يُعَد المهندس والفيزيائي الصربي الأمريكي نيكولا تسلا (1856-1943) أحد أعظم العقول على الإطلاق، إذ اخترع عشرات الاختراعات الثورية في مجال إنتاج الطاقة الكهربية ونقلها وتطبيقها، ومن ابتكاراته المشهورة مولد التيار المتردد، وكذلك تطوير تقنية توليده ونقله، ورغم شهرته الكبيرة وما حظيَ به من تقدير، لم يبلغ مستوى نجاح رب عمله الأول ومنافسه الأبرز توماس إديسون في تحويل تلك الاختراعات إلى موارد مالية دائمة.

سنوات نيكولا تسلا المبكرة

وُلد تسلا سنة 1856 في سميليجان بكرواتيا، التي أصبحت فيما بعد جزءًا من الإمبراطورية النمساوية المجرية، وكان والده قسًا في الكنيسة الصربية الأرثوذكسية وأدارت والدته مزرعة العائلة، وفي عام 1863 توفي أخوه في حادثة زلزلت كيان الصغير ذي السبعة أعوام، الذي لازمته الرؤى منذ ذلك الحين وكانت من علامات اضطرابه العقلي.

كان الأديب مارك توين صديقًا للمخترع نيكولا تسلا منذ 1890، وكثيرًا ما زاره في معمله، التُقطت هذه الصورة للكاتب الأمريكي الكبير سنة 1894، وكانت من أوائل الصور المُضاءة بتقنية الضوء الفوسفوري

كان الأديب مارك توين صديقًا للمخترع نيكولا تسلا منذ 1890، وكثيرًا ما زاره في معمله، التُقطت هذه الصورة للكاتب الأمريكي الكبير سنة 1894، وكانت من أوائل الصور المُضاءة بتقنية الضوء الفوسفوري

درس تسلا الرياضيات والفيزياء في جامعة (جراز) التقنية، ودرس الفلسفة في جامعة براغ، وفي إحدى جولاته سنة 1882 لمعت في ذهنه فكرة مولد التيار المتردد، فخط الرسوم المبدئية للمغناطيس الكهربائي الدوار على رمال الطريق. وفي وقت لاحق من ذلك العام، انتقل إلى باريس وعمل في صيانة حقول طاقة التيار المستمر في شركة إديسون، وهاجر بعدها بعامين إلى الولايات المتحدة.

العملاقان (تسلا وإديسون)

وصل تسلا إلى نيويورك سنة 1884 وعُين مهندسًا في الفرع الرئيسي لشركة توماس إديسون في مانهاتن، ولفت عمله الدؤوب وبراعته النادرة نظر إديسون، فأخبر تسلا أنه مستعد لمنحه 50 ألف دولار مقابل تطوير تصميم الدينامو مولد التيار المستمر، وبعد أشهر من التجارب طور تسلا التصميم أخيرًا وطلب مكافأته، رد إديسون ساخرًا: «تسلا، يبدو أنك لا تفهم الدعابات الأمريكية». غضب تسلا وترك العمل بعدها بفترة وجيزة.

نيكولا تسلا ووستنغهاوس

لم ينجح تسلا في تأسيس شركته الخاصة، لكنه وجد أخيرًا داعمًا لبحثه في مجال التيار المتردد، بعد عمل مُضن في حفر الخنادق مقابل دولارين يوميًا. وفي عامي 1887 و1888 سجل تسلا أكثر من 30 براءة اختراع، ودُعي إلى معهد مهندسي الكهرباء الأمريكيين لعرض أعماله حيث جذبت انتباه المخترع (جورج وستنغهاوس)، الذي أطلق أول نظام للتيار المتردد في بوسطن، وكان منافس إديسون الأول في معركة التيار الكهربائي.

نيكولا تسلا: كل ما تحتاج إلى معرفته - المهندس والفيزيائي الصربي الأمريكي نيكولا تسلا - الاختراعات الثورية في مجال إنتاج الطاقة الكهربية ونقلها وتطبيقها

عُين تسلا في شركة (وستنغهاوس) التي رخصت براءة اختراعه لمولد التيار المتردد، وخصصت له معملًا، وفي عام 1890 دبّر إديسون تنفيذ إعدام قاتل مُدان على كرسي كهربائي موصل بدائرة تيار متردد، في حيلة ماكرة لإظهار خطورة التيار المتردد الذي تنتجه شركة وستنغهاوس.

بدأ تسلا يعمل بحرية بعد دعم حقوق الملكية التي أمنتها له شركة وستنغهاوس، لكن وستنغهاوس -مدفوعًا بضغط شركائه- اضطر لإعادة التفاوض على بنود العقد ليتخلى تسلا عن هذه الحقوق. وفي تسعينيات القرن التاسع عشر، اخترع تسلا المُذبذب الكهربائي، والعدادات، والأضواء المحسنة، ومحول الجهد العالي المعروف بملف تسلا، واختبر أشعة إكس، وصنع اختبارًا توضيحيًا لاتصالات الراديو قصيرة المدى قبل ماركوني بسنتين، ووجَّه قاربًا بموجات الراديو حول بركة في حديقة ماديسون سكوير، وبالتعاون مع وستنغهاوس أنار معرض (كولومبيا) العالمي في شيكاغو سنة 1891، وشارك في مشروع (جنرال إليكتريك) لتثبيت مولدات التيار المتردد في شلالات نياجرا، ما يُعَد أول محطة توليد كهرباء حديثة.

محاولاته الفاشلة، ووفاته، وإرثه

احترق معمل تسلا في نيويورك عام 1895 فضاعت سنوات من الملاحظات، ودُمِّرَت معداته. انتقل بعدها تسلا إلى (كولورادو سبرينغز) عامين ثم عاد إلى نيويورك سنة 1900، وحصل على دعم الممول (جي بي مورجان)، ما مكنه من بدء تأسيس شبكة عالمية للاتصالات مركزها برج عملاق في (واردينكليف) في لونغ أيلاند، لكن شركة مورجان تراجعت عن دعم مخططات تسلا بعد نفاد التمويل.

عاش تسلا عقده الأخير في فندق في نيويورك منكبًا على اختراعات جديدة، رغم انخفاض طاقته واعتلال صحته العقلية، ولم يهتم أحد بوسوسته فيما يتعلق بالنظافة وهوسه الغريب بالرقم 3، وربما فُسر ذلك بأنه من أعراض عبقريته، وعاش أيامه الأخيرة يُطعم الحمام ويتواصل معه كما كان يظن.

توفي تسلا في 7 يناير 1943، وفي نفس العام ألغت المحكمة العليا الأمريكية 4 براءات اختراع لماركوني، وأيدت استحقاق تسلا لها، وما زال التيار المتردد الذي اكتشفه تسلا وطوره المعيار الدولي لنقل الطاقة حتى يومنا هذا.

اقرأ أيضًا:

الخبير الكهربائي الموهوب بالتخّيل: السيرة الذاتية للفيزيائي نيكولا تسلا

مقارنة: أعمال وشخصية تسلا ضد اديسون

ترجمة: أحمد جمال

تدقيق: سمية المهدي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر