قاد استطلاع آراء حول أذى الدماغ فريقًا من الباحثين لتحديد الشبكات الدماغية المحدّدة التي تخلق إحساسنا بالإرادة الحرّة.

وفقًا للدراسة، يبدو أن فكرة امتلاكنا القدرة على السيطرة على أقدارنا تتضمّن شبكة عصبية تربط بين الأجزاء البعيدة من القشرة والطبقة الخارجية من عقلنا.

قد يساعد تحديد المناطق المشاركة مع وكالة للأعمال الحرّة في شرح سبب قيام البشر بتطوير مثل هذا الإحساس الفريد بذاته. للأسف، ما زالت لا تستطيع أن تخبرنا ما إذا كانت الإرادة الحرة موجودة فعلًا، أو أننا مجرّد جزء من لعبة فيديو لحضارة متطورة.

إذن، كيف يمكنك أن تعرف أين توجد الإرادة الحرّة في الدماغ؟ جمع فريق دولي من علماء الأعصاب بيانات حول ما يقرب من 80 مريضًا شُخّصوا بواحد من اضطرابين، واللذين عُرِّفا بفقدان الرغبة أو فقدان المسؤولية عن أفعالهم.

يطلق على إحدى الحالات الاسم المخيف “متلازمة اليد الغريبة”. وتتميّز بحركة أحد الأطراف التي لا تنصاع إلى إرادة صاحبها.

دراسات الحالة التي أُجريت على أولئك المصابين تصف أيادٍ ترتفع عاليًا لتصفع وجه صاحبها، أو أسوأ، كالخنق اللا إرادي وضرب أجسادهم.

وباعتبارها مخيفة بالنسبة لأولئك الذين يعانون هذه الحالة، فإن علم الأعصاب في ذلك الصدد قد أدهش الباحثين لسنوات، متضمنًا انهيارًا بين اتجاه الدماغ للحركات الدقيقة وتصورنا للسيطرة.

على وجه الشبه، جذبت الطفرات اللا حركية -طفرات تعذّر الحركة- أيضًا اهتمام أطباء الأعصاب كطريقة ممكنة لدراسة قدرة دماغنا على تحفيز النشاط البدني.

كثيرًا ما يتم تشخيص المرضى الذين يعانون الحالة بالخطأ على أنهم في غيبوبة وعادةً ما يكونون غير مستجيبين نسبيًا للعالم من حولهم.

الفرق الأهم أنهم أظهروا علامات الاستيقاظ، متبعة بحركات أعينهم وابتلاع الطعام وصنع أصوات بسيطة.

كلّ من هاتين الظاهرتين الطبّيتين تشيران إلى نوع ما من الانفصال بين الدماغ الذي يهتم بالأعمال والعقل الذي يصدر التوجيهات، جاعلًا منهما مكانًا واضحًا للبحث عن الروابط بين الوكالة والنشاط.

لاكتشاف ذلك، قام الفريق بتطبيق عملية لها جذور في الأبحاث الأصلية للدماغ، مع التطورات الحديثة بالنظر إلى موقع الأنسجة العصبية المتضرّرة.

مع التقدّم في علم الأعصاب، تحوّل التركيز من تشغيل الدماغ كجهاز كمبيوتر-مع مكونات مميزة تؤدي مهامًّا محدّدة- إلى أسلوب أقل نمطية، حيث تعمل شبكات المراكز معًا لتوفير الوظائف.

يقول (مايكل فوكس-Michael Fox )، مدير مختبر تصوير وتشخيص الدماغ في (مركز بيث بإسرائيل ديكونيس الطبي – Beth Israel Deaconess Medical Center): «رسم خرائط شبكة الضرر هي تقنية تم التحقّق منها مؤخرًا، ما يسمح للعلماء بالبحث عن الأعراض الناتجة عن إصابة الدماغ لشبكات دماغية معينة».

يقول فوكس: «في هذه الدراسة، استخدمنا نهج مواقع الشبكات لتحديد أساس التشريح العصبي لاضطراب الإرادة الحرة».
واستنادًا إلى تحليل 28 حالة من الطفرات اللا حركية، قام الفريق بربط الإرادة بجزء من القشرة الحزامية الأمامية: منطقة تقع تحت الجزء الأمامي من الدماغ الذي ثبت أنها مسؤولة عن الانتباه واتخاذ القرار.

من بين الخمسين مثال على متلازمة (اليد الغريبة – alien hand syndrome) التي تتبّعها الباحثون، 90% من الأمثلة كان لديهم أضرار تتداخل مع شبكة ترتبط بقشرة اللوزتين التي تقع أمام الفص القذالي في الجزء الخلفي من الدماغ.

لا يُعتبر الاكتشاف في حد ذاته مفأجاة، لأن وظائف المنطقتين معروفة. لكن استخدام تقنية الشبكات للربط بين الإرادة والقوة بشبكة واسعة مرتبطة بهاتين المنطقتين تستحضر أفكارًا قديمةً ضمن إطار أكثر دقة.

قام الفريق بمقارنة أبحاثه مع أدمغة المرضى الذين يعانون الشلل النصفي، الذين يعانون فقط من أعراض الطفرات اللا حركية في جانب واحد من الجسم.

كذلك، نظروا في العلامات المماثلة لمتلازمة اليد الغريبة في الأفراد الذين يعانون من حالة تسمى بمرض (الرَقَص النصفي – hemichorea)، الذين لديهم حركات لا إرادية لكنهم لا يزالون يشعرون بالمسؤولية تجاهها.

من المهم أن نلاحظ أن النتائج يمكن تطبيقها فعلًا على أعمال الحركة، بدلًا من مجرّد التفكير.

يقول فوكس: «لا يزال غير معروف ما إذا كانت شبكة مناطق الدماغ التي حدّدناها مرتبطة بالإرادة الحرّة للحركات هي نفسها التي تعتبر مهمّة لاتخاذ القرار الافتراضي أم لا».

لا شيء من هذا يساعدنا في فهم ما هي الإرادة الحرّة فعلًا.

تناقش الفلاسفة لقرون حول قدرة قوانين الفيزياء الصعبة على أن تظهر مصير العمل البشري غير المقرر، ونحن لسنا حتى قريبين لهذه الإجابة.

من الواضح أننا نمتلك أحاسيس تجاه أفعالنا، ومع ذلك، فهي تمتلك شبكة معقدة من العمليات العصبية.

هذا يطرح سؤالًا: لماذا قد تتطوّر مثل هذه الوظيفة في المقام الأول؟

مهما كانت القوة والإرادة -سواء كانتا خيالًا أو ظاهرتين فيزيائيتين معقّدتين فنحن بالكاد قادرون على فهمهما- فإننا الآن على بُعد خطوة صغيرة لفهم كيفية عملها من خلال شبكة من أنسجة المخ التي تمتد خلال الدماغ، والتي من الممكن أن تخبرنا من أين يأتي إحساسنا بالحرية.


  • ترجمة: يوسف ياسر
  • تدقيق: علي فرغلي
  • تحرير: مازن سفّان
  • المصدر