تعريف اقتصاد عدم التدخل

اقتصاد عدم التدخل هو نظرية قائمة على عدم تدخل الحكومة في الاقتصاد، إذ ترى أن الاقتصاد يصبح في أفضل حال إذا اقتصرت مهمة الحكومة على حماية حقوق مواطنيها.

بمعنى آخر، عدم التدخل يعني أن تدع السوق يسيّر عملياته بنفسه، حينها ستدور عجلة إنتاج السلع والخدمات بكفاءة تبعًا لقوانين العرض والطلب في السوق، يشمل العرض الموارد الطبيعية ورأس المال والعمالة، في حين يشمل الطلب مشتريات المستهلكين والشركات والحكومة.

كان الرئيس الأمريكي السابق هربرت هوفر أحد أشد مؤيدي سياسة عدم التدخل، لاعتقاده بأن الاقتصاد الرأسمالي بإمكانه إدارة نفسه بنفسه، وكان التزامه بميزانية متوازنة عند مواجهة انهيار سوق الأسهم عام 1929 سببًا في تفاقم الركود الاقتصادي إلى الكساد العظيم.

أدت الضغوط التي مارسها الكونجرس على هوفر آنذاك إلى اتخاذ إجراءات من شأنها تصحيح الوضع الاقتصادي للبلاد، فركز على استقرار الشركات والأعمال، لاعتقاده بأن ازدهارها سينعكس إيجابًا على عامة الشعب، وخفض معدل الضريبة نقطة واحدة من أجل محاربة الكساد. أدت سياسة هوفر القائمة على نظرية عدم التدخل إلى زيادة الديون بمقدار 6 مليارات دولار.

آلية عمل اقتصاد عدم التدخل

يتمثل دور الحكومة الوحيد في اقتصاد عدم التدخل في منع أي عمليات قسرية قد يتعرض لها أفرادها، مثل حالات السرقة والاحتيال والاحتكار التي تحد من عمل القوى الاقتصادية في السوق.

تتطلب سياسات عدم التدخل 3 عناصر رئيسية لتعمل بالشكل المطلوب، وهي: الرأسمالية واقتصاد السوق الحر ونظرية السوق العقلانية.

الرأسمالية

الرأسمالية هي نظام اقتصادي فيه تتحكم المؤسسات الخاصة في مفاتيح الإنتاج. لخّص الممثل مايكل دوغلاس بدور جوردون جيكو الشهير في فيلم وول ستريت عام 1987 فلسفة رأسمالية عدم التدخل في مقولته: «الجشع، لعدم وجود مصطلح أنسب، أمرٌ جيد».

كان جيكو يعتقد بأن الجشع يجسد جوهر الروح التطورية بحسب وصفه، إذ إن جشع الحياة والمال والحب والمعرفة وغيرها أدى عبر الزمن إلى ارتقاء الجنس البشري.

يرى جيكو أن تدخل الحكومة في الولايات المتحدة حوّل البلاد إلى شركة عاطلة عن العمل، لكن الجشع قادر على إصلاحها إذا ما أوقفت الحكومة تدخلاتها.

في السياق ذاته، قال الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان إن الحكومة ليست الحل لمشكلة البلاد، بل هي المشكلة ذاتها. حال الالتزام بسياسة عدم التدخل، تسمح الحكومة للرأسمالية بإدارة أعمالها بحُرية مع الحد الأدنى من التدخل.

اقتصاد السوق الحر

تتطلب الرأسمالية وجود سوق حر لتحديد الأسعار وتوزيع السلع والخدمات، إذ بإمكان الشركات بيع منتجاتها بأعلى سعر يدفعه المستهلكون، في حين يبحث المستهلك عن أقل سعر يمكن الحصول عليه. وفي حين يعرض العمال خدماتهم بالأجر الأعلى الذي يتوافق مع مهاراتهم، يسعى أصحاب العمل جاهدين للحصول على أفضل العمال بأقل الأجور الممكنة.

يتطلب اقتصاد السوق الحر وجود مؤسسات ذات ملكية خاصة تبيع السلع والخدمات، يتمتع أصحابها بحرية الإنتاج والبيع والشراء ضمن سوق ذات ميزة تنافسية بأقل الأسعار وأجود السلع والخدمات.

تؤدي زيادة الطلب على منتج ما إلى ارتفاع سعره بطبيعة الحال، ما يسمح للمتنافسين بتعزيز أرباحهم بزيادة إنتاجه، ليعاود سعره الانخفاض من جديد، حتى لا يبقى سوى أفضل المتنافسين.

تقتصر مهمة الحكومة في اقتصاد عدم التدخل على حماية الأسواق، بالتحري وملاحقة أي شخص يتلاعب بالأسواق، إضافةً إلى إتاحة الوصول إلى المعلومات للجميع.

نظرية السوق العقلانية

يفترض اقتصاد عدم التدخل أن السوق الحرة تستوجب تسعير كل استثمار بصورة عقلانية، تنص نظرية السوق العقلانية على أن قرارات جميع المستثمرين قائمة على المنطق وليس العاطفة، إذ يبحث المستهلكون عن جميع المعلومات المتعلقة بكل سهم أو سند أو سلعة، ويحق لجميع المشترين والبائعين الوصول إلى المعلومات والمعرفة ذاتها. إذا حاول شخص ما المضاربة ورفع السعر إلى أعلى مما يستحق، سيسارع المستثمرون اليقظون إلى البيع. عمومًا، حال كانت نظرية السوق العقلانية صحيحة، فحتى الصندوق المشترك الذي تديره مجموعة من الشركات والمستثمرين الجيدين لن يكون قادرًا على التفوق على صندوق المؤشر.

يعتمد المستثمرون في اتخاذهم قرارات التداول على مزيج من الخبرة المكتسبة من الحاضر مع بعض التوقعات المستقبلية، ويبقى دفع المستحقات بالأسهم المستقبلية الخيار المفضل والحافز الرئيسي للرؤساء التنفيذيين للشركات، لكن في الواقع، آلت الأبحاث إلى وجود علاقة عكسية بين راتب الرئيس التنفيذي للشركة وأدائها العام.

لا تعترف نظرية السوق العقلانية بميل الإنسان إلى عاطفته حين يتخذ قرارًا بشراء حتى سهم واحد، لكن الواقع يناقض هذه النظرية، إذ غالبًا ما يتبع المستثمرون الرأي العام رغم مناقضته للمعلومات المتاحة. تُعد الأزمة المالية عام 2007 خير دليل على ذلك، حين قاد الجشع المستثمرين إلى تجاهل علامات التحذير الخطيرة آنذاك.

آراء متعلقة باقتصاد عدم التدخل

وصفت الكاتبة الروسية الأمريكية آين راند رأسمالية عدم التدخل بضرب من الخيال لا وجود له على أرض الواقع، وأضافت أن مهمة الحكومة تقتصر على حماية حقوق الأفراد، متفقةً مع رأي الآباء المؤسسين أن لكل شخص الحق في الحياة والحرية والتملك والسعي وراء السعادة، خاصةً لمن لا يمتلكون وظائف مستقرة أو رعاية صحية شاملة أو حق التعليم.

كان للاقتصادي النمساوي لودفيج فون ميزس رأي آخر، إذ رأى أن اقتصاد عدم التدخل يؤدي إلى زيادة الإنتاجية، وأن الحكومة غير قادرة على اتخاذ الكم الهائل من القرارات الاقتصادية التي تشمل جميع أطياف المجتمع، ولا يحق لها التدخل في الاقتصاد إلا بما يتعلق بالشأن العسكري. كان لودفيج فون ميزس معاديًا للنظام الاشتراكي.

سياسة عدم التدخل في الولايات المتحدة

يرى كل من آين راند ولودفيج فون ميزس أن الولايات المتحدة لم تملك سوقًا حرة عبر تاريخها أبدًا، ما يفسر عدم نجاح محاولات تطبيق سياسات عدم التدخل. على أي حال، يتضمن دستور الولايات المتحدة أحكامًا تحمي السوق الحرة، وهي:

  •  تنص المادة الأولى في القسم الثامن على حماية ملكية الابتكارات، بوضع بند يضمن حق ملكية المبتكر.
  •  تنص المادة الأولى في القسمين التاسع والعاشر على احترام حرية التجربة وحق الاختيار.
  •  يُحظر على الولايات فرض الضرائب على سلع وخدمات ولاية أخرى.
  •  ينص التعديل الرابع على حماية الملكية الخاصة والحماية من عمليات البحث غير المبررة.
  •  ينص التعديل الخامس على حماية ملكية الممتلكات الخاصة.
  •  ينص التعديل الرابع عشر على منع الولاية من مصادرة الممتلكات الخاصة دون اتباع الإجراءات القانونية اللازمة.
  •  ينص التعديلان التاسع والعاشر على الحد من تدخل الحكومة في الحقوق غير المشار إليها في الدستور بوضوح.

قدمت القوانين التي نص عليها الدستور التسهيلات للعديد من القطاعات والصناعات الخاصة، ومنها الإعانات والتخفيضات الضريبية والعقود الحكومية. مع أن القوانين التي تحمي حقوق الأفراد لا ترتقي إلى المستوى المطلوب، ما زال الكثيرون يعارضون القوانين التي تجرم التمييز على أساس جنسي أو عرقي، ما يدفعنا إلى القول بأن الشركات كثيرًا ما تتمتع بحقوق تفوق حقوق الأفراد.

اقرأ أيضًا:

فرضية السوق المتكيف

ما المقصود بالعدالة الاقتصادية؟

ترجمة: ذو الفقار مقديد

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: نغم رابي

المصدر