يمكن القول بأن التدفقات الراديوية السريعة (FRBs) هي الظاهرة الأغرب في كوننا حاليًا، فهي من أقوى الإشارات المتفجرة وتولد طاقة تعادل طاقة 500 مليون شمس في الـ(ملي ثانية) في وقت يعاني العلماء من أجل شرحها وتوضيحها.

حدد علماء الفلك بدقة موقع واحد من أشهر هذه التدفقات؛ مما وفر دليلًا على أنها تنتج عن النجوم النيوترونية (الأجرام الأكثر كثافة في الكون)، ولكن هنالك شكّ بوجود نوعين من هذه التدفقات، وما تم رصده يشرح نوعًا واحدًا فقط.

وتعدّ التدفقات الراديوية السريعة ظاهرة مربكة بالنسبة للعلماء، فهي تشبه محاولة التأثير على مسار إبرة في كومة قشّ بحجم الكون، والتي تختفي خلال جزء من الألف من الثانية.

وبسبب ظهورها السريع بشكل لا يصدق فقد رصد العلماء 23 إشارة فقط رغم التقديرات بوجود 2000 إشارة تنطلق عبر الكون يوميًا.

ولكن تدفق واحد سريع ومميز سمّي (FRB 121102) أعطانا فرصة جيدة لهذه الدراسة، على اعتباره أول تدفق متكرر على الإطلاق.

انبثقت حوالي 30 إشارة من نفس الموقع، مما يسمح للعلماء بتوجيه التلسكوبات نحو هذه النقطة بدلًا من البحث العشوائي في الفضاء البعيد أملًا بالتقاط إشارة واحدة.

منذ بضعة أشهر، أعلن باحثون في جامعة ماكجيل (McGill University) في كندا أنهم استخدموا تلسكوب (النطاق الكبير جدًا – VLA) في نيو مكسيكو، لتضييق نطاق مصدر الإشارة المتكررة (FRB 121102) وحددوا المصدر على أنه مجرة خافتة قزمة تبعد حوالي 3 مليار سنة ضوئية عن الأرض.

في ذلك الوقت وقبل رصد هذه الإشارة المتكررة، كانت الفرضية السائدة أن الإشارات قادمة من داخل مجرتنا درب التبانة، وسببها اصطدام كارثي فردي بين نجوم نيوترونية؛ أي نفس العملية التي تشكل ثقبًا أسودًا.

الآن وبعد أن عرفنا أن هذه الإشارة قادمة من خارج مجرتنا، بات على العلماء إعادة التفكير بمصادرهم، في حين يفضل ويرشح فريق ماكجيل النجوم النيوترونية عن غيرها كمصادر لهذه الإشارات.

النجوم النيوترونية هي أجسام كثيفة بشكل هائل تتشكل بعد انهيار نجم، وتنبعث منها موجات راديوية عادية أثناء دورانها.

النجوم النيوترونية ذات المجال المغناطيسي الهائل والذي يسمى (Magentar) محاطة بالمادة المقذوفة بفعل انفجار سوبرنوفا (Supernova) أو النجم النابض، مما يفسر الانفجارات المتكررة للطاقة.

والآن، باستعمال تلسكوب هابل (Hubble) الفضائي وتلسكوب سوبارو (Subaru) الذي يبلغ طوله 8.2 متر في هاواي، حدد الباحثون في ماكجيل وفريق عمل من جامعة توهوكو (Tohoku University) في اليابان مصدر (FRB 121102) بشكل أدق على أنه مجال بين نجمي ضخم بالقرب من مركز هذه المجرة البعيدة.

ويحدد عمل تلسكوب هابل قطر المجرة المرئي بحوالي 20 ألف سنة ضوئية، وهو سدس قطر مجرة ​​درب التبانة، ويبعد هذا المجال البين نجمي حوالي 6.200 سنة ضوئية عن المركز، ويمتد حوالي 4.400 سنة ضوئية.

وربما يجب التنويه إلى أن كلا الفريقين لم يعرضا النتائج بعد، ولذلك فمن المحتمل أن يحدث تغيير في بعض التفاصيل.

وأشار الباحثون في الفريقين أيضًا أن تحديد مصدر الإشارة ضمن هذا المجال يعزز من احتمال أن تكون النجوم النيوترونية هي المسبب؛ كونها من الظواهر الممكن ظهورها في أماكن مشابهة.

المثير للاهتمام الآن وأثناء تضييق النطاق حول ايجاد تفسير للإشارة (FRB 121102)، فمن الممكن أننا نقترب أيضًا من فهم كل الاشارات غير المتكررة.

جوناثان كاتز (Jonathan Katz) من جامعة واشنطن في سانت لويس، والذي لم يشارك في الدراسة، قال لموقع (New Scientist) أنه من الممكن ربط جميع الإشارات بالنجوم النيوترونية الشابة.

وقال ديل فريل (Dale Frail) وهو خبير مستقل آخر من المرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي الأمريكي: «سأكون مترددًا في استخلاص استنتاجات عامة استنادًا إلى عينة واحدة».

لا يزال البحث جاريًا، ولكن مع التلسكوب الأسترالي الجديد الذي اكتشف أول تدفق راديوي سريع في غضون أربعة أيام فقط من بدء مهمته، نأمل ألا نضطر إلى الانتظار طويلًا حتى يزداد حجم العينة.


  • ترجمة: أسامة ونوس
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر