يعود إلى نحو عام 1127، ويسبق هذا التصوير بدء الأوروبيين بتصنيع قطع المدفعية بقرن ونصف.

تسرب سر البارود خارج الصين:

حاولت حكومة أسرة سونج بعد منتصف القرن الحادي عشر منع انتشار تكنولوجيا البارود إلى البلدان الأخرى، إذ مُنع بيع الملح الصخري للأجانب عام 1076، ومع ذلك، انتشرت المعلومات عن تلك المادة السحرية على طول طريق الحرير، ووصلت إلى الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وفي عام 1267 أشار كاتب أوروبي إلى البارود، وبحلول عام 1280، نُشرت أول وصفة للخليط الانفجاري في الغرب، وبذلك شاع السر الصيني.

اقرأ أيضًا:

خمسة اختراعات كيميائية نقلتنا إلى العالم الحديث

ألفريد نوبل سيرته الذاتية وأهم محطات حياته وأقواله

ترجمة: خالد مكاوي

تدقيق: أحمد فواز

مراجعة: حسين جرود

المصدر