نعلم أن جميع القوى الأساسية في الكون تتبع قوانين ميكانيكا الكم، باستثناء الجاذبية. إن إيجاد طريقة لإدخال الجاذبية في ميكانيكا الكم سيشكل قفزةً عملاقة نحو “نظرية كل شيء” التي يمكنها تفسير طريقة عمل الكون من المبادئ الأولى بشكل كامل. إن الخطوة الأساسية لمعرفة إذا كانت الجاذبية مكممة –أي تخضع لقوانين فيزياء الكم- هي العثور على الجسيم الأولي المفترض للجاذبية، والمسمى الغرافيتون.

بحسب ميكانيكا الكم, كل شيء يتكون من كمات طاقة (كوانتا) يمكنه أن يسلك سلوك موجة وجسيم في آن معًا، فمثلًا تسمى كوانتا الضوء فوتونات. إن إثبات وجود الغرافيتون، وهو كوانتا الجاذبية المفترض، سيثبت أن الجاذبية مكممة.

تكمن المشكلة في كون الجاذبية ضعيفة للغاية، إذ أنه لرصد الأثر الضئيل الذي يحدثه الغرافيتون على المادة يجب أن يكون كاشف الجرافيتونات ضخمًا لدرجة أنه سينهار على نفسه مشكلًا ثقبًا أسودًا، كما قال الفيزيائي فريمان دايسون.

يقول عالم الفيزياء الكمية ريتشارد نورتي من جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا: «إحدى المشاكل في نظريات الجاذبية الكمومية هي أن تنبؤات هذه النظريات شبه مستحيلة للاختبار تجريبيًا».

في عام 2015، اقترح عالم الفيزياء النظرية جيمس كوتش الذي يعمل حاليًا في جامعة أديلايد في أستراليا طريقةً لرصد الجرافيتونات عن طريق الاستفادة من طبيعتها الكمومية. بحسب ميكانيكا الكم، الكون غامض بطبيعته.

مثلًا، لا يمكن أبدًا معرفة موضع مكان الجسيم وزخمه (كمية حركته) في آن واحد، يسمى هذا بمبدأ الشك أو عدم اليقين، وأحد ما يعقب عنه هو أن الفراغ ليس خلاءً تامًا، بل يعج بجسيمات تتولد من العدم ثم تختفي بعد لحظات. قد تكون هذه الجسيمات من أي نوع من الكوانتا بما فيها الغرافيتونات.

قبل عقود، رصد العلماء تأثير الجزيئات الافتراضية، فإذا وضعنا مرآتين متوازيتين في الفراغ تفصل بينهما مسافة صغيرة جدًا, فإنهما ستقتربان أو تبتعدان عن بعضهما البعض بتأثير الجسيمات الافتراضية، يسمى ذلك بتأثير كازمير.

أشارت الأبحاث السابقة إلى أن الموصلات الفائقة قد تعكس الغرافيتونات، كما تعكس المرآة الفوتونات، أكثر من المواد العادية، لذلك إذا كررنا التجربة السابقة باستخدام صفيحتين مصنوعتين من مواد ذات موصلية فائقة فقد نستطيع رصد تأثير الغرافيتونات، إذ سيكون التأثير أقوى بعشرة أضعاف من ذلك الناتج عن تأثير كازمير القائم على الفوتونات وحدها، أي ستكون قوة انجذاب أو ابتعاد الصفيحتين أكبر بعشر مرات.

طور نورت وزملاؤه رقاقةً لإجراء هذه التجربة، تحتوي هذه الرقاقة على صفيحتين مجهريتين مطليتين بالألمنيوم بُردَتا تقريبًا إلى الصفر المطلق كي يصبحا موصلين فائقين. ثُبتَت إحداهما على مرآة متحركة، وأطلق ليزر على تلك المرآة. إذا تحركت الصفائح بسبب تأثير كازمير بفعل الغرافيتونات، فإن تردد الضوء الذي ينعكس عن المرآة سيتغير بشكل ملموس.

هل الجاذبية كمومية وما هو الغرافيتون حواص الغرافيتونات الجرافيتون الجرافيتونات الجاذبية المكممة موجات الجذب الفيزياء الكمومية

نُشرَت نتيجة التجربة في 20 تموز في مجلة “Physical Review Letters”، ونصّت على أن العلماء لم يرصدوا أي دليل على تأثير كازمير بفعل الغرافيتونات. لا تستبعد هذه النتيجة بالضرورة وجود الغرافيتون أو الطبيعة الكمومية للجاذبية، بدلاً من ذلك، قد يعني هذا ببساطة أن الغرافيتون لا يتفاعل مع الموصلات الفائقة بنفس القوة التي قدرها العلماء سابقًا، كما يقول الفيزيائي والمرشح لجائزة نوبل فرانك ويلشيك من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

على الرغم من أن رقاقة نورتي لم تحدد إن كانت الجاذبية كمومية، فإن علماء آخرين يتبعون أساليب أخرى لتحديد ذلك. على سبيل المثال، في عام 2017، أشارت دراستان مستقلتان إلى أنه إذا وُجدَت الغرافيتونات، فيمكن أن يرتبط اثنان بما يعرف باسم «التشابك الكمومي»، فتؤثر حالة أحد الجسيمين على حالة الجسيم آخر في نفس اللحظة، مهما بعدت المسافة بينهما.

قد تساعد تجربة تستخدم أشعة الليزر والماس المجهري في البحث عن تشابك مشابه للتشابك القائم على الغرافيتونات. توضع البلورات في الفراغ لتجنب التأثيرات الخارجية، بحيث تؤثر على بعضها البعض بالجاذبية فحسب، ثم نتركها تسقط سقوطًا حرًا في نفس الوقت، إذا كانت الجاذبية مكممة، فإن الجاذبية التي تمارسها كل بلورة على الأخرى قد تشبكهما معًا.

يتحرى الباحثون عن التشابك عن طريق تسليط أشعة ليزر على كل ماسة مجهرية بعد السقوط، إذا كان لدوران الجسيمات حول محاورها في البلورة نفس الاتجاه فستتألق، لكنها لن تتألق إذا كان دوران الجسيمات حول محاورها غير متوافق، أي في اتجاهين متضادين. إذا كان تألق البلورات متزامنًا أكثر من التزامن المتوقع من الصدفة، فإن هذا يشير إلى التشابك.

يُعد النظر لإشعاع الخلفية الكوني طريقةً ثالثة لإيجاد دليل حول الجاذبية الكمية. يقول عالم الكونيات آلان غوث من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «انظر إلى إشعاع الخلفية الكوني مباشرةً بعد الانفجار العظيم».

نعلم أن الغرافيتونات تسلك سلوك الموجات وأن الموجات الأقصر هي الأكثر تقلبًا. وعندما توسع حجم الكون بشكل مذهل بعد جزء من الثانية من الانفجار العظيم، امتدت تلك الأطوال الموجية القصيرة إلى نطاقات أطول عبر الكون. قد يترك ذلك نمطًا في إشعاع الخلفية الكونية.

لكن شدة هذا النمط تختلف بين نماذج التضخم بشكل كبير، ويضيف: «إذ تتنبأ بعضها بأن النمط سيكون واضحًا، بينما تتنبأ أخرى بأن النمط سيكون أضعف من وجود أمل لرصده».

طريقة أخرى لمعرفة ما إذا كانت الجاذبية مكماة هي البحث مباشرة عن تقلبات كمومية في الموجات الثقالية، والتي يُعتَقد أنها تتكون من غرافيتونات تكونت بعد فترة وجيزة من الانفجار العظيم. يقول غوث إن مرصد (ليغو -LIGO ) رصد لأول مرة الموجات الثقالية عام 2016، لكنه ليس حساسًا بدرجة كافية لرصد الموجات الثقالية المتقلبة في الكون المبكر.

في ورقة بحثية نُشرَت مؤخرًا في مجلة “Classical and Quantum Gravity”، يجادل عالم الفيزياء الفلكية ريتشارد ليو من جامعة ألاباما، بأنه لو حملت الغرافيتونات نفس الطاقة التي تتنبأ بها بعض النماذج الحالية لفيزياء الجسيمات لرصدها (LIGO).

ربما يمتلك الغرافيتون طاقةً أقل مما كان متوقعًا، لكن ليو يشير إلى أن هذا قد يعني أيضًا أن الغرافيتون غير موجود. يقول ليو: «إذا لم يكن الغرافيتون موجودًا أبدًا، فسيكون ذلك خبرًا سارًا لمعظم علماء الفيزياء، لأننا نعاني كثيرًا لتطوير نظرية جاذبية كمومية».

ومع ذلك، قد يكون ابتكار نظريات تلغي الجاذبية بنفس صعوبة ابتكار نظرية تبقيها. يقول غوث: «أنا لا أعرف أي نظرية تشرح كيف تتفاعل الجاذبية الكلاسيكية مع المادة الكمومية، ولا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن لنظرية كهذه أن تعمل».

اقرأ أيضًا:

هل يمكن اختبار الجاذبية الكمومية باستخدام التكنولوجيا الحالية؟

ما هي الجاذبية من منظور الفيزياء الحديثة؟

ترجمة: مهران يوسف

تدقيق: علي فرغلي

المصدر