نظرية التطور هي حقيقة مثبتة علميًا، وتعد من المُسلّمات في الوسط العلمي، ولكن هناك سوء فهم لدى فئة واسعة من الناس حول معنى كلمة «نظرية».

النظرية هي منظومة من الأفكار المرتبطة تهدف لشرح فكرة علمية معينة، وأن كل فرع من تلك النظرية يخضع للدراسة والبحث والإثبات؛ ليشكل في النهاية نظرية مثبتة مكتملة تدعمها الأدلة العلمية، أو تستبعد تلك الأفكار إذا لم يكن هناك ما يكفي من الأدلة العلمية لإثبات صحتها.

فيما يلي ستة أسئلة متكررة يُساء فهمها بعض الأحيان حول نظرية التطور:

1- لماذا تنجو بعض الأنواع بينما تنقرض أنواعًا أخرى؟

يكون الانقراض غالبًا ناتجًا عن تغير الظروف البيئية والمناخية، فعندما تحدث تلك التغيرات تملك بعض الأنواع صفات وسمات تجعلها تتكيف مع البيئة الجديدة فتنجو وتبقى على قيد الحياة وتتكاثر، لكن هناك أنواعًا لا تمتلك تلك السمات، وبذلك لا تستطيع التأقلم مع الظروف البيئية الجديدة فيكون مصيرها الانقراض.

إذا كانت التغيرات البيئية بطيئة كفاية، فإن الأنواع في بعض الأحيان تطور السمات والتعديلات التي تحتاج إليها للتكيف مع الظروف البيئية الجديدة، أما إذا كانت تلك التغيرات أسرع من أن تسمح للكائن بالتطور وكان أفراد ذلك النوع يفتقرون للسمات التي يحتاجونها للنجاة في البيئة الجديدة، غالبًا ما يكون مصير تلك الأنواع هو الانقراض.

2- هل التطور متجه لأن يكون أكثر تعقيدًا؟

منذ ظهور الحياة على الأرض منذ نحو 3.8 مليار سنة، أدى التطور إلى ظهور الكثير من الكائنات الحية والتراكيب المعقدة، ودماغ الإنسان والعيون المجسمة مثالان على ذلك.

في الوقت نفسه هناك كائنات بسيطة التركيب مثل الطحالب والبكتريا والخميرة والفطريات التي نشأت واستمرت وازدهرت منذ مليارات السنين، إن وجود كائنات حية وحيدة الخلية خلال مرحلة تشهد وجود كائنات معقدة التركيب مثل البشر هي شاهد على حقيقة أن التطور خلال سلالةٍ معينة لا يتجه بالضرورة نحو التعقيد.

عندما تكون الأعضاء المعقدة مفيدة، فإن تلك الأعضاء ستنشأ تدريجيًا بمرور الوقت استجابةً لاحتياج الكائن. ومع ذلك، فإن الكائنات وحيدة الخلية تؤدي العديد من الأدوار وبشكل أفضل بكثير من أي كائن متعدد الخلايا، في الكائنات الحية متعددة الخلايا تقوم الخلايا المختلفة بأداء وظائف الجسم المختلفة بتراكيب أكبر وأكثر تعقيدًا على عكس الكائنات وحيدة الخلية التي تؤدي فيها الخلية الواحدة جميع وظائف الجسم، ولذلك فهي تبقى في حالة مستقرة نسبيًا من التكيف.

3- إذا كانت البرمائيات أسماكًا متطورة خلال عمليات التطور، فلماذا ما تزال الأسماك موجودة؟

الأدلة الأحفورية أظهرت بوضوح أن البرمائيات انحدرت من مجموعةً واحدة من أنواع الأسماك القديمة التي تطورت فيها الزعانف العظمية السميكة تدريجيًا بمرور الزمن إلى أن أصبحت أطرافًا استجابة لحاجة الكائن لتلك الأطراف على اليابسة، والأنواع الأخرى تطورت إلى أنواع الأسماك التي تجوب المحيطات والبحيرات وقنوات المياه حول العالم كما نراها اليوم، والأسماك مستمرة في التطور مثل غيرها من الكائنات الأخرى، السبب وراء استمرار وجود الأسماك هو وجود فرص لا حصر لها تحت الماء ملائمة لاستمرار تلك الأنواع.

عندما غادر أسلاف البرمائيات الأوائل الماء نحو اليابسة كانت قد وجدت الكثير من الفرص والظروف الجديدة، إلا أنه مع تنوع البرمائيات وغيرها من الكائنات الأخرى فإن تلك الفرص قد انخفضت على اليابسة وزاد التنافس على تلك الموارد، لذا لا تبقى هناك جدوى لخروج أنواع أخرى نحو اليابسة.

4- هل تستطيع القردة أن تتطور إلى أشباه بشر آخرين؟

هناك احتمال أن يحدث ذلك خلال ملايين السنين، قد تستطيع القردة أن تتطور لأشباه بشر آخرين، إلاّ أن هذا الاحتمال ضئيل جدًا؛ لأن البشر لم يتطوروا من أي نوع من أنواع القردة التي نعرفها اليوم، وإنما البشر والقردة انحدرا من سلفٍ مشتركٍ واحد في مرحلة ما قبل نحو 5-8 مليون سنة ليشكلا سلالتين منفصلين بمرور الوقت كما نراهم اليوم.

السبب الآخر هو أن تلك السلالات هي نتيجة مزيج من الضغط الانتقائي -يدفع الكائن نحو التطور بالانتقاء الطبيعي، ويجعل الكائن أكثر ملائمة مع الظروف البيئية المحيطة به- والطفرات الجينية بمرور ملايين السنين، لذا من غير المتوقع حدوث مثل هذا المزيج مرة أخرى.

5- هل يؤثر البشر على مسيرة التطور؟

يتفق معظم العلماء أن للبشر تأثيرًا كبيرًا جدًا في مسيرة التطور، مثل ظهور مقاومات المضادات الحيوية -التي تجعل البكتيريا تطور آليات تمكنها من مقاومة تلك المضادات- والمبيدات الحشرية وزيادة معدلات الانقراض الهائلة التي تسبب بها البشر. تأثيرنا في مسيرة التطور امتد حتى على تطور جنسنا البشري.

لقد حمتنا التكنولوجيا والثقافة إلى حد كبير من الضغط الانتقائي الذي يدفع الكائن للتطور بالانتقاء الطبيعي، ما يسمح للعديد من الناس خصوصًا أولئك الذين يعيشون في الدول المتقدمة الذين قد لا يعيشون لسن التكاثر دون تدخل طبي، أن يتمكنوا من تمرير جيناتهم للأجيال التالية.

لاحظ علماء آخرون أن التكنولوجيا والثقافة قد تغيرت لكنها لا تلغي دور الإنتقاء الطبيعي على البشر، نحن نتكيف الآن مع التزاحم والتلوث والأمراض الجديدة بدلًا من ضرورة الهرب من الحيوانات المفترسة، وأن البشر سيتطورون في المستقبل، لكن احتمالية التطور لأنواعٍ جديدةٍ منفصلة ضئيلة جدًا؛ لأنه لم يعد هناك وجود للمجموعات البشرية المنفصلة المتباعدة.

6- إذا كان البشر قد تطوروا بالفعل من القردة، فلماذا ما تزال القرود موجودة؟

في الواقع، لم يتطور البشر من أنواع القرود الحالية التي نراها اليوم، وإنما انحدر البشر والقرود من سلفٍ مشتركٍ واحد. مع أن السلف المشترك لم يكن مطابقًا للقرود الحالية إلاّ أنه بالتأكيد كان أكثر شبهًا بالقردة من البشر في المظهر والتصرفات.

تشير التقديرات والدراسات والكثير من الأدلة العلمية الأخرى أنه في مرحلةٍ ما قبل نحو 5-8 مليون سنة التي شَهِدت خلالها الكثير من التغيرات المناخية، السلف المشترك للبشر والقردة بمرور الوقت واستجابةً للتغيرات قد انقسم الى سلالتين منفصلين، إحداهما كانت سلالة أشباه البشر التي استمرت في التطور للكثير من الأنواع أحدها نحن «الهوموسيبيان-homo sapiens»، والأخرى كانت سلالة القردة الأفريقية العليا التي نراها اليوم.

اقرأ أيضًا:

ما هي نظرية التطور لداروين وماذا تقول؟

نظرية التطور ما زالت فاعلة ، أدلة على أننا ما زلنا نتطور

ترجمة: ياسين أحمد

تدقيق: غفران التميمي

المصدر