أكد الجيولوجيون الذين يدرسون الصخور التي خلفها ذوبان الصفائح الجليدية الكندية القديمة نظريةً مفادها أن العصر البارد الجاف والمعروف باسم ” Younger Dryas” في شمال الكرة الأرضية والذي امتد 1200 عامًا كان سببه ظاهرة الاحتباس الحراري.

استغرق العصر البارد الجاف من حوالي 12.900 حتى 11.700 سنة مضت، وشهدت درجات الحرارة في شمال شرق أمريكا الشمالية وأوروبا وغرينلاند انخفاضًا مذهلًا بلغ 10 درجات مئوية.

يقول آندي ويكرت (Andy Wickert) عالم الجيولوجيا في جامعة مينيسوتا في الولايات المتحدة، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: «لقد كانت انتكاسة حادًة وتقريبًا كاملة نحو ظروف العصر الجليدي››.

إحدى النظريات التي حاولت تفسير هذه الانتكاسة افترضت تأثيرًا لكويكب أو مذنب ملأ الغلاف الجوي بالضباب، مما قلل من كمية ضوء الشمس التي تصل إلى السطح. لكن ليس واضحًا كيف سبب ذلك تبريدًا طويل المدى.
وهناك نظرية أخرى أكثر شعبيةً افترضت تدفق كمياتٍ كبيرةٍ من المياه العذبة إلى شمال الأطلسي.

وهناك ما يسمى بالدوران الحراري الملحي في شمال المحيط الأطلسي، حيث تحمل التيارات مثل تيار الخليج المياه الدافئة من الأماكن البعيدة إلى الشمال مثل كندا وأيسلندا والمملكة المتحدة وحتى النرويج.

على طول الطريق، تبرد المياه لتصبح أكثر كثافة وتنزل للأسفل ثم تُستبدل بمياه أكثر دفئًا من الجنوب. هذه العملية هي آلية مهمة لسحب الحرارة شمالًا من المناطق المدارية، وهو سبب رئيسي يجعل النرويج أكثر دفئاً من سيبيريا.

لكن المياه العذبة أقل كثافة من مياه البحر بنسبة 2.5٪. إن تدفق كمياتٍ كبيرةٍ منه إلى شمال المحيط الأطلسي سيؤدي إلى منع المياه السطحية من النزول إلى أعماق ذات نسبة ملوحة أعلى عندما تتحرك.

ريتشارد آلي، عالم الجيولوجيا في جامعة بنسلفانيا يونيفرسيتي بارك، يقارن ذلك بإقحام مفك براغي في رباط ناقل بقالية وفي اللحظة التي يقع فيها الرباط تتوقف الحركة بشكل مفاجئ.

يقول ريتشارد آلي» :  إنه ليس تشبيهًا مثاليًا ، ولكن إذا تدفقت كمية كافية من الماء إلى شمال المحيط الأطلسي في الصيف ، فستقوم المياه بتغطية المحيط في الشتاء الموالي وتجميده ، وستكون هناك موجة برد››.

في الواقع، هذة كانت الفكرة وراء فيلم “the day after tomorrow” لعام 2004 ، على الرغم من أن الفيلم قد بالغ بشكلٍ كبير في العلوم لدرجة أن معظم العلماء في هذا المجال انضموا إلى النقاد في وصفها بأنها فكرة فظيعة.

في الدراسة الجديدة التي نشرت على الانترنت في دورية (Geology) وجد الباحثون طريقًا من المحتمل
أن يكون نهرًا كبيرًا قد ألقى بكمياتٍ هائلةٍ من المياه في شمال المحيط الأطلسي في الوقت المناسب لتحفيز ظاهرة Younger Dryas

هذه المياه يمكنها أن تأتي من بحيرة هائلة، تسمى بحيرة أغاسيز (Agassiz)، والتي امتدت في أوقات مختلفة عبر مساحات شاسعة من المقاطعات الكندية مثل مانيتوبا وساسكاتشوان وأونتاريو.

قبل Younger Dryas ، استنزفت هذه المياه جنوبًا ، في نهر ميسيسيبي في أمريكا ومن هناك إلى خليج المكسيك ، حيث كان تأثيرها على المناخ محدودًا.

ولكن استنادًا إلى النظائر المشعة في صخور الجرانيت، أظهر العلماء أن قناةً جديدةً فتحت باتجاه الشرق في الوقت المناسب تمامًا لتحريك Younger Dryas ، مع مرور المياه عبر البحيرات الكبرى الحديثة وصولًا إلى شمال المحيط الأطلسي عبر نهر سانت لورانس الكندي.

ويقول الباحث في هذه الدراسة اندرس كارلسون (Anders Carlson) ، وهو عالم جيولوجي جليدي في جامعة ولاية أوريغون ، كورفاليس، أن هذا الاكتشاف جاء من استخدام البريليوم -10 لقياس الوقت الذي مضى لظهور هذه الصخور تحت الجليد.

ويقول كارلسون أن البيرليوم – 10يتكون من قصف الأشعة الكونية ، والتي تنتجه في شكل حبيبات الكوارتز ، بمعدل حوالي أربع إلى خمس ذرات لكل غرام ، في السنة .

ومن الممكن تحديد الوقت الذي ظهرت فيه هذه الصخور لأول مرة في ضوء النهار من خلال قياس كمية الصخور التي تم اقتلاعها من الصخور السفلية بواسطة الغطاء الجليدي ، والتي سحبت جنوبًا ثم بقيت محميةً بآلاف الأمتار من الجليد حتى ذاب .

ومقارنةً بقياس كميات الحرق الشمسي المتراكمة على هذه الصخور منذ تعرضها للضوء لأول مرة – على الرغم من أن معظم الأشعة الكونية تأتي من مصادر أخرى غير الشمس ، فإن “الحرق الفضائي” ربما يكون مصطلحًا أكثر دقة. في كلتا الحالتين وكما يقول كارلسون : «يمكننا أن نؤرخ مباشرة للتقهقر الجليدي››

قد لا يبدو اكتشاف سبب تغير المناخ الذي يعود تاريخه إلى 12 ألف عام أمرًا مهمًا، لكن الحقيقة هي أننا في عصرٍ جديدٍ من الاحتباس الحراري، حيث يذوب الجليد بسرعةٍ مرة أخرى. ويقول كارلسون إنه من المتوقع أن يذوب الغطاء الجليدي في غرينلاند بالكامل في حوالي 1300عام لتحقيق تدفق مياه عذبة مماثل في شمال المحيط الأطلسي .

يقول كارلسون : « هذا الامر معقول فهناك الكثير من الاحتباس الحراري، لكنه ليس خارج نطاق الاحتمالية. ››

وبينما كانت ظاهرة البرد القارس في Younger Dryas ظاهرة في نصف الكرة الشمالي، فإن العوامل التي منعت الحرارة من التحرك شمالًا هي نفسها التي تسببت في تراكمها في الجنوب.
يقول كارلسون: «إن الأنهار الجليدية في جبال الألب النيوزيلندية تراجعت<<

هذا دون أن ننسى أن التبريد في أقصى الشمال يمكن أن يحرك الرياح الموسمية.

يقول كارلسون: «موقعها الطبيعي هو شمال خط الاستواء قليلاً، ولكن إذا قمت بتبريد نصف الكرة الشمالي، فيمكنك تحويل نطاق الرياح الموسمية جنوبًا››


  • ترجمة: أشرف ابن نصر
  • تدقيق: م. قيس شعبية
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر