لا بدّ أنّنا جميعًا سمعنا بالذرات والعديد منّا عرف عنها شيئًا ما، مثل أنّها تتكون من أنوية تحتوي بروتونات موجبة الشحنة ونيوترونات متعادلة، ويغلف محيطها ضبابة من الإلكترونات سالبة الشحنة، بيد أنّ هذه الجسيمات دون الذريّة ليست أصغر ما في المادة.

فعلى سبيل المثال تتكون البروتونات والنيوترونات من جسيمات تدعى كواركات، ولو نفذنا إلى عمق الذرة وتفحصنا هذه الجسيمات الصغيرة التي يتكوّن منها كل ما في الكون؛ فربما نصل إلى شيء مفاجئ أو حتّى مألوف بشكل ساحر، ألا وهو الأوتار.

تتلخّص الفكرة الجوهرية لنظرية الأوتار الفائقة في أن الإلكترونات والكواركات التي تكوّن مادّة الكون ليست صفرية الأبعاد، إنّما هي أوتار ذات بعد واحد، تتذبذب واهبةً المادة شحنتها وكتلتها وحركتها الدورانية وصفاتها بناءً على طريقة اهتزازها.

خلف الصفة الشاعرية التي تحيط بنظرية الأوتار، تقبع أكثر الرياضيات تعقيدًا في هذا العالم، من أجل دراسة هذه النطرية يجب أولًا دراسة حسابات التفاضل والتكامل وهندسة الفراغ التحليلية وعلم حساب المثلثات والاحتمالات والإحصاء، وتطوال القائمة!

وبعيدًا عن تعقيداتها أثبتت النظرية تماسك القاعدة الرياضية التي تقوم عليها، ما جعلها منافسًا قويًا لنظرية كل شيء أو نظرية إم التي تحاول تفسير جميع الظواهر الفيزيائية المعروفة في الكون، والتنبؤ بنتيجة التجارب التي يمكن تنفيذها نظريًا، وإذا أثبتت نظرية الأوتار دقّتها فستساعدنا على تفسير كافة أسرار الكون بدءًا من نشأة أصغر الجسيمات وحتّى الثقوب السوداء.

إلى جانب التفسيرات التي تقدّمها النظرية لشرح طبيعة الجسيمات الأوّلية، فإنها تفتح لنا بابًا أمام أحد الأفكار التي عادةً ما نجدها في أفلام الخيال العلمي، مفهوم الأكوان المتعددة، ربما تبدو الفكرة مجنونة في البداية، مثل أي نظرية فيزيائية في بدايتها، إلّا أن الرياضيات أثبتت صحّة هذه الفكرة حتى الآن.

ما نعرفه الآن هو أننا نعيش فى كون ثلاثي الأبعاد، وإن احتسبنا الزمن، بإمكاننا أن نعتبره كونًا رباعي الأبعاد، ولكن نظرية الأوتار تفترض أن هناك عشرة أبعاد، أو أحد عشر بعدًا مع احتساب الزمن، ورغم أن الفكرة تبدو خيالية إلّا أن ذلك ما أظهرته الحسابات الرياضية، التي لولاها لاستُبعدت نظرية الأوتار منذ زمن.

وإلى جانب فكرة الأبعاد الإضافية التي تقوم عليها النظرية فإن دراسة قوى الثقالة تعد أيضًا من ركائزها.