لطالما فكر الناس بتحويل المريخ من كوكب جاف بارد إلى كوكب يمكن أن يسكنه البشر. إن فكرة استصلاح المريخ هذه كانت رائجة لعقود من الزمن في الخيال العلمي والإعلام. إذ ظهرت -على سبيل المثال- في العديد من أفلام ستار تريك والحلقات التلفزيونية. وحقيقة، ظهرت هذه الفكرة لأول مرة عندما افترض بيرسيفال لويل (Percival Lowell) أن المريخ يسكنه مريخيون يستخدمون قنوات عملاقة لنقل المياه من قطبي المريخ إلى خط الاستواء.

هل يمكن استصلاح المريخ اليوم؟

يتوقف ذلك على وجود ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون المحبوس في الكوكب والذي يمكن إعادته مرة أخرى إلى الجو لخلق غلاف جوي أكثر كثافة وبيئة أكثر دفئًا. لقد استخدم العلماء قياسات المركبات الفضائية من السنوات العشرين الماضية لتقدير كمية ثاني أكسيد الكربون المتبقية على كوكب الأرض.

نشرت مؤخرًا ورقة في Nature Astronomy قيمت كمية ثاني أكسيد الكربون المتبقية التي يمكن إطلاقها باستخدام التكنولوجيا الحالية. لم يتطرقوا إلى التكنولوجيا التي يمكن استخدامها، لكن “إيلون ماسك” اقترح أننا نستطيع ببساطة تفجير قنابل نووية فوق قطبي المريخ والحرارة الناتجة ستطلق ثاني أكسيد الكربون المحبوس في القطبين إلى الغلاف الجوي، وأن هذا الغلاف الجوي الأكثف سيؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب عن طريق تأثير “البيت البلاستيكي” (نفس التأثير الذي يسبب الاحتباس الحراري على الأرض).

استصلاح المريخ البشر

لكن قبل أن نكشف عن الإجابة يجب توضيح بعض المعلومات الأساسية:

نعرف الآن أن المريخ ليس مأهولًا بالمريخيين، على الرغم من أنه من الممكن أن تكون هناك ميكروبات تعيش تحت سطح أرضه. لقد أسفرت أكثر من 50 سنة من المهام الروبوتية -معظمها من قبل وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) والوكالة الأوروبية للفضاء- عن فهم المجال المغناطيسي للكوكب الذي كان في يوم من الأيام قويًا بعكس وضعه الحالي.

كما أدت للكشف عن دلائل على قنوات ضخمة من الأنهار والبحيرات الدائمة وتطور معقد للأغطية القطبية. لقد غيرت هذه الاكتشافات وغيرها من فهمنا لبيئة المريخ وتسببت في جعل مجتمع علوم الكواكب يعيد النظر في كوكب المريخ ككوكب ديناميكي له تاريخ معقد.

في الدراسة المذكورة، وجد العلماء أن الكثير من ثاني أكسيد الكربون في كوكب الأرض قد ضاع في الفضاء، ومما تبقى قليل جدًا ما يمكن إرجاعه إلى الغلاف الجوي. يبلغ الضغط الجوي الحالي للمريخ حوالي ستة ميلي بارات، أو ما يزيد قليلاً عن 0.5% من الضغط على سطح الأرض.

إن غاز ثاني أكسيد الكربون موجود على شكل جليد في القطبين، أو غاز “ممتز” (أي مرتبط فيزيائيًا) بالحطام الصخري “الريغولث” (regolith)، أو كربونات معدنية في الريغولث أو داخل القشرة، ومن المحتمل أيضًا أن يوجد كمُركّب قفصي (clathrates) يتألف من جزيئات ماء تشكل مجسمًا له شكل قفص من الممكن أن يحتجز جزيئًا ما مثل CO2.

كمية الغاز الموجود في هذه الخزانات قد لا تتجاوز الـ 100 ميلي بار (أي إذا أطلقناها وحسبنا ضغطها)، وربما فقط حوالي 20 ميلي بار يمكن أن تؤثر في ضغط الغلاف الجوي. هذا أقل بكثير من الضغط المطلوب لتسخين الكوكب بما فيه الكفاية لجعل الماء قابلًا للتواجد بحالة سائلة مستقرة.

إن مدى صعوبة مهمة استصلاح المريخ يصبح واضحًا إذا نظرنا إلى الكميات الهائلة من ثاني أكسيد الكربون التي أطلقها البشر إلى الغلاف الجوي الأرضي من خلال حرق الوقود الأحفوري. نحن نحتاج لكمية من ثاني أكسيد الكربون أكبر بعدد من المراتب من تلك التي صدرت عن البشرية جمعاء عبر التاريخ. سوف يتطلب الأمر ما يعادل مليون جبل من ثاني أكسيد الكربون كل منها بقطر قاعدة حوالي كيلومتر واحد كي نستصلح المريخ.

كوكب جاف الخيال العلمي

قد يكون هناك طرق للقيام بذلك من دون الكثير من غاز قاني أكسيد الكربون، مثل تصنيع وإطلاق غازات دفيئة بكفاءة أعلى بكثير للحبس الحراري. ولكن مثل هذا لن يصبح واقعًا قبل زمن طويل؛ نظرًا لأننا لم نرسل حتى الآن أول رحلة بشرية إلى كوكب المريخ.

في المستقبل المنظور، على الأقل، سيستخدم أي إنسان ذاهب إلى المريخ بذلة فضائية ومساكن مغلقة لاستكشاف الكوكب الأحمر، مثلما فعلنا لاستكشاف القمر في أواخر الستينات وأوائل السبعينيات.

إن أعظم كنز عند البشرية هو خيالها. يمكن لهذا الخيال أن يأتي من الحالمين مثل العلماء، ورجال الأعمال، والمخترعين أو قادة العالم -الأفراد الذين يمكن أن يروا أبعد حدودنا الحالة بالنسبة للفضاء الخارجي- إذ يعمل خيالهم العلمي كمرشد لمستقبل لا يقتصر فيه تواجد البشر على الأرض. مع استمرار التكنولوجيا في تغيير حياتنا اليومية، قد يصبح الخيال العلمي حقيقة، وقد تساعد في حل مشاكلنا الحالية في استصلاح المريخ.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: مهران يوسف
تدقيق: فارس سلطة

المصدر